الغيبة
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2555
والغيبة مرضٌ أخلاقي شائع للأسف جداً بين الناس، وهي من أعظم المهلكات وأشدّ المعاصي، ويكفي للتدليل على بشاعتها تشبيه الله لها بأنّها كمن يأكل من لحم أخيه الميت مع أنّه يكون لحماً نتناً فاسداً كريه الرائحة والطعم، ولذلك الغيبة مكروهة عند الله عزّ وجلّ كراهة شديدة نظراً لما تحتويه من المفاسد الأخلاقيه والإجتماعية ومن أهمّها الإنتقاص من قيمة الناس معنوياً وإجتماعياً.
وعندما نرجع إلى أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) نجد الشروح الوافيه للآيات الكريمة، وتبيّن لنا الأضرار المترتّبة على الغيبة والدوافع التي تدفع بالناس إلى ممارستها، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إيّاكم والغيبة، فإنّها أشدّ من الزنا، فإنّ الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يُغفر له حتّى يغفر له صاحبه)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) :(مررت ليلة أسُريَ بي على قومٍ يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرائيل: من هؤلاء؟ قال: "الذي يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم)، وكذلك ممّا أوحى الله إلى نبيه موسى (عليه السلام) :(من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصِراً عليها فهو أوّل من يدخل النار) ،وكذلك ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما عمر مجلس بالغيبة إلاّ خرب بالدين، فنزِّهوا أسماعكم عن استماع الغيبة، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم)، وعن الصادق (عليه السلام) :(الغيبة حرامٌ على كلّ مسلم وإنّها تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، وهذه نبذة صغيرة من الأحاديث الكثيرة الواردة في ذمّ الغيبة وبيان مفاسدها.
أمّا دوافع الغيبة فهي كثيرة ومتعدّدة، فمنها "الغضب" فعندما يغضب إنسان ما فهذا قد يدفعه من موقع ضعف الإيمان إلى اغتياب أخيه المؤمن، وكذلك "الحقد" لأنّ الحقود هو الذي يرى أنّ غيره أفضل منه فيسعى للإنتقام من خلال الإنتقاص من قيمته باغتيابه له، ومنها "الحسد" لأنّ الحسود هو الذي يتحسّر على عدم وجود ما لدى الآخرين لديه فيسعى لتشويه سمعتهم وإيذائهم عبر الغيبة، ومن دوافع الغيبة أيضاً "السخرية والإستهزاء بالناس" ـو "إرادة الإفتخار والمباهاة" على غيره فيغتاب الآخرين ليرفع من مقامه وينتقص من مقام الآخرين، أو "يذكر عيوب الآخرين" لكي يظهر هو على أنّه لا يفعل تلك الأفعال، أو "تشويه سمعة شخصٍ ما" لكي لا يعود له مقبولية عند الناس وتنفقد الثقة به، وإلى غير ذلك من الدوافع الخفيّة أو الظاهرة.
من كلّ ما سبق ينبغي على المؤمن الحذر من الوقوع في هذه المعصية المهلكة، وأن ينتبه للكلام الصادر عنه، فيدقّق فيه قبل صدوره، وليذكر المؤمن أنّه إذا اغتاب الناس فإنّ الآخرين قد يكونون ممّن يغتابونه أيضاً، وهذا كلّه يؤدّي إلى إيقاع الفتنة بين الناس، وتشيع بينهم الضغائن والأحقاد والبغضاء، لأنّ ما من أحد يرضى بأن يتعرّض له الآخرون بذكر ما فيه من العيوب، وليس أحدٌ منا خالٍ منها. فإذا انشغل كلّ واحدٍ منا بنفسه كان أفضل له عند الله وعند الناس، ولذا ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس).
وليحذر العاملون خصوصاً من الوقوع في شرك هذه الآفة لتشويه سمعة زملائهم أمام مسؤوليهم كأن يقول "فلان لا يقوم بتنفيذ عمله جيداً"، أو أنّ "فلاناً يختلق الأعذار ليغيب عن العمل" أو أنّ "فلاناً ليس أهلاً لموقعٍ ما" وكلّ ذلك من أجل الإنتقاص وقطع الطريق على من اغتابه.
وعلاج هذا المرض النفسي الخطير يكون عبر استذكار عواقبه الأخروية وأنّه ماحٍ للحسنات ومُحبط للأعمال، وموجب للمهانة عند الناس، لأنّ المغتاب عندما يعتاد على هذا الفعل سوف يصغر شأنه وتقلّ قيمته ويذهب بهاؤه، وليتذكّر المغتاب أنّه ليس بمأمنٍ عن اغتياب الآخرين له أيضاً لأنّ لديه عيوباً كما عند الآخرين عيوب، ومن أهم أنواع علاج الغيبة أن يهتمّ الإنسان بنفسه فيعالج مساوءها وأمراضها وانحرافاتها، فتنشغل نفسه عن الآخرين، وليكن شعاره قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (من نظر إلى عيوب غيره فأنكرها ثمّ ارتضاها لنفسه فذلك هو الأحمق بعينه).
والحمد لله ربّ العالمين