أهدى السُّنن ـ الصبر ـ
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1888
والحديث المتقدّم يوضح الموارد الأساسية للصبر وهي:
أولاً- الصبر على المصيبة: فالإنسان في مجريات حياته لا يخلو من أن تمر به عقبات ومصائب وابتلاءات تجعله في حالة صعبة في أيّ شأنٍ من شؤون الحياة، كفقد المال أو المنزل أو العمل أو الولد وما شابه ذلك، وعليه فالإنسان الصابر في مثل هذه المواضع من موقع الإيمان بالله والتسليم لأمره سيؤدّي به صبره في النهاية إلى الفلاح والنجاح، كما مضمون بعض الأحاديث في هذا الجانب، ومنها الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ النّصر مع الصّبر)، وكما في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } هو شعار يطبّقه المسلم في أمثال هذه الموارد.
ومن موارد الصبر على المصيبة هو الصبر على مقاومة الأعداء الذين يتربّصون بالإسلام والمسلمين شرّاً، وأن يتحمّل المجاهدون والشعب نتائج الصبر على هذه المصيبة من خلال التضحيات التي تُبْذلُ في سبيل التحرير، لأنّ عدم الصبر في هذا المورد ينتج الإستسلام للعدو والرضوخ لأمره وقبول شروطه التي قد تحمل الذلّ والهوان كما هو الحال الآن مع إسرائيل التي يركض العرب للسلام معها، بدلاً من سلوك طريق الجهاد والصبر عليه كما يفعل ذلك أبناء المقاومة الإسلامية الأحرار الذين يصبرون ويتحمّلون نتائج صبرهم بدلاً من الخنوع والخضوع الذليل.
ثانياً- الصبر على الطاعة: لأنّ المسلم مُطالبٌ بتنفيذ الواجبات الإلهية الداخلة في عهدته وعلى ذمّته، والصبر عليها معناه عدم التقصير في أدائها ضمن مواعيدها وأماكنها وظروفها سواء تعلّقت بنفس الملتزم أو بما له أو بما هو من شؤونه وتوابعه، وعدم الصبر في هذه الموارد وهو ـ التقصير في الطاعة ـ موجب للإثم ومن ثمّ للعقاب الذي توعّد به الله عزّ وجل كلّ الذين يضعفون ويعجزون عن أداء التكاليف الإلهية.
مُضافاً إلى أنّ الصبر على الطاعة يزيد من الإرتباط فيما بين العبد وربّه، ويزيده إيماناً واقتداراً إذا كان الأداء للتكليف على الوجه المطلوب بالمعنى الإلهي.
ثالثاً- الصبر على المعصية: وهذا المجال مهم جداً أيضاً في حياة الإنسان كونه يتعلّق بالجانب الشهواني الذي قد يدفع به الى ارتكاب المحرّمات والموبقات من قبيل السرقة والكذب والزنا والقتل وما شابه، والصبر في هذا المجال يحتاج إلى إدراك العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة على الإنسان العاجز عن الصبر في هذا المقام.
مُضافاً إلى أنّ الصبر هنا يزيد من نقاء نفس المؤمن وصفاء سريرته وبياض قلبه، وفي هذا ما لا يخفى من الفوائد المعنوية والروحية الجليلة التي تجعل من المؤمن قويّاً أمام المغريات الدنيوية بشتّى أشكالها فلا يسقط أمامها ولا يجبن عن مواجهتها ولا يعجز عن منعها من التحكّم في مسيرة حياته.
فالصبر إذن هو المركب الذي إذا التحق به الإنسان استطاع سلوك طريق الدنيا والوصول إلى الحياة الآخرة بسلامٍ وأمان.