الإسلام دين الإنسانية
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2385
إلاّ أنّ هذه الأمّة الواحدة سرعان ما دبّ فيها الخلاف بين من صاروا أقوياء يملكون أسباب القوّة المادية للسيطرة والهيمنة مع ضعف التوجّه الإيماني أو انعدامه كليّاً عندهم، وبين الضعفاء الذين لم يسعفهم الحظ في الحصول على أسباب القوّة والبأس، مع انعدام التوجّه الإيماني أيضاً أو ضعفه مُضافاً إلى وضعهم ما عدا قلّة من الفريقين.
ومن هنا بدأت الإنحرافات تقوى وتنمو وتزداد في مسيرة المجتمع الإنساني إلى الحدّ الذي ابتعد فيه عن الأهداف الإلهية المنشودة فكان لا بدّ في هذه الحالة من أن يرسل الله من يعيد الإنسانية ويرشدها ويهديها إلى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه، فكان إرسال الأنبياء والرسل من عند الله هو الأسلوب من أجل تبشير الناس بالجنّة وتخويفهم من النار لعلّهم يرجعون من طرق الفساد والإنحراف والضلال.
وفي نفس الوقت كان المجتمع الإنساني يكبر ويزداد عدداً ويتمدّد في استغلال الأرض سكناً وزراعة وصناعة وتجارة لأنّ كلّ هذه الأمور من مستلزمات الحياة ومتطلباتها الأساسية، إلاّ أنّ هذا الإعمار لم ينطلق من البعد الإلهي للإستخلاف الإنساني في الأرض، وقد أكّدت الآية القرآنية الإختلاف الذي حصل في المجتمع البشري على مستوى الألسن والجماعات والألوان، فقال تعالى:{ يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) :(لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلاّ بالتقوى).
وقام الأنبياء(عليهم السلام) بواجبهم على الوجه الأكمل، فمنهم من وفّقه الله لإصلاح المسيرة الإنسانية، ومنهم من لم يوفّق في مهمّته لا لعيبٍ فيه لا سمح الله، بل لأنّ الإنسان صمّ أذنيه وأعمى بصره وبصيرته عن رؤية انحرافه وضلاله، إلى أن بعث الله خاتم الأنبياء محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقود مسيرة البشريّة نحو الصراط المستقيم، وقال تعالى معبّراً عن بعثة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): {يا أيّها النبي إنّا أرسلناك شاهداً و مبشّراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بأمره وسراجاً منيراً}.
ونجح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مهمّته وأقام نواة الدولة الإسلامية لكي تكون قاعدة لانطلاقة الإسلام العالمية وإيصال الرسالة الإلهية السمحاء إلى كلّ بقاع الأرض لهداية الناس وإرشادهم، وبالفعل استطاع هذا الدين أن يعيد الكثير من المجتمعات البشرية إلى طريق الهداية والإيمان، وصارت الدولة الإسلامية أكبر دولة في تلك الأزمنة، لأنّ الإسلام لا يريد للناس إلاّ الخير، ويريد لهم الرجوع إلى الطريق الصواب، ولذا أمر الله المسلمين كما أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلى الجدال بالتي هي أحسن، وإلى احترام عقائد الآخرين وتوجُّهاتهم الفكرية والعقائدية، ليكون الإحترام هو القاعدة المشتركة التي يتّفق عليها الطرفان لينطلقا في الحوار الإيجابي البنّاء الهادف إلى تصويب مسيرة المنحرفين وتقويم اعوجاجهم، وقد قال عزّ وجلّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله، ولا نشرك به شيئاً...}.
لكن للأسف الشديد فإنّ أصحاب المطامع الدنيوية من المسلمين ومن غيرهم لعبوا الدور السلبي في هذا المجال، وأضعفوا العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، ولم يسعوا لتبليغ الرسالة لغير المسلمين أيضاً، ممّا أدى في النهاية إلى ضعف العالم الإسلامي وإلى قوةٍ متنامية عند غير المسلمين جعلتهم يستلمون زمام أمور العالم ليقودوه وفق توجُّهاتهم وأهدافهم المنحرفة والشريرة ممّا أدّى إلى ضياع الإنسانية وانحرافها إلى حدودٍ بعيدة جداً عن جادة الحقّ والصواب.
