المقالات
دور الصدق
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3360
والصدق مطلوبٌ في مجمل حركة الإنسان "فعلاً وقولاً"، وبنحو مفصّل فهو مطلوب من المؤمن على مستوى "القول" لأنّ الكذب ليس من صفات المؤمن ولا من أخلاقه، لأنّ الكذب يبعد الإنسان عن الأخلاق الفاضلة والسليمة، وعلى مستوى "النية والإرادة" لأنّ صفاء النيّة هي بمعنى أن تصدق مع الله سبحانه فيما تنوي أن تفعله فلا يَدخل في نية العمل شيء لغير الله، وإلاّ لم يكن صادقاً فيما نوى، وعلى مستوى "العزم" فلا ينهزم أو يتراجع أو يتردّد عندما يكون العمل المنوي القيام به ممّا يرضى الله سبحانه عنه، وعلى مستوى "العمل" في كلّ أمور الإنسان في الإكتساب للمال، أو في التعامل مع الآخرين من حوله لأنّ الصدق هو الطريق لفتح القلوب أمام الصادق من خلال الثقة التي يكتسبها عند الناس بصدقه وأمانته، ولهذا فقد ورد في الحديث :(لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)، فهذا الحديث وأمثاله يوضح لنا أن لا نغترّ بمن يكون كثير الصلاة والصوم إن لم يقترن ذلك بصدق الحديث مع الناس وأداء الأمانة ليكون الصدق كاشفاً عن أنّ عباداته لله وليست للنفاق أو المراء أو اكتساب ثقة الناس من أجل أغراض لا تنتسب إلى الله عزّ وجل.
من هنا فإنّ على المؤمن أن يبحث عن الصادق الأمين ليتّخذه أخاً له وصديقاً قريباً يتعلّم منه هذه الصفة الجليلة أو يقوّي إرادته وإيمانه على الإلتزام بها، ومن هنا ورد في الحديث: (الصديق أقرب الأقارب) أو (الصديق أفضل الذخرين)، حتى أنّه ورد أنّ الصديق الصادق يستغيث به أهل النار لتخفيف العذاب عنهم كما في قوله تعالى :{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}.
ولأجل كلّ ما سبق ورد في بعض الروايات أنّ الإيمان هو "الصدق" كما عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإيمان أن يؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك)، أو أنّ (الصدق عماد الإسلام ودعامة الإيمان)، أو أنّ (الصدق رأس الإيمان وزين الإنسان).
فالصدق إذن هو باب نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة، كما أنّ الكذب هو باب الخسران للدنيا ثمّ الآخرة، ولهذا يقول الأمير (عليه السلام): (الصدق ينجيك وإن خفتَه، والكذب يرد بك وإن أمِنتّه).
من هنا ينبغي للمؤمن الملتزم أن يعيش الصدق والأمانة مع الله ومع الناس في مختلف ما يتعاطى به معهم من تجارةٍ أو مال أو أمانة حتى يعوِّد نفسه على هذه الصفة الجليلة التي تزيّن الإنسان وترفع من مقامه عند الله أولاً وعند الناس ثانياً ولو كان على حساب مصلحة قد تفوت أو بلاء قد يقع فيه، لكن فوات المصلحة أو الوقوع بالبلاء في الدين أهون بكثير لمن يصدق فيما لو لم يصدق حيث يُعرِّض إيمانه للخطر فضلاً عن اكتسابه للحرام والإثم واستحقاقه للعقاب الإلهي الذي أعدّه للكاذبين من العباد في النار وبئس القرار.
نسألك اللهم بحقّ محمدٍ وآل محمد أن تجعلنا من الصادقين وأن تحشرنا مع الصادق الأمين وآله الأطهار الميامين.
والحمد لله ربّ العالمين