حرمة التكسب بالمثيرات الجنسية
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3762
ومن الواضح أن الشهوة الجنسية عند الإنسان قد تكون سريعة الإثارة أحياناً بحيث ان الواحد قد يسقط أمام مغرياتها وأساليبها المتنوعة في الجذب ولفت انتباه المرء فلا يعود أمامه سوى الوقوع في هذا الفخ المنصوب له ولأمثاله من البشر ضعيفي الإرادة.
وجريمة الزنا ليست من ابتكارات هذا العصر، بل كان موجوداً منذ أقدم العصور، إلا أن في تلك الأزمنة كان محصوراً ضمن وضع معين من دون وجود وسائل إعلام أو أجهزة نقل الصورة والصوت، فكان مداه محدوداً أو مجاله غير واسع كما هو اليوم، بحيث يرى الإنسان الدعايات والإعلانات موجودة في كل مكان من العالم.
ولعل أبلغ صورة تدل عن واقع هذه الفاحشة المحرمة ما نراه اليوم في عالم الغرب، حيث الإنسان هناك لا هم له سوى البحث عن اللذة المحرمة عبر الصور والأفلام ونوادي العراة حيث يرتادها الناس للاستمتاع بما هو محرم من هذه الشهوة، ولم يكتفوا بذلك، بل استغلوا أحدث وسائل الإعلام لإيصال تلك الممارسات إلى كل دول العالم ترغيباً وطمعاً بتحصيل الأرباح الوفيرة من خلال ذلك الفعل الشنيع، حتى أن هناك بعض التقارير والإحصاءات المالية للتجارة العالمية تشير إلى أن الأرباح المحصلة من خلال هذه التجارة المحرمة تصل إلى حدود سبعة بالمائة من مجمل التجارة الدولية مما يعني مليارات الدولارات تجنيها سنوياً المؤسسات التي تعتمد هذه الوسائل للكسب غير المشروع.
والجريمة الكبرى في هذه المسألة هي استغلال المرأة أشبع استغلال من خلال إغرائها بتحصيل ربح سريع ومن دون تعب أو عناء سوى عرض جسدها ومفاتنها وبيع ذلك للناس اللاهثين والباحثين عن الشهوة واللذة وأساليب تحصيل المتعة المحرمة، ولا شك أن في هذا الأمر امتهاناً للمرأة وإهداراً لكرامتها ولقيم إنسانيتها التي أراد الله للمرأة أن تعيش وهي محافظة عليها ومحتمية بها من أمثال هؤلاء الشياطين الذين يغرونها بالمال والجاه والشهرة والترويج لها عبر كل وسائل الإعلام المتوفرة في عالم اليوم.
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الأمر بقوله تعالى:( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ...) وقال تعالى :( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا).
وقد جعل الله لهذه الفاحشة عقاباً شديداً و أحكاماً قاسية حتى لا تشيع هذه الجريمة اللاأخلاقية النكراء التي صارت مستسهلة عند الكثير من النساء في هذا الزمن الرديء والفاسق والفاجر، وقال تعالى:( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين).
وبسبب تحريم جريمة الزنا على المؤمنين أن هؤلاء يخافون الله ويخشون عقابه وعذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهؤلاء هم الذين يسعون لتحصيل اللذة الجنسية من طريق الحلال عبر الزواج الدائم لمن أراد أن يحصن نفسه من الوقوع في الحرام، أو عبر "الزواج المؤقت" عبر عقد المتعة لتحصيل هذه اللذة عن طريق الحلال المباح الذي جعله الله حتى لا يقع المؤمن في محذور من المحاذير أو فخ من الأفخاخ التي ينصبها الشياطين لأوليائهم وأتباعهم من البشر الذين باعوا عقولهم ودينهم لإبليس لعنة الله عليه.
وقد ورد في الروايات الكثير مما يشير إلى حرمة هذا الفعل الشنيع ومن ذلك الرواية التي وردت في كتاب "علل الشرائع" حيث جاء فيها :(حرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل النفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد) ولعل هذه الرواية من أهم الروايات التي تشير إلى بعض المفاسد الكبرى المترتبة على هذه الجريمة، فعندما يتعامل الناس لتحصيل اللذة من خلال الزنا قد يؤدي ذلك إلى الإكثار من فعل الإجهاض المحرم لأنفس لا ذنب لها، أو يؤدي إلى ضياع الأنساب وعدم معرفة آباء المواليد وضياع حقوقهم ومواريثهم، مضافاً إلى أن الزانية أو الزاني سيهمل تربية الأبناء مما يؤدي إلى ضياعهم وفساد أخلاقهم لأنهم سيكونون لقمة سائغة للناس المنحرفين والتجار الفاسدين.
