الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

طاعة أولي الأمر في الإسلام 5

sample imgage

كان السؤال في نهاية المقالة السابقة أنّ الإمام علياً قد استلم الخلافة، ولكن هل تمكّن بعد اكتمال عناصر المشروع الإلهي – القيادة، الشريعة، الأمة – من الوصول إلى الأهداف الإسلامية؟ أو أنّ هناك عقبات حالت دون ذلك؟ وما هو الخلل الذي حصل بسبب تلك العقبات؟

من الواضح جداً أنّ الإمام (عليه السلام) قد بويع بالخلافة من أهل الحل والعقد بعد مقتل عثمان، وهذا ما أدّى إلى حصول انقسامات في جسم الأمة، أبرزها كان تحصُّن معاوية في الشام ورفضه الإمتثال والإنصياع لقرارات الخلافة بدعوى أنّه يريد المطالبة بدم عثمان والإقتصاص من قاتليه وفق زعمه.

ومن جهةٍ أخرى كان هناك بعض الطامعين والطامحين ممّن بايع الإمام (عليه السلام) وكانوا يتصوّرون أنّ مبايعتهم له سينتج عنها جعلهم ذا حصة في الحكم أو شركاء في السلطة كطلحة والزبير وسواهما.

 

إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) الذي كان يرى في مقام الخلافة وسيلة من وسائل إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإقامة موازين العدل بين المسلمين لم يرضخ لإفرازات ذلك النسيج الإجتماعي والسياسي في جسم الأمة، وأراد السير بخلافته بطريقةٍ تعيد الأمور إلى ما كانت عليه زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون مداراة أو محاباة لأية فئة أو شخص، لأنّه كان يرى في ذلك تمييزاً لا مبرّر له من وجهة نظره، وأنّ ذلك سيكون على حساب الأمة من جهة وتضييعاً لحقوقها على الحاكم، ومن جهةٍ أخرى سيكون ذلك إقراراً منه بواقعٍ سابق على عهده كان قد استنكره واعترض عليه فكيف يلجأ إلى ممارسته من موقع كونه المؤتمن على الأمة والإسلام؟

كما رفض إقرار معاوية على حكم الشام عندما طُلِبَ منه حتى يتمّ استيعاب تحرّكه السلبي وانتفاضته ضدّ السلطة الشرعية، ثمّ بعد ذلك يبعده عن ذلك المنصب، وكان يرى في ذلك الإقرار ضعفاً لموقع الحاكم وإضعافاً للحاكمية والخلافة أيضاً.

ولذلك كلّه بدأت المشاكل تثار من حول الإمام علي (عليه السلام) من الطامعين تارةً الذين استطاعوا أن يغروا عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخروج معهم للثورة ضدّ علي (عليه السلام) وكانت معركة "الجمل" المعروفة، ثمّ كانت معركة "صفين" مع معاوية الذي جهّز جيوش الشام الواقعة تحت إمرته، وكاد النصر أن يتم للأمير (عليه السلام) لولا خدعة المصاحف المحمولة على الرماح التي نتج عنها قضية التحكيم المعروفة بعد إيقاف القتال، ثمّ كانت فتنة الخوارج الذين رفضوا مبدأ التحكيم وحاربوا الإمام (عليه السلام) لقبوله إياه وجرت بينه وبينهم معركة "النهروان" المعروفة.

وهذا يعني أنّ عهد الإمام علي (عليه السلام) الذي أراده فرصة لإعادة المسيرة إلى الصفاء والإستقامة كان عهداً مليئاً بالفتن والعقبات التي لعبت دوراً في خلخلة الأوضاع الداخلية  للأمة وبعثرة قواها وتدمير إمكاناتها في حروبٍ ذات طابع بعيد عن جوهر الإسلام وأهدافه، وكانت ناتجة عن طمع البعض بالسلطة أو عن عدم الرضوخ لخلافة علي (عليه السلام) التي كان البعض الآخر يرى فيها سقوطاً وتحطيماً لمشروعه.

إلّا أنّ علياً (عليه السلام) لم يضعف ولم يتراجع بعد كلّ الذي جرى، لأنّ الوصول إلى الهدف السامي لن يكون سهلاً مع وجود كلّ ذلك الإنحراف عند بعض الفئات المؤثرة في أوساط الأمة آنذاك، وبقي يعمل جاهداً لإسقاط مؤامرة معاوية الذي كان العقبة المتبقية أمامه، والتي لو تخلّص منها لانفتحت السبل أمام حكمٍ قائم على أساس الإسلام المحمدي الأصيل الذي يحقّق سعادة المسلمين في الدارين.

ومن المؤسف حقاً أنّ المؤامرة كانت أسرع في ميدان العمل، وكان من نتيجتها أن استشهد الإمام علي (عليه السلام) في محراب الصلاة في مسجد الكوفة على يد أشقى الأولين والآخرين عبد الرحمن بن ملجم الذي باع دينه للشيطان المتربّص بالأمة وفوّت ذلك على الإسلام والمسلمين فرصة ذهبية كان يمكن أن تحقّق الكثير من الإنجازات الرائعة التي تبرز عظمة الإنتماء الإنساني إلى الله عزّ وجلّ.

والمستفاد من كلّ هذا العرض أنّ العقبات التي ذكرناها بالإجمال راجعة إلى الخلل الذي أصاب العنصر الثالث من عناصر المشروع الإلهي وهو.. الأمة.. التي انقسمت على نفسها واستجابت بعض فئاتها لدعواتٍ باطلة وقامت بوجه الخليفة العادل والحاكم الرباني، ولم تمحضه الولاء ولا النصيحة ليسير بها نحو ما يحقّق سعادتها، بل للأسف استجابت لدعوات الفتنة وفوّتت على نفسها فرصة العودة إلى الأصالة ودفعت الثمن غالياً نتيجة ذلك الخيار السلبي الذي سارت فيه لإرضاء شهوات الطمع عند البعض والتسلّط عند البعض الآخر.

وهنا نسأل (هل كانت خلافة علي (عليه السلام) هي المحاولة الأخيرة للإصلاح؟ أو أنّ هناك محاولات أخرى جرت بعد ذلك؟) الجواب يأتي في المقالة اللاحقة.

والحمد لله ربّ العالمين .

  


"التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع، كما ولا يتحمّل الموقع

أي أعباء معنوية أو مادية إطلاقاً من جراء التعليقات المنشورة"


أضف تعليقاً


كود امني
تحديث