الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

فلسطين قضيّة أمانة

sample imgage

مع استمرار المفاوضات في جولتها التاسعة يستمرّ تساقط الدم الفلسطيني برصاص قوات الإحتلال يوماً بعد يوم، وكأنّ الكيان الغاصب يغتنم بذلك الفرصة المؤاتية لقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من أبناء ذلك الشعب المنتفض مستغلاً دخوله في عملية المفاوضات، أو كمن اشترى تلك الدماء بثمنٍ بخسٍ هو المشاركة فيها.

وكأنّ ذلك الكيان يريد توجيه رسالةٍ واضحة وهي أنّ ثمن الإستمرار في لعبة التفاوض هي هذا الدم الفلسطيني المسفوح بالسلاح الأمريكي والأيدي الإسرائيليّة، ولن يتوقّف ذلك النّزف إلاّ بالرضوخ لشروط السيّد الأكبر أمريكا وبما يحقّق الرغبة الإسرائيليّة الواضحة بالإحتفاظ بالأرض والحصول على السلام الذي تريد.

ولهذا كلّما توغّل العرب بالدخول في عمليّة المفاوضات طلباً لهدفٍ لن يكون سهل المنال ولو في الحدود الدنيا، تتوغّل إسرائيل في الجريمة أكثر وفي سفح الدم الفلسطيني بنسبةٍ أكبر لعلّها بذلك تحقّق كلا الهدفين المنظورين.

 

ولن يبخل الكثير من العرب المتأمركين بأن يقدّموا لإسرائيل ما تريده لأنّهم صاروا معها في الجانب الواحد والتيّار الغارد الذي ترعاه زعيمة النظام العالمي الجديد "الحامي الأكبر" لإسرائيل ولعروش الحكّام العرب من ملوكٍ وأمراء النفط في الخليج ورؤساء خونة في مصر والجزائر وتونس ومتزلّفين للرّضا الأمريكي كالنظامين الليبي والعراقي ونظام الملك الأردني.

الكلّ من هؤلاء شريكٌ في الجريمة التي ترتكبها إسرائيل يوميّاً بحقّ ذلك الشعب الذي أيقن أنّ الجميع يساومون عليه ويريدون التخلّص من الإحراج القومي والإسلامي الذي يسبّبه لهم، ويريدون الوصول بالمفاوضات إلى أيّ حلٍّ يسحب هذه الورقة المهمّة من التداول بسبب الإمكانيات الكبيرة التي تحتويها على صعيد توحيد الأمّتين العربيّة والإسلاميّة في مواجهة الكيان الغاصب.

وإلاّ، لو لم تكن القضية تسير في اتجاه التّصفية كما هو المقرّر من هذه المفاوضات، فلماذا لا تصدر صيحات الإستنكار من الجميع على ذلك الإجرام اليومي الذي تقوم به إسرائيل ؟ ولماذا لا يسعى هؤلاء بدلاً من الرضوخ للشروط المذلّة إلى حشد كلّ القوى والطاقات لقتال الكيان الغاصب؟

فهل رفعنا شعار "قتال إسرائيل" و" استرجاع الأرض" طوال خمس وأربعين سنة، وخضنا الحروب، وفقدنا الآلاف من أبناء الأمّة شهداء وأضعافهم من الجرحى والمفقودين حتّى نصل إلى هذا الحل المخزي في نهاية الأمر؟

أليس الإعتراف بإسرائيل وإعطاؤها شرعيّة الوجود خيانة لكلّ تلك الدماء التي أُريقت والجراح التي نزفت؟

لهذا نقولها صريحةً مدوّية "لقد لعبتم بمصير الأمّة ومصير القضية ولم تحملوا أمانة فلسطين بصدقٍ منذ احتلالها، وأنتم لا تتخلّون عنها الآن لأنّكم كنتم تخدروننا وتوهموننا بأنّكم تدافعون عنها.

ولهذا عندما أيقظنا الإسلام من تخديرنا ومن وهمنا وكشفناكم على حقيقتكم وأردنا أن نحمل القضية كما هو المفروض وأن ندافع عنها كشفتم عن وجوهكم وتوجّهاتكم الحقيقيّة، وسارعتم للإحتماء بأحضان سيّدكم ليحميكم من الغضب الكبير الذي يعتمل في صدورنا ضدّكم، لكنّه يريد الثّمن لحمايتكم، وهو "الإقرار بشرعيّة الإغتصاب الإسرائيلي للأرض والكرامة والتاريخ" وهذا ما تريدون الوصول إليه، لكن عبر التلويح بأنّ المقابل الذي سيدفعه الكيان الغاصب سيكون انتصاراً للحقّ وللقضية وللأمة، وأنتم تعلمون قبلنا ومعنا بأنّ ما سوف تحصلون عليه – لو حصلتم عليه فعلاً- لا قيمة له على الإطلاق.

ولن تحرّر الأرض المقدسة إلاّ السواعد الأبيّة والنّفوس الكبيرة التي لا ترضخ للتهديدات ولا تسقط أمام إغراءات السلطة والقوّة، ولا تسفك الدم الحرام للحصول على بعض المكتسبات الصغيرة التي لا تلبث أن تزول كالزّبد الذي يذهب جفاءً.

إنّ الإعتماد للتحرير والتحرّر سيكون على سواعد أبطال المقاومة الإسلامية والمقاومين الشرفاء من أبناء الشعب اللبناني المظلوم، وعلى حجارة أبطال الإنتفاضة الأبيّة للشعب الفلسطيني المظلوم، وهذا الإنتصار إن لم يتحقّق اليوم، فغداً إن شاء الله العلي القدير.