حق الحضانة بين الوفاة والطلاق
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 6255
من الواضح جداً أنّ الزواج ينتج عنه بنحو الأعمّ الأغلب إنجاب الأولاد لتتكوّن بذلك الأسرة بمعناها الاجتماعيّ التي ترتبط بمجموعةٍ أخرى ضمن منظومة النّسب والرّحم من جهة، أو ضمن منظومة العلاقات الأخويّة والإنسانيّة التي تنشأ بين أُسرٍ مختلفةٍ من جهةٍ أخرى. إلاّ أنّه ومن ضمن المسار العاديّ للأمور قد تتعرّض بعض هذه الأسر لحالاتٍ من التفكّك نتيجة حصول عوامل لم تكن بالحسبان توصل إلى تلك الحالة السلبيّة ضمن العائلة الواحدة، وحالات التفكّك التي سنتعرّض لها بالتّحديد هي التي لها ارتباطٌ بعنوان هذه المقالة وهما حالتان ، الأولى: الطلاق ، والثانية : الموت ،والسبب في التّركيز على هاتين الحالتين دون غيرهما هو ما نشهده من نزاعاتٍ عائليّةٍ بين طرفيّ الأسرة المتفكّكة، فيتحزّب أهل الزوج لولدهم، وكذلك أهل الزوجة لابنتهم، وقد يصل أمر النّزاع إلى توسيط أطرافٍ من خارج العائلتين لحلّ المشاكل العالقة، أو قد تصل إلى المحاكم الشرعيّة مع ما في ذلك من إرباكٍ لتلك العائلات المتنازعة وجرٍّ لها إلى مواقع ما كانت تحبّ أن تصل إليها. ومنشأ الخلاف النّاتج عن تلكما الحالتين هو "حقّ
الحضانة للأطفال غير البالغين بين الزوجين"، حيث تسعى الأم تبعاً لعاطفتها وحنانها وما أهَّلها الله له أن تحضن أولادها وترى أنّها أحقّ بهذا الأمر من الزّوج وأهله، وبين الزوج أو أهله الذين يروون أنفسهم أنّهم أصحاب الحقّ في حضانة أولئك الأولاد. لهذا سوف نحاول في هذه المقالة توضيح رأي الشّرع الإسلاميّ في هذا الأمر وكيف يعالج مسألة حق الحضانة في الحالتين المذكورتين. العلاج الأول :مصير حقّ الحضانة حال الطلاق ، فالطلاق هو عبارةٌ عن منع استمرار عقد الزواج بين الرجل والمرأة بالصّيغة الشّرعيّة "أنتِ طالق" أو "زوجتي فلانة طالق" مع توافر الشروط الأخرى، وبعد تنجُّزِ الطلاق، فإذا كان هناك أولاد فهما على قسمين : إمّا أن يكونوا بالغي السنّ الشّرعيّ، ففي هذه الحالة للبالغ الحقّ في اختيار السّكن مع أحد أبويه ولا يحقّ لأحدٍ إجباره على العيش مع واحدٍ منهما بالخصوص ،وإمّا أن يكونوا غير بالغين، ففي هذه الحالة يحقّ للأم أن تحضن الصّبي حتّى يصبح عمره سنتين ثمّ يحقّ للأب المطلِّق أن يستردّه منها، ويحقّ له إبقاؤه معها، ويحقّ لها أن تحضن البنت حتّى تبلغ سبع سنوات من عمرها ثم يحقّ للأب استردادها ويحقّ له كذلك إبقاؤها مع الأم. وفي كلّ تلك الحالات تكون الولاية على الأطفال غير البالغين للأب حيث هو المطالَب أساساً بتقديم النّفقات المُتعارفة ولو كانوا في حضانة الأم، وولاية الأب هنا هي ولاية تكوينيّة وثابتة شرعاً أيضاً، ولا تسقط ولايته إلا في حال ثبوت أضرارٍ غير عاديّة على أولاده جرّاء ولايته عليهم، إلاّ أنّ هذا يحتاج إلى إثباتٍ عند الجهات المخوَّلة شرعاً بسلخ ولاية الأب عن أطفاله عند حصول الموجب لذلك. ولا بد من إلفات النّظر هنا إلى أنّ حضانة الأم لكلٍّ من الصبيّ والبنت ضمن السنّ المسموح لها به مشروطةٌ بعدم زواجها من رجلٍ آخر، فإذا حصل وتزوّجت يسقط حقّها بالحضانة ويكون الأب أحق بحضانتهم منها، ولعلّ ذلك لأن زواجها يتطلّب منها مسؤولياتٍ تجاه الزوج