من هذا كله نرى ان الإسلام كما يحرّم هذا الفعل الشنيع يحرم على الناس رجلاً كان أو امرأة التكسب به، ومن توابع تحريم الزنا تحريم القيادة وهي عبارة عن الأشخاص الذين يسهلون ممارسة الزنا عبر جمع الرجال مع النساء لكي يقوموا بهذه الفعل الشنيع وله عقوبة محددة ومشخصة في الإسلام، لانه يفعل فعلاً يسهل به طريق الحرام ويشجع الناس الضعفاء ويقربهم بشراء اللذة بسعر رخيص ويتقاضى من خلاله أجره على هذا الفعل وهي أجرة محرمة من الناحية الشرعية.
ومن أهم ما ينبغي تحريمه في زماننا اليوم هو وسائل النقل التلفزيوني المباشر عبر الأقمار الاصطناعية التي تنقل هذه المفاسد إلى كل البيوت تقريباً وفي كل بلاد العالم، وهذا ما قد يشجع الكثير من الناس وعلى الأقل على مشاهدة أمثال هذه الصور الفاضحة والممارسات اللاأخلاقية والمليئة بالفسق والدعارة والفجور والانحراف عن الطريقة الصحيحة في هذا الأمر، وهذه الوسائل قد توصل حتى بعض الملتزمين أحياناً ممن يخافون على الله في أفعالهم وتصرفاتهم إلى النظر إلى أمثال هذه الصور والأفلام الفاسدة والمفسدة للأخلاق والمدمرة للأسرة والمجتمع وللقيم الأخلاقية والاجتماعية.
وللسيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" في هذا المجال العديد من الإستفتاءات التي تحرم هذا السلوك غير المنضبط ومن تلك الإستفتاءات ما يلي:
أولاً: س103: ما هو حكم مشاهدة برامج التلفزيون التي تُلتقط من الأقمار الصناعية، وما هو حكم مشاهدة ساكني المحافظات المجاورة لدول الخليج الفارسي للتلفزيون التابع لتلك الدول؟
ج: البرامج التي تُبث بواسطة الأقمار الصناعية الغربية وبرامج أكثر الدول المجاورة، بما أنها تتضمن تعليم الأفكار الضالة وتزوير الحقائق وتحتوي على برامج اللهو والفساد، وتكون مما تسبب مشاهدتها غالباً الضلال والوقوع في المفاسد والابتلاء بالمحرم، فلا يجوز التقاطها ومشاهدتها.
ثانياً: س 123 – هل يجوز للزوجين مشاهدة أفلام الفيديو الجنسية داخل المنزل؟ وهل يجوز للمصاب بقطع النخاع مشاهدة هذه الأفلام بقصد إثارة شهوته ليتمكن بذلك من مقاربة زوجته؟
ج – لا تجوز إثارة الشهوة بواسطة مشاهدة أفلام الفيديو الجنسية.
ثالثاً: س 120 – ما هو حكم مشاهدة الرجال المتزوجين الأفلام التي تحتوي على تعليم الطريقة الصحية لمقاربة المرأة الحامل، علماً أن ذلك لن يوقعه في الحرام؟
ج – لا تجوز مشاهدة مثل هذا النوع من الأفلام التي لا تنفك عن النظر المثير للشهوة.
رابعاً: س 130 – ما هو حكم بيع وشراء وإجارة أفلام الفيديو المبتذلة ،وكذلك الفيديو نفسه؟
ج – إن كانت الأفلام تحتوي على الصور الخلاعية المثيرة للشهوة الموجبة للانحراف والفساد ، أو على الغناء، أو على الموسيقى المحرمة المطربة اللهوية المناسبة مع مجالس اللهو والعصيان، فلا يجوز إنتاجها، ولا بيعها وشراؤها، ولا إجارتها ،ولا إجارة الفيديو للانتفاع بها في ذلك.
خامساً: س136 – عملي تصليح أجهزة التقاط برامج الإذاعة والتلفزيون، وفي الآونة الأخيرة توالت مراجعات الزبائن من أجل تركيب وتصليح جهاز الإلتقاط من القمر الصناعي "الطبق والدش" فما هو تكليفنا في ذلك؟ وما هو حكم بيع وشراء قطع هذا الجهاز؟
ج – إذا كانت الإستفادة من مثل هذا الجهاز في الحرام كما هو الغالب، أو كنت على علم بأن من يريد الحصول عليه يستفيد منه في الحرام، فلا يجوز بيعه و شراؤه ، ولا تركيبه و تشغيله وإصلاحه وبيع قطعه.
وأخيراً نسأل الله تعالى أن يصون أنفسنا وعفتنا من تحصيل اللذة من طرق الحرام، وأن يحمينا من هذه الوسائل البصرية والسمعية التي تخترق بيوتنا حتى لا نبتلي بالحرام أو نقرب منه لنكون ممن يرضى الله عنه في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين