السبت, 23 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الوظيفة زمن الغيبة

sample imgage

ممّا لا شكّ فيه عند عموم المؤمنين بالإمام المهدي "عج" الذي يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهو من نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المشابهة في الإسم أيضاً، وإن كان هناك اختلاف بين المسلمين من حيث القول بولادته وعدمها، إلاّ أنّ هذا المقدار من الخلاف يبقى نزراً يسيراً من التفاصيل المتّفق عليها.

ولا ريب أيضاً أنّ الحكومة الإلهية التي ستتشكّل على يدي الإمام المنتظر "عج" هي حكومة الحقّ والعدل في عموم الأرض لتكون نهاية الحياة الإنسانية بالصورة الجمالية المشرقة التي كان ينبغي أن تعمّ كلّ تاريخ الوجود الإنساني لولا الظلم والجور اللذان طغيا على هذه المسيرة عبر العصور فأدّيا إلى انحرافها وابتعادها، ممّا أدّى إلى ضرورة وجود المنقذ العام للبشرية ليعيد تكوين تلك الصورة المرسومة إلهياً.

 

فالحياة الإنسانية بما أنّها عطاءٌ إلهي متميّز ومحتاجٌ إلى الرعاية الدائمة والعناية المستمرّة، فقد كان خطّ النبوة هو المعهود إليه القيام بهذه المهمّة لكي يمارس عملية التذكير الدائم والإرشاد إلى الله العلي القدير، باعتبار أنّ الإنسان مجبولٌ من مادةٍ وروحٍ وقد تشدّه الحياة الدنيوية بما فيها من لذائذ ونعم إليها فيحتاج بالتالي إلى من يتعهّده بنحو الدوام، وهنا كان الدور الأكبر للأنبياء ( عليهم السلام) في هذا المجال المهم والعظيم.

وبما أنّ خطّ النبوة قد اختتمه الله عزّ وجلّ بحبيبه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد قام خطّ الإمامة بأداء المهمّة نفسها استمراراً لخطّ الرعاية الإلهية، إلاّ أنّ ظلم البشر المتحكّمين بمسيرة الإنسان والخوف الذي نشروه بين الناس أدّى إلى التقاعس عن نصرة الخطّ الإلهي ومحاربة أوليائه والداعين إليه، ممّا اضطرّ كلّ هذا بالتالي إلى تغييب ممثل خطّ الإمامة عن الأنظار بإرادة إلهية إلى ان تجيء اللحظة المناسبة لخروجه ليعيد ترتيب الوضع الإنساني برمّته وتصحيح مسيرته.

إلاّ أنّ هذا التغييب حتّى لا يكون فُجائياً لأنّ الفجأة ذات مخاطر لا يُستهان بها على مستوى المؤمنين الملتزمين كان لا بدّ من اتّباع منهجية تراتبية يتعوّد فيها الناس على غياب الإمام، ولهذا كانت الغيبة الصغرى بسفرائها الأربعة هي المرحلة التمهيدية لتعويد الناس على الرجوع إلى الإمام والإرتباط به من خلالهم.

ثمّ بعد تحقّق الغاية من مرحلة التمهيد بدأت مرحلة الغيبة الكبرى التي ما زلنا نعيش فيها وستبقى مستمرّة إلى لحظة خروج الإمام "عج" بإذن الله تعالى.

والسؤال المهم هنا هو "ما هو واجبنا في زمن الغيبة الكبرى؟ هل نقعد منتظرين الخروج؟ أو نقوم بتكليفنا للتمهيد لظهور الإمام "عج"؟

البعض اعتبر أنّ غياب الإمام "عج" قد أسقط تكليفنا بوجوب الجهاد والسعي لإقامة الحكومة الإسلامية، وأنّ علينا ترك الأمور تجري في الإتجاه السلبي في الحياة الإنسانية ليعمّ الظلم والجور، ويتحقّق بذلك الموضوع لظهور الإمام وهو الذي يتكفّل بالباقي وفق الوظيفة الإلهية المقرّرة له.

الإمام الخميني "قده" يعتبر أنّ هذه النظرة السلبية عن مرحلة الغيبة الكبرى هي انحرافٌ أكيد عن الإسلام ومفاهيمه، ويقول في هذا المجال: (وهناك جماعةٌ أخرى من العلماء المزيّفين الذين كانوا يفصلون الدين عن السياسة قبل الثورة...... حتّى الأمس اعتبروا بيع المشروبات الروحية والدعارة والفسق وحكومة الظلمة مفيدة وممهّدة لظهور إمام الزمان (أرواحنا فداه)، في الأمس كان المجثيون يحرّمون الجهاد..).

ويرى الإمام "قده" أنّ مرحلة الغيبة هي مرحلة العمل والسعي والجهاد من أجل تشكيل الحكومة الإلهية، وأنّ هذا الواجب لم يسقط عنّا بفعل "الغيبة" بل هو تكليف مستمرٌّ وثابتٌ، إلاّ أنّ زمن الحضور يجعله من مسؤولية الإمام المعصوم ( عليه السلام) فقط وليس الفقهاء أو المسلمين عموماً، ويقول في هذا الخصوص (فيجب أن نلاحظ مع الإنتظار تكليفنا الشرعي الفعلي والإلهي...)، وكذلك: (والآن فنحن المنتظرون لقدومه المبارك مكلّفون بأن نسعى جهدنا لنحكّم قانون العدل الإلهي...).

بل يعتبر الإمام "قده" أنّ مرحلة الإنتظار هي مرحلة التهيّؤ والإستعداد والعمل لتوفير الظروف المناسبة لعالم الظهور، ويقول في هذا المجال: (إنّ ثورة إيران الإسلامية... في حالة توسّع... وإنّ بسطها سوف يعزل القوى الشيطانية... ويهيّىء الأجواء لإقامة حكومة المستضعفين والحكومة العالمية للإمام المهدي صاحب الزمان "عج").

ثمّ يترقّى الإمام "قده" أكثر من ذلك حيث يعتبر أنّ الدولة الإسلامية هي دولة الإمام المنتظر "عج"، وفي هذه إشارة واضحة إلى أنّ الدولة تُدار بالوكالة عنه "عج" زمن غيبته، وفي هذا يقول الإمام "قده":(ونحن المنتظرون لقدومه الميمون علينا اليوم، أن نسعى بكلّ طاقاتنا ليسود قانون العدالة الإلهية في دولة صاحب العصر هذه)، وكذلك :(اليوم يظلّلكم الإسلام، وإمام العصر ينظر إليكم).

من كلّ هذا الجو نجد أنّ الإرتباط بالقائد الفعلي الحقيقي للأمّة متميّز عند الإمام الخميني "قده"، وهذا التميّز كان عاملاً من العوامل الشديدة التأثير في حركة الإمام وثورته، لأنّه كان يعتبر أنّ عملية التنوير والإستنهاض تقرّب المسافة الفاصلة عن زمن ظهور الإمام "عج" لإنقاذ البشرية من عذابها وألمها.

والمُستفاد من علاقة الإمام الخميني "قده" بالإمام المهدي "عج" أمور هي:

أولاً: حرمة الإنتظار بمعناه السلبي وترك الواقع الإسلامي والإنساني للمنحرفين.

ثانياً: الإنتظار الإيجابي معناه ضرورة التزام تكاليف الإسلام جميعاً لأنّها لا تختصّ بزمن حضور المعصوم ( عليه السلام) خاصة في الجوانب السياسية والقيادية.

ثالثاً: التمهيد لظهور الإمام "عج" وتهيئة الظروف المساعدة للتعجيل في الفرج.

رابعاً: اعتبار الدولة الإسلامية أنّها دولة الإمام نفسه، وإن كانت تُدار في زمن غيبته من خلال نائبه.

ولا شكّ أنّ للعلاقة بين المسلمين وبين الإمام المنتظر "عج" فوائدها الكبيرة جداً على المستويات الإيمانية لأنّها تدفع بالمؤمنين إلى ارتقاء مراتب السمو الإنساني من حيث التعلّق بالله والإرتباط به.

وعلى المستويات العملية والحركية حيث تدفع بالمؤمنين إلى زيادة الجهاد والسعي من دون مللٍ أو كلل في سبيل تقريب المسافات الزمنية الفاصلة عن زمن الحضور والظهور للإمام "عج".

والحمد لله ربّ العالمين