المقالات
حرمة الركون الى الظالمين
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5300
والمسلمون في العالم هم جزء من سكان هذه الأرض ويتوزعون على جنسيات وقوميات ولغات وألوان مختلفة حسب البلاد التي ولدوا فيها ونشأوا وتعلموا لغاتها واكتسبوا عاداتها وتقاليدها، إلّا أنّ هذا الإختلاف في كل تلك الأمور معتبرة في الإسلام هامشية وجانبية لأنّ الرابط الذي يربط كل هؤلاء المختلفين كما ذكرنا هو الشعار الإسلامي الكبير الذي يجمع الجميع تحت رايته ولوائه وهو "شهادة التوحيد لله والنبوة لمحمّد" وهو (لا إله إلّا الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم) رسول الله).
هذا الشعار هو الذي يجعل من المسلمين كتلة واحدة لا تمييز بينهما من جهة العلاقة بالله والإيمان به، فكل من شهد لله بالوحدانية ولمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوة له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، ولذا نجد أنّ الله سبحانه يعتبر المسلمين مع كل التنوّع الذي ذكرناه أمة واحدة ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ و﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وبما أنّ الإسلام هو دين الله كما أخبر القرآن بذلك ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ فالمسلمون هم أكرم البشر عند الله وهم المقبولون عنده لأنهم ينطلقون من القاعدة الإلهية الصحيحة في العقيدة والفكر والسلوك، لكن الأكرم من المسلمين عند الله هو "التقي"وهو الإنسان الذي يلتزم نهج الإسلام كله ولا يتخلف عنه في فعل أو قول، وكلما كان إلتزامه أقوى وأشد كلما كان أكثر إكراماً عند الله وقرباً منه عزّ وجلّ، لأنّ "مقياس التقوى" مقياس دقيق جعله الله وسيلة للتفاضل حتى بين المسلمين الموحِّدين.
والأمة الواحدة التي أرادها الله تعني أن تنصهر جميعها في قالب واحد لا تعدد فيه ولا اختلاف ولا تنازع، بل تقارب وتلاحم وتراحم وتواصٍ بالحق والصبر، وتسابق إلى فعل الخير ونيل المغفرة من الله ،ومسارعة إلى نجدة المسلم لأخيه المسلم فيفرح لفرحه ويحزن لحزنه، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب، لأنّ هذا التفاعل والإحساس بالشعور الإسلامي المتبادل يجعل المسلمين يعيشون هموم بعضهم البعض، ويتعاونون على السراء والضراء لما فيه خيرهم وسعادتهم جميعاً.
هذا هو التصور الإسلامي العام للأمة الإسلامية التي قال عنها بأنها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، سواء فيما بين بعضهم البعض، أو في مواجهة الخارجين عن الإسلام سواء أكانوا في موقع العداء للأمة أو لم يكونوا.
فإن لم يكن غير المسلمين أعداءً للأمة فواجبنا تجاههم هو دعوتهم إلى دين الله الحق، وإلى الصراط المستقيم، لأنّ مسؤولية الدعوة إلى الإسلام هي وظيفة المسلمين جميعاً وليست مقتصرة على مجموعة محددة منهم، وإن كان غير المسلمين أعداءً للأمة وجب على المسلمين إعداد العدة وتجميع القوى من أجل محاربة أولئك الأعداء المتربصين بالأمة شراً والذين يريدون قهرها والتغلب عليها والإستيلاء على أرضها وثرواتها ومصادرة قرارها.
وهنا تبرز أهمية وحدة الأمة الإسلامية في مجال الشدائد أو الصعاب، فالوحدة قادرة على لجم المعتدي وإيقافه عند حدّه، وبدونها ستكون الأمة كلها معرضة للخطر كما هو الحال اليوم، حيث تحشد أمريكا الجيوش والأساطيل مع حليفتها بريطانيا وإسرائيل من أجل محاربة العراق بحجة واهية، بينما السبب الحقيقي هو الإستيلاء على ثروات ذلك البلد المسلم وإقامة حكم موالٍ لأمريكا وضامن لمصالحها فيه، والإنطلاق منه بعد ذلك إلى الهيمنة الكاملة على العديد من البلاد العربية الإسلامية.
من هنا نقول أنّ على الدول الإسلامية واجباً كبيراً في هذا الظرف العصيب حيث تقرع فيه طبول الحرب ضدهم، وأن يتداعوا للإجتماع على مستوى الحكام لإتخاذ القرارات الجريئة في وجه الإستكبار الأمريكي والغطرسة الإسرائيلية التي تمعن قتلاً وتدميراً ضد شعبنا الفلسطيني المظلوم، وأن يرفع الحكام المسلمون الصوت عالياً، أو أن يستعملوا ما يمتلكونه من سلاح النفط والمقاطعة، وأن يسمحوا لشعوبهم أن تعبّر عن مشاعر الغضب والإستنكار ضد الإعداء، وعندما يرى أعداؤنا ذلك منا، وبأننا على استعداد تام للدفاع عن وجودنا ومصالحنا، سيعيدون النظر أكيداً فيما يخططون له ويسعون للحصول عليه من ثرواتنا وقدراتنا، وكلما أسرع أولياء الأمور في عالمنا الإسلامي في تحقيق ذلك كلما خفت الأخطار وانزاحت الصعاب وانكفئ العدو متراجعاً خائباً، ولنا من تاريخنا الإسلامي الكثير من العبر عندما توحّد المسلمون وهزموا الزحف المغولي وقبله الزحف الصليبي.
والحد لله رب العالمين