الجديد مع وجود البديل الصّالح لحضانة الأطفال وهو "أبوهم". ويمكن للزوجة المطلّقة أن تتنازل عن حضانة أطفالها غير البالغين لأنّ الحضانة حقٌّ لها بالخصوص وهو حقٌّ قابلٌ للتنازل عنه أو المعاوضة عليه، أو يمكن إسقاط حضانتها عبر الجهات المخوّلة بذلك إذا ثبت أنّ حضانتها تُلْحِقُ ضرراً بالغاً بأطفالها لأسبابٍ تكون مُبرّرةً بنظر العُرف والشّرع. العلاج الثاني :مصير حقّ الحضانة حال الوفاة ، هنا في هذه الحالة أيضاً إن كان الأولاد بالغين فهم أصحاب الحقّ في أن يعيشوا مع أمّهم ومع أهل أبيهم، وفي كلتا الحالتين النّفقة على الأولاد واجبةٌ على أهل الأب من مال المتوفي إن كان له مالٌ، أو من مال أب الأب وهو "الجد" الذي له الولاية إن كان حيّاً، وأمّا إن كان الأولاد غير بالغين ففي هذه الحالة تكون الأم هي الأحقّ بحضانة أطفالها ذكوراً وإناثاً إلى أن يصلوا إلى سنّ البلوغ الشّرعي وتكون نفقتهم من مال أبيهم المتوفي إن كان ذا مال، أو من مال أب الأب وهو "الجد"، وبعد البلوغ هم مخيَّرون بالسّكن مع أمّهم أو مع أهل أبيهم. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ حقّ الحضانة في هذه الحالة لا يسقط حتى ولو تزوّجت، لأنّ الأب متوفٍّ، ولأنّ الأمّ في هذه الحالة أولى من أب الأب في حضانة أبنائها لأنّها أرفق بهم وأرحم من باقي النّاس الأقرباء لهم ما عدا الأب المتوفي طبعاً حيث رأينا أنه في حالة الطلاق يحقّ للأب استرداد أطفاله من أمّهم بعد انتهاء الفترة التي يحقّ لها أن تحضن أطفالها خلالها. وهنا أيضاً يحقّ للأم إسقاط حقّها في الحضانة لجدِّ الأطفال لأبيهم، كما يمكن إسقاط حضانتها بالأسباب الموجبة بنظر العرف والشّرع من خلال الجهات المخوّلة شرعاً بإصدار مثل هذه الأحكام. هذا بنحوٍ مختصرٍ حكم أكثر تفاصيل حقّ الحضانة في حالتي الطلاق والوفاة، ولا شك أنّ رأي الشّرع الإسلاميّ مبنيٌّ على الرّفق بالأطفال وملاحظة ما هو الأنفع لهم والأفضل لحياتهم، لأنّ أحكام الإسلام كلّها مبنيّةٌ على موازين الحقّ والعدل الإلهيّين اللذين يضعان الأمور في مواضعها الصحيحة والسليمة والمحقّقة لأغراضها. لذا نحن نتوجّه إلى كلّ أهالي شهدائنا الكرام البررة أن يلاحظوا أحكام الإسلام الحنيف في التّعامل مع زوجة الشهيد وأبنائه، والسعي إلى تحقيق مضامين الشّريعة عند سقوط الشهيد مُضرَّجاً بدمائه في سبيل عزّة دينه ورفعة أمّته، لأنّ مثل هذا التّعامل يُدخِلُ السرور إلى قلب الشّهيد حيث هو في ظلّ عفو الله ورحمته، ولا نريد أن تكون شهادة الشهيد باباً تنفتح من خلاله المشاكل المتعدّدة بين الزوجة من جهة وأهل الشهيد من جهةٍ أخرى كما نرى ذلك في حالات عديدة حصلت وما زالت تحصل حتى الآن. إنّ تطبيق أحكام الله يجب أن يكون له أولويّة في حياتنا حتّى أنّه يجب علينا تقديم التزام أحكام الله عزّ وجلّ على انفعالاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا التي قد تدفع بنا أحياناً إلى أن نتجاوز حكم الله لكي نُحكِّم نظراتنا الخاصة وآراءنا الشخصيّة في التّعامل مع هذا الأمر المهم، مع أن ذلك قد يكون مدخلاً لنزاعاتٍ لا مبرر لها، وإيقاعٌ لأطفال الشهيد في مشاكل ومتاهاتٍ وقلقٍ وإرباكٍ هم بالغنى عنه خاصة بعد استشهاد أبيهم. والحمد لله رب العالمين