لكن مع كلّ ذلك، بقي هناك فئة قليلة متمسّكة بدينها وإسلامها، وبقيت ترفع صوتها داعيةً الناس للرجوع إلى الحقّ ونبذ الباطل، إلاّ أنّ صوتها كان قد صار ضعيفاً لا يمكن إيصاله إلى جميع أبناء البشرية الذين كانوا يرزحون تحت نير الظلم والإستعباد والإستكبار.
وترافق مع سيطرة القوى المنحرفة عن الحق مآسٍ وحروب وويلات جرّت على الإنسانية الكثير من الآلام والأحزان فضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق بحياة المجتمعات، ودفعت البشرية ثمناً باهظاً جداً فاق أيّ ثمنٍ دفعته من قبل في القرون السالفة، وكان القرن العشرون من أسوأ القرون حيث شهد حربين عالميتين مدمّرتين فاقت أهوالهما كلّ ما سبق في تاريخ البشرية، وسيطرت قوى الشر على العالم سيطرةً كاملة، قوّة غربية ومعها مجموعة كبيرة من الدول، وقوّة شرقية معها كمٌّ مماثل من الدول، وانتهت المعركة بين الفريقين بانتصار قوّة الغرب الذي تقوده أمريكا "الشيطان الأكبر" وهزيمة ماحقة لقوّة الشرق واضمحلالها.
في هذه الأثناء وفي خضمّ المعركة بين الفريقين بزغ فجر الإسلام من جديد وانتصر جزئياً في بقعةٍ من أرض المسلمين وبلادهم، ممّا أعطى الأمل الجديد بنهوضٍ بعد سبات للأمّة الإسلامية، ممّا أخاف القوّة المسيطرة على العالم فصارت تروّج عبر إعلامها الضخم بأنّ الإسلام هو "العدو الجديد" الذي يريد السيطرة على العالم، وأن ينزع القيادة من أمريكا وما تمثّل من حضارةٍ وتقدّم وازدهار، وصارت تنسب كلّ فعلٍ إجرامي يحدث هنا أو هناك في العالم إلى أتباع هذا الدين الحنيف مع أنّه براء من كلّ تلك الجرائم التي لا يقرّها الإسلام بل يستنكرها ويدين فاعليها ومرتكبيها لأنّها جرائم ضدّ الإنسانية بغضّ النظر عمّن كان ضحية تلك الجريمة التي يدفع ثمنها الأبرياء، كالجريمة الأخيرة في تفجير مقرّي مركز التجارة العالمي.
فالإسلام هو دين الرحمة والتسامح والترفّع عن الإنتقام من الأبرياء الذين يريد لهم هذا الدين كلّ الخير، ويدعوهم باللسان الإلهي بشكلٍ دائم ومستمر للعودة إلى الصراط المستقيم بقوله :{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً}.
فكيف يمكن لدينٍ ينطلق من الرحمة الإلهية ومن الإحتضان الإلهي لكلّ البشر مهما انحرفوا ويريد لهم السير في خطّ الإستقامة أن يكون هو مصدر تلك الجرائم التي ستبقى نقاطاً سوداء في تاريخ الإنسانية جمعاء إلى يوم القيامة لأنّها خرجت عن كلّ معقولٍ في الإجرام وبسفك الدماء البريئة.
