الأربعاء, 27 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

تحقيق حول تخميس ما يفضل عن المؤنة

sample imgage

هذا العنوان الذي هو أحد موارد وجوب الخمس هو الأكثر شيوعاً بين الناس المؤمنين والأكثر ابتلاءً به، بينما العناوين الأخرى كغنائم الحرب أو الغوص أو الكنز وغيرها محصورة جداً ولا تتعلق إلا بذات الأشخاص الذين يمكن أن يمارسوا ذلك النوع من الوظائف الذي يحقق لهم ما يجب عليهم تخميسه.

أما عنوان "ما يفضل عن المؤنة" فإن كل إنسان مشمول لهذا العنوان ولا يشذ عنه أحد تقريباً، لأن البشر لا بد أن يعملوا حتى يكسبوا المال و لكي يؤمنوا المال المحتاجين إليه في تدبير أمور معاشهم ودنياهم وأداء فرائضهم الدينية أحياناً كالحج.

وفتوى الفقهاء الشيعة في هذا المجال هي أن على كل إنسان يقبض راتباً من خلال وظيفته أو عمله، أو أن على كل إنسان يمارس التجارة بمختلف أنواعها أن يخمس ما زاد عن مصاريفه السنوية المعبّر عنها بـــ "المؤنة".

 

و "المؤنة" هي العنوان الجامع والشامل لكل المصاريف التي يحتاجها المرء في حياته من المأكل والمشرب والمسكن والطبابة وأجور تعليم الأبناء والخادم إن إحتاج إليه والسائق كذلك، مضافاً الى مصاريف رحلاته ونزهاته ضمن الحدود المعقولة من دون إسراف أو تبذير في كل ما ذكرناه.

وهنا نرى أن الكثير من الناس يتساءلون ( لماذا يجب علينا دفع الخمس مع أننا نتعب ونكد ونجهد ونسهر الليالي أحياناً حتى نحصل على هذا المال؟).

وللأجابة عن هذا السؤال المهم لا بد من توضيح حقيقة الخمس وهي ( أننا تارة نقول بأن الخمس يتعلق بكل ما ينتجه الإنسان ويجب عليه دفع خمسه) وتارة نقول بأنه (يجب دفع الخمس بما يتبقى مما يكسبه الإنسان بعد ان يكون قد صرف قسماً من هذا المال المكتسب أو كله في شؤون حياته بعنوان "المؤنة").

ولا شك أن الخمس على كل ما ينتجه الإنسان مما يصرفه أو يدخره قد يكون فيه مشقة وحرج على الإنسان، وقد لا يتمكن من تدبير أمور حياته عبر هذه الطريقة من التخميس، ولتوضيح ذلك بالمثال نقول (لو كان راتب الإنسان مليون ليرة فهذا يعني أن يكسب في السنة (إثني عشر مليون ليرة) فيكون مقدار الخمس الواجب دفعه (مليونين وأربعماية ألف ل.ل) فيبقى له (تسعة ملايين وستماية ألف ل.ل) قد لا تكفيه لمصاريفه للسنة مما يدخل تحت عنوان "المؤنة").

أما الخمس لما يفضل أو يبقى من كسب الإنسان خلال السنة كما هو حكم الإسلام في ذلك لا يرتب على الإنسان مشقة أو ضرراً أو عسراً وحرجاً، وذلك لو أخذنا نفس المثال الأول (إنسان يقبض مليون ليرة راتباً شهرياً، فيصرف منه ما يحتاج في أمور حياته وحياة من يعول بهم، ويبقى معه شهرياً "مئة ألف ليرة لبنانية" فهذا يعني أن ما يصرفه خلال السنة هو (900 ألف × 12 شهراً، فيكون مجموع المصروف في المؤنة هو "عشرة ملايين وثمانماية ألف ل.ل")، ويكون قد بقي معه من رواتب السنة كلها (100 ألف × 12= مليوناً ومايتي ألف ل.ل لا غير)).

والخمس عندنا يقع على هذا المبلغ المتبقى وهو (المليون والمايتا ألف ل.ل, وخمس هذا المبلغ "مقدار الخمس" لو لاحظناه من حيث النسبة على الإنتاج السنوي كله وهو (الإثنا عشر مليوناً) لوجدنا أن النسبة هي ضئيلة جداً أو تبلغ (إثنين بالمئة فقط) من مجموع الإنتاج).

