طاعة أولي الأمر في الإسلام 20
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1899
ويترتّب على هذا القول أنّ المسلمين المتواجدين في بلدانٍ غير إسلامية يجب عليهم طاعة أوامر ولي الأمر كما تجب طاعته على الموجودين في دولته، وعليهم أن يعتبروا أنّ أوامره وتوجيهاته عندما لا يحدّدها وفق نظام المصالح والمفساد بحدود الدولة التي يحكمها الإسلام فعلياً هي واجبة الإتِّباع ولا تجوز مخالفتها والعمل بما يناقضها.
وهنا قد يقول البعض بأنّ اختلاف السياسات بين الدولة الإسلامية وتلك الدول، وبأنّ عدم عيش الولي في الساحات غير الإسلامية يجعله غير قادر على الإحاطة بمجريات الأمور في تلك الدول، وبالتالي فإنّ أحكامه وتوجيهاته قد لا تكون بالضرورة موافقة أو مطابقة لمصالح المسلمين في تلك البلدان، وينتج عن هذا التصوّر بالتالي ضرورة وجود أولياء مستقلّين بالأمور في تلك الساحات ليديروا شؤون المسلمين فيها من واقع العيش الفعلي والمتابعة التفصيلية لأمورهم وقضاياهم لأنّهم أقرب إلى الواقع على قاعدة (إنّ أهل مكة أدرى بشعابها).
إنّ هذا القول مردود من جهات عديدة – أولاً – إنّ الولي الفقيه حتى في حدود الدولة الإسلامية لا يسعه أن يعيش كلّ القضايا بتفاصيلها، بل يعرف كلّ الأمور من خلال الجهات المسؤولة والأجهزة المختصة التي تزوّده بكلّ ما له دخل في كيفية إصدار قراراته – ثانياً – إنّ الولي الفقيه يتمكّن في ساحات البلاد غير الإسلامية من تنصيب أشخاص أو جهة معينة تأخذ على عاتقها تدبير الأمور وترتيب الأوضاع من خلال الشرعية المضفاة عليها من ولي الأمر نفسه، إمّا بالإستقلال أو من خلال التنسيق معه عبر إعطائهم مساحة وهامشاً للتحرك حتى لا تكون كلّ حركة من حركاتهم أو فعلٍ من أفعالهم مقيَّداً بالرجوع إليه – ثالثاً – إنّ الأوضاع التي يعيشها المسلمون خارج حدود الدولة الإسلامية لا تستوجب أن يتعدّد الولي بتعدّد البلدان طالما أنّ طريق التنصيب والتعيين متيسّر فيما إذا تواجد مؤهّلون لتولّي تلك المسؤوليات ضمن الإشراف الخاص أو العام لولي الأمر.
والناتج عن كلّ هذا الأمر أنّ ولي الأمر تمتد سلطته الشرعية والقانونية إلى كلّ مكانٍ يتواجد فيه المسلمون ويحقّ له إعمال تلك الولاية ويجب على المسلمين طاعته، وهذه القضية ليست اختيارية بيد الإنسان لكي يقبل أو يرفض، بل القضية داخلة ضمن إطار الأحكام الشرعية التي يجب على المكلّفين جميعاً امتثالها في حياتهم.
وقد يقول البعض إنّ الولي الفقيه قد يصدر أحياناً أحكاماً لا تتناسب مع مصالح أولئك المسلمين، وهذا قد يؤدي إلى وقوعهم في إرباكات كانوا بالغنى عنها لو تواجد ولي فقيه خاص بكلّ دولة، والجواب عن ذلك هو أنّ أحكام الولي الفقيه الصادرة عنه ليست اعتباطية إلى هذا الحد، بل حتى الولي الفقيه على أحكامه أن تكون ضمن دائرة حفظ المصالح واجتناب المفاسد، وبهذا المعنى فإصدار أيّ حكمٍ سواء إذا كان ميدانه ساحة الدولة الإسلامية بذاتها أو الأعم منها ومن الخارج لا بدّ أن يكون صادراً عن مراعاة تلك العناوين الكبيرة، بل من غير المعقول أن يصدر عن ولي أمر المسلمين وفق الشروط الشرعية المعتبرة فيه والتي تؤهّله ليكون في موقع الأمين المؤتمن على الأمة أحكام تخالف مصلحة المسلمين أو تؤدي إلى وقوعهم في المفاسد.
وأكبر دليل على هذا القول هو التجارب المتكرّرة حتى الآن على مستوى التعامل مع القضايا الهامة عند المسلمين خارج دائرة الدولة الإسلامية حيث نرى أنّ كلّ التوجّهات والقرارات الصادرة عن ولي الأمر لم تلحظ إلا حفظ مصالح المسلمين وإبعادهم عن المفاسد حتى في دولهم أو المجتمعات غير الإسلامية التي يتواجدون فيها.
والحمد لله ربّ العالمين .