من هنا نقول إنّ تحميل الإسلام وأتباعه مسؤولية تلك الجرائم هو محاولة خبيثة من أعداء الإسلام وأعداء الإنسانية الذين لا يريدون الخير للناس ولا يريدون لهم أن يروا الحقائق الموضوعية، ويريدون للبشرية بالتالي أن تبقى في خطّ الإنحراف والضلال، لأنّ بقاءهم كذلك يساعد القوى المستكبرة والمتجبّرة على السيطرة على الشعوب ومقدّراتها وخيراتها وقراراتها، بينما لو التزمت تلك الشعوب بالإسلام بعد معرفته ومعرفة نظرته إلى الإنسان وقيمته المعنوية والإلهية لن يسمحوا لأنفسهم بأن يبقوا حيث هم تحت سيطرة القوى الكبرى التي تذيقهم الويلات وترتكب بحقّهم أفظع الجرائم الأخلاقية والإنسانية من خلال سلاح العولمة الذي ترفع أمريكا رايته اليوم لتضع العالم كلّه تحت سيطرتها وسلطانها.
وأكبر دليل على أنّ الإسلام بريء من مثل تلك الجرائم المنكرة هو مبدأ الرحمة والتسامح الذي تعامل به مع غير المسلمين عندما دانت له الشعوب وعندما كانت الدولة الإسلامية أكبر قوة مسيطرة في العالم، حيث عاش الجميع تحت حكمها وهم آمنون على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم طبقاً للقول المأثور عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الناس صنفان، إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق).
فالإسلام هو الرحمة الإلهية المهداة للبشر لكي يبقى صوت الحقّ المدوّي والصارخ في هذا العالم، والذي يدعو كلّ البشرية بلسان الرحمة والحكمة والرأفة للرجوع إلى الصراط المستقيم، لتنعم البشرية بحياتها في الدنيا، ثم لتنتقل إلى العالم الآخر من أحبّ الأبواب إلى الله "باب الإيمان به والإلتزام بنهجه" وتحت شعار :{لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي...}.
لهذا نرى أنّ إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين اليوم هو نتيجة خوف القوى المهيمنة على العالم وعلى رأسها "الشيطان الأكبر" أمريكا من قوّة هذا الدين الذي لن يرضخ كما لم يرضخ سابقاً، لأنّه أقوى من كلّ قوى الشر والضلال، وسيبقى هذا الإسلام النور الإلهي المشع الذي لا بدّ أن يطرد الظلام يوماً ما لتعود الإنسانية إلى طريق النور ـ طريق الإيمان والهداية ـ ولن تنفع كلّ الدعايات وكلّ الإعلام المنحرف والمضلَّل من إطفاء هذا النور الإلهي كما قال سبحانه وتعالى :{الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، أو كما قال الله في آيةٍ أخرى: {ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}.
ولا بأس بذكر بعض استفتاءات السيد الإمام المفدّى القائد الخامنئي "دام ظله" في هذا المجال لتوضيح الصورة أكثر:
س ـ 304 ـ ج2 ـ بالنسبة إلى أعياد المسيحيين، هناك بعض المسلمين يحتفلون بها فيضعون شجرة الميلاد كما يصنع المسيحيون، فهل في هذا إشكال؟
ج ـ 304 ـ ج2 ـ لا بأس بالإحتفال بميلاد عيسى المسيح عليه وعلى نبينا وآله السلام.
س ـ 307 ـ ج2 ـ هل يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلدٍ غير إسلامي؟
ج ـ 307 ـ ج2 ـ لا مانع من ذلك ما لم يكن فيه خوف فقد دينه، ويجب عليه هناك بعد التحفّظ على دينه ومذهبه القيام بالدفاع عن الإسلام والمسلمين وبسائر ما يجب عليه من نشر الدين والأحكام وغير ذلك بقدر ما يتمكّن.
س ـ 308 ـ ج2 ـ هل تجب الهجرة إلى دار الإسلام على اللواتي أسلمن في دار الكفر حيث لا يستطعن على إظهار إسلامهن هناك خوفاً من الأهل والمجتمع؟
ج ـ 308 ـ ج2 ـ لا تجب عليهنّ الهجرة إلى دار الإسلام فيما إذا كانت حرجاً عليهن، ولكن يجب عليهنّ المواظبة على الصلاة والصيام وغيرهما من الواجبات مهما أمكن ذلك.
والحمد لله ربّ العالمين