ولا شك أن هذه النسبة الضئيلة من مجموع الإنتاج السنوي لا تشكِّل عبئاً على المسلم، لأن الثمانية والتسعين بالمئة من الإنتاج قد صرفها في شؤون الحياة وتبلغ 49 ضعفاً صافياً من الخمس الذي وجب عليه دفعه وإخراجه من ماله المتبقي في آخر السنة المالية بالمعنى الذي شرحناه في أول المقالة.

وأحياناً قد تكون نسبة الخمس هي صفر بالمئة كما لو فرضنا أن من كان راتبه هو المليون ليرة يصرفه جميعاً في شؤونه بحيث لا يزيد مصروفه عن مدخوله ولا ينقص، فيأتي رأس سنته وليس معه شيء فلا يجب عليه شيء على الإطلاق.

وأحياناً قد تكون نسبة الخمس هي عشرة بالمئة كما لو كان يصرف خمسماية ألف ويوفر خمسماية أخرى، فيأتي رأس سنته المالية ولديه ستة ملايين ليرة ويكون خمسها (مليون ومايتا ألف ل.ل) ونسبتها إلى مجموع الإنتاج هي عشرة بالمئة.

ومن هذا الشرح المفصّل نقول (يستحيل عملياً أن تصل نسبة الخمس الى عشرين بالمئة من مجمل الانتاج إلا إذا افترضنا أن من يكسب مليوناً في الشهر لا يصرف منه شيئاً على الإطلاق ويعيش عالة على غيره طوال السنة، لكن هذا الفرض لا يحصل عملياً أو أنه نادر الحصول جداً جداً).

هذا كله بالنسبة لمن لا يملك رأس مال للتجارة ويعمل موظفاً أو أجيراً أو عاملاً حراً أو ما شابه ذلك، فهذا الإنسان يقدّم عملاً ويأخذ في مقابله أجرة معينة.

وأما من لديه رأس مال للتجارة فيخمسه أولاً ثم يتاجر به خلال السنة المالية المحدد أولها فعندما يأتي في نفس اليوم من العام القادم يعزل رأس المال المخمس ويخمس الزائد بعد أن يكون خلال السنة قد صرف ما يحتاجه في شؤون حياته من أمور المؤنة والمعاش، وكمثال على ذلك (لو فرضنا أن إنساناً كان يملك مبلغ عشرة ملايين ليرة فأخرج خمسها وهو "مليونان" وبقي معه "ثمانية ملايين" اشتغل بها في التجارة وصار يربح شهرياً مليون ليرة ويصرف منه في شؤون حياته، وعندما جاء رأس سنته المالية وجد أن لديه عشرة ملايين، فهذا يعني أن ربحه الإجمالي هو (إثنا عشر مليون ليرة) صرف منها في مؤونته "عشرة ملايين" وبقي "مليونان"، فهنا يجب عليه تخميس المليونين فقط ويدفع (أربعماية ألف ليرة خمساً) ويضيف الباقي وهو (مليون وستماية ألف) إلى رأس ماله السابق المخمس وهو "الثمانية ملايين")، فيصبح رأس ماله الجديد هو (تسعة ملايين وستماية ألف ل.ل لا غير) ويخمس في رأس سنته التالية ما يزيد عن هذا المبلغ إذا لم تحصل خسارة غير متوقعة وينقص رأس المال).

من هذا كله نقول إن ما يدفعه المسلم من ضريبة في باب الخمس هو في الحقيقة "خمس ما يفضل بعد أن يصرف الإنسان طوال السنة كل ما يحتاج إليه" فإن بقي معه شيء يجب إخراج خمسه، وإن لم يبق شيء لا يجب عليه الخمس، وليس الخمس بمعنى إخراج خمس كل ما ينتجه خلال السنة صرفه أو لم يصرفه.

بعد كل هذا التوضيح نرى أن الإسلام ينظر الى مسألة وجوب الخمس نظرة واقعية جداً، فما يفضل عن مصاريف السنة من الكسب والربح يخمسه، وهذا الخمس له مصارفه وموارده التي يتم إنفاقه عليها كما سنوضح ذلك في الحلقة المقبلة بعونه. وبهذا نكون قد أجبنا على تساؤل الناس لماذا ندفع الخمس بينما رأينا أن الحقيقة هي غير ذلك، إذ ان الخمس هو على ما يبقى سنوياً لا على ما ينتج سنوياً.

 

والحمد لله رب العالمين 


"التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع، كما ولا يتحمّل الموقع

أي أعباء معنوية أو مادية إطلاقاً من جراء التعليقات المنشورة"


أضف تعليقاً


كود امني
تحديث