حرمة الخمر في الإسلام 2
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2757
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية الغراء هي كاملة وتهتم بكل النواحي التي تهم المجتمع والفرد، سواء على مستوى القضايا الدنيوية أو الأخروية، ولم تترك مجالاً للمؤمنين بها أن يحكموا بالأمور وفق مصالحهم وأهوائهم، بل أوجدت نظاماً لكل مفردة من المفردات.
فالعبادات من صلاة وصوم وحج وزكاة نرى لكل واحدة منها نظاماً ما يضبطها ويحدد مسارها ويبين كيفية أدائها ومعالجة الخلل الذي قد يحصل فيها أحياناً. وكذلك على مستوى المعاملات، فقد وضع الإسلام نظاماً لكل معاملة من المعاملات كالبيع والتجارة والإجارة والمضاربة والدين والرهن وما إلى هنالك من عناوين كثيرة جداً، وعلى المسلمين التزام أحكام نظام كل معاملة وأي خروج عنها يعتبر مخالفة شرعية وقد تؤدي إلى بطلان المعاملة في الكثير من الأحيان حين مخالفة الشروط الشرعية.
واهتم الإسلام كذلك بأمن المجتمع وجعل له أولوية مطلقة، لأن أمن المجتمع يحفظ مسيرته ضمن الضوابط والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، فلا يجوز لمسلم أن يتعدى على حقوق مسلم آخر باليد أو اللسان أو بغير ذلك، لأن لكل مسلم حرمته في نفسه وعرضه وماله وشؤونه ولا يجوز لأحد أن يفرط فيها بأي حال من الأحوال.
ولذا نلحظ اهتمام الإسلام بالمقاصد الأساسية للشريعة وهي ( حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال )، ولذا قال تعالى ( ومن يرتدد منكم عند دينه فيمت وهو كافر فقد حبطت أعماله في الدنيا والآخرة) وقال أيضاً ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها ) وقال أيضاً ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) وقال أيضاً ( والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) وقال أيضاً ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
ولم يكتفِ الإسلام بالأمر بالمحافظة على هذه المقاصد، بل نهى عن التعدي عليها وتوعد بالعقاب لكل من تسول له نفسه إيقاع الأذية على أي منها، ولذا كان لا بد من نظام يحدد العقوبات التي يستحقها كل معتدٍ على واحد من هذه الأمور.
ومن هنا وضع الإسلام نظام العقوبات ضد المخالفين والمعتدين والمتجاوزين للحدود التي حددها الله عز وجل، ووضع لكل جريمة عقاباً خاصاً بها يكون بمستوى الجريمة التي قام بها.
وينقسم نظام العقوبات في الإسلام إلى ما يلي:
أولاً: الحدود وتشمل عدة جرائم.
ثانياً: القصاص وهو خاص بالقتل أو الجرح لإنسان آخر.
ثالثاً: التعزير: وهو العقوبة غير المقدرة شرعاً والتي يعود تقديرها للحاكم الشرعي وفق ما يرى فيه من المصلحة.
رابعاً: الحكمة من نظام العقوبات.
أما الحدود فهي مقدرة في الشريعة الغراء ولا يحق لأي كان حتى للحاكم الإسلامي أن يستبدلها بعقوبة أخرى إلا في حالات نادرة جداً وردت في كتب الفقه حيث نبحث هذه الأمور بالتفصيل، والحد لا يقبل الإسقاط ولا تجوز إقامته إلا بإذن الحاكم الشرعي أو الوكيل عنه بعد ثبوت موجبه من أنواع الجرائم.
وللحدود شروط ومن أهمها أن يكون المجرم المعتدي قد بلغ سن التكليف الشرعي لأن العقاب مرفوع عن القاصرين غير البالغين لتلك السن وأن يثبت الاعتداء بالأدلة الشرعية وأن يكون الجاني مختاراً في فعله ولم يكرهه أحد عليه، وأن يكون المعتدى عليه محترم النفس والعرض والمال في الإسلام ، وأن يكون هناك إمكانية لإجراء الجزاء العادل في حق المعتدي ، ومع انتفاء أحد هذه الشروط يلغى الحد الشرعي وقد يستبدله الحاكم الشرعي بأمر آخر وفق ما يراه مناسباً لأن الحدود تدراً بالشبهات.
أما التعزير فهو بنفسه حد ولكن للمخالفات غير الخطيرة والتي لم يوجب الإسلام لها حداً معيناً ، بل ترك أمر تقدير الحكومة للحاكم الشرعي مثل مخالفة الأنظمة والقوانين ومثل التجاوزات على الآخرين بما لا يوجب إقامة الحد كإخافة الناس لكن من دون تحويل الإخافة والفزع إلى فعل جرمي يوجب الحد، والتعزير قد يكون جلداً أو دفع غرامة مالية أو سجناً لفترة من الزمن وما شابه ذلك من العقوبات التي يراها الحاكم الشرعي متناسبة مع المخالفة.
أما الحكمة من إقامة الحدود والقصاص والتعزير، والمنافع المترتبة عليها كثيرة جداً ويكفي للتدليل على ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن النبي (ص) قال ( لحد واحد يقام في الأرض خير من مطر أربعين صباحاً) وقال تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، ونذكر هنا لتقريب الفكرة بعضاً من منافع إقامة الحدود والتعزيزات.
1- إصلاح الأفراد بمنعهم عن ارتكاب المزيد من الشرور والآثام والمعاصي بحق أنفسهم وبحق المجتمع لأن أمن المجتمع أهم من الفرد.
2- حماية المجتمع من انتشار الفساد وشياع المنكرات ، ولذا قال أمير المؤمنين (ع) (من أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر قصم ظهر المنافق).
3- حفظ الناس في أنفسها وأعراضها وأموالها وشؤونها من اعتداءات ذوي النفوس المريضة والضعيفة، ليعيش الناس وهم آمنون على كل ما يتعلق بهم.
4- ردع الجناة أو من يفكر بارتكاب جناية، لأن الإنسان عندما يرى عقوبة الجاني فهي قد تكون رادعاً قوياً وهي مؤثرة أكثر بكثير من مجرد الكلام والنهي اللفظيين.
5- تطهر مرتكب الذنب من آثار ما اقترفته يداه في الدنيا وفي الآخرة إذا تاب إلى الله تعالى من أفعاله السيئة.
وهذا البحث في مجