طاعة أولي الأمر في الإسلام 8
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2322
وبسبب حاجة معاوية للصلح كما ذكرنا في المقالة الماضية، فإنّه قد رضي بأن يشترط الإمام الحسن (عليه السلام) الشروط التي يريدها مقابل التنازل عن الخلافة، ورأى الإمام (عليه السلام) أنّ معاوية الساعي إلى الحكم بكلّ قواه ولا يتورّع عن فعل شيء للوصول إلى ذلك قد لا يلتزم بالشروط التي يريدها، إلّا أنّه مع ذلك كان يرى أنّ هذا الطريق المنحصر للحفاظ على أهل الحق لا بدّ من اتّباعه وسلوك المخاطرة المحفوف بها لأنّه لا بديل عنه في الظروف القائمة.
ومختصر الكلام في أهداف الصلح كما سوف يتبيّن من بنوده أنّ الإمام (عليه السلام) أراد اجتياز مرحلة معاوية بأقل قدر ممكن من الخسائر المادية والبشرية والمعنوية حتى إذا هلك عادت الأمور إلى نصابها الصحيح، ولهذا كانت بنود الصلح متضمّنة لكلّ ما يحفظ الفئة الوفية للإمام (عليه السلام) والتي بقيت مخلصة للقيادة الشرعية لا غير.
أمّا بنود الصلح فيمكن اختصارها بالعناوين التالية:
الأول: أن يحكم معاوية بين المسلمين بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.
الثاني: أنّه لا يحقّ لمعاوية أن يعهد بالخلافة إلى أحدٍ من بعده.
الثالث: أن تصير الخلافة بعد معاوية للإمام الحسن (عليه السلام) مع بقائه حياً، وإلّا فهي للإمام الحسين (عليه السلام).
الرابع: أن لا يتعرّض معاوية بسوء لأصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحاب الإمام الحسن (عليه السلام)...
والسؤال هل التزم معاوية ببنود هذا الصلح؟ الجواب هو أنّ عدو الإسلام هذا لم ينفّذ أيّ بندٍ من بنود الصلح، وقال كلمته المعروفة المشهورة والمروية في معظم كتب التاريخ الإسلامي: (... وإنّ كلّ شيء أعطيته للحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي له بشيء منه)، وفي روايةٍ أخرى أنّه أضاف قائلاً: (والله ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا لأنّكم تفعلون ذلك، وإنّما قاتلتكم لأتآمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون).
وبمجرّد أن استتبّ أمر الخلافة لمعاوية شرع في مخطّطه لقتل كلّ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من رؤوس الصحابة والتابعين المخلصين، فلم يترك أحداً وصلت إليه يداه منهم إلّا قتله، وسنَّ سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر، ومنع العطاء عن أهل البيت (عليهم السلام) وشرّدهم في مختلف البلدان والأمصار آنذاك، ولم يكتف بكلّ هذا بل سعى لقتل الإمام الحسن (عليه السلام) وأغرى زوجته "جعدة بنت الأشعث" بمبالغ طائلة من المال وأن يزوّجها إن هي فعلت من ولده "يزيد"، والسبب أنّ من بين الشروط أنّ مقود الخلافة للإمام الحسن (عليه السلام) بعده، وهو غير حاضر لكي يلتزم هذا الشرط المبغوض لديه وهو الذي فعل ما فعل من الجرائم بحق الإسلام وأمته لكي يصل إلى الحكم والخلافة، وللأسف فقد نفّذت زوجة الإمام المطلوب منها ودسّت السم للإمام (عليه السلام) فمات بسببه، وبذلك صفا الجو لمعاوية لكي يأخذ البيعة لولده الفاسق الفاجر بالخلافة بعده كما سوف نرى لاحقاً.
ولم يكتف معاوية بهذا القدر من القتل والإجرام في سبيل الحفاظ على الملك الذي وصل إليه، بل تروي كتب التاريخ والسيرة أنّه تخلّص بوسائل عديدة من أهم الشخصيات التي كان يرى فيها خطراً على ملك بني أمية وسلطانهم من قبيل "سعد بن أبي وقاص" و"عبد الرحمن بن خالد بن الوليد" اللذين كانا مقبولين عند بعض أوساط الأمة أكثر من ولده "يزيد" وهذا الجو كلّه يؤكّد أنّ اختيار الإمام الحسن (عليه السلام) للصلح حتّى مع معارضة بعض أصحابه كان الإختيار الأفضل لحفظ حق الأئمة (عليهم السلام) وأهل البيت عموماً في الخلافة دون معاوية وأمثاله.
وبهذا كلّه انتهت مرحلة الإمام الحسن (عليه السلام) بكلّ آلامها وحوادثها التي تجرّعها الإمام (عليه السلام) مكرهاً بسبب الخيانة وضعف الأمة في وقوفها إلى جانب الحق لتبدأ مرحلة أخرى تختلف في نهجها وأسلوبها عن تلك المرحلة وهي "مرحلة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي عاصر بعضاً من خلافة معاوية وعايش أخذ البيعة من المسلمين بالترهيب والترغيب ليزيد الفاسق الفاجر ربيب النصارى ومعاقر الخمرة ومعاشر القردة والكلاب.
كيف تعامل الإمام الحسين (عليه السلام) مع الأمور بعدما رحل أخوه الحسن وصار هو الإمام المفترض الطاعة؟ هذا ما سنعرضه في الحلقة القادمة.
والحمد لله ربّ العالمين .