المقالات
المهدوية مشروع إنسانيّ
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3961
مقدمة: الحضارة الإنسانية متنوعة بتنوع الإنسان وبتنوع المكان وبتنوع الأفكار والظروف، ولكن مع هذا التنوع نرى أن هناك بعض الأفكار المشتركة،ولعل القضية الوحيدة المتفق عليها بين جميع الاتجاهات الفكرية الإنسانية هي فكرة المنقذ والمصلح العالمي وإقامة الدولة العالمية العادلة وإقامة المجتمع المثالي، وهذه الفكرة التي لم يخلُ منها الفكر الإنسانيّ على تنوعه تشير إلى الفطرة الإلهية المودعة في النفس البشرية والباحثة عن السعادة والعدالة والكمال الإنساني وتتوجه نحو فكرة المخلص والمنقذ الموجودة في القرآن الكريم في قوله تعالى (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً) والآية ناظرة إلى أن هذه السنة هي "العدل" الذي لا بديل له ولا تحويل عنه، فالعدل هو العدل ولا يمكن أن يتبدل أو يتحول لشيء آخر.
فكرة المصلح في الوجدان الإنساني، يقول برثراند راسل وهو فيلسوف انكليزي (وإن العالم بانتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد) ويقول اينشتاين صاحب نظرية النسبية (إن اليوم الذي سيسود العالم كله الصلح والصفاء ويكون الناس متحابين ليس ببعيد) حتى صاحب فكرة الشيوعية كارل ماركس بشر بالحكومة العالمية ومن موقع إلحاده فقال (إن الناس لشدة ولعهم بالفضائل في مرحلة الشيوعية فإنهم لن يحتاجوا إلى المال ولا المؤسسات الرأسمالية بل يصل الأمر إلى الأستغناء عن الحكومة أصلاً فتذوب الحكومة من تلقاء نفسها)، وهذه الدولة هي التي نادى بها أفلاطون وسماها بـ (المدينة الفاضلة ) وسماها الفارابي المفكر الإسلامي بـ (الملة الفاضلة).
فكرة المنقذ في الأديان السماوية غير الإسلام، فقد ذكر ابن القيم الجوزية عن اليهود (إنهم أي اليهود ينتظرون قائماً من ولد النبي داوود إذا حرك شفتيه بالدعاء ماتت جميع الأمم غير اليهود) وفي سفر دانيال الإصحاح 2-44- (يقيم إله ا لسموات مملكة لا تنقرض إلى الأبد لا يترك ملكه لشعب آخر وتسحق جميع الممالك ، أما هي فتخلد إلى الأبد) وفي إنجيل متى الإصحاح 24- آية 29- (بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وحينئذ تنوح قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتٍ على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، فيرسل ملائكته ببوق عظيم "الصيحة عندنا" فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من إقصاء السماوات إلى أقصاها).
فكرة المهدوية في الإسلام: جاءت الديانة الإسلامية لتؤكد هذه البشارة لتوحد حقيقة انسجام الفطرة مع فكرة المصلح العالمي ودولته المباركة، وقد أوضحت الآيات القرآنية هذه الحقيقة الثابتة مثل آية (وعد الله الذين آمنوا ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم بعد خوفهم أمناً لا يُشركون به شيئاً) وقوله تعالى ( هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وذكر المفسرون أن الظهور هو "الغلبة لدين الله ودخول جميع أهل الديان في الإسلام أفواجاً أفواجاً) وقوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) وقوله تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
هوية المخلص: عن أبي امامة الباهلي قال: قال رسول الله (ص) (أنا سيد المرسلين وعلي سيد الوصيين وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي وآخرهم المهدي (عج)) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) ( إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلف من بعدي الإثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي، قيل يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: علي ابن أبي طالب ، وقيل من ولدك؟ قال (ص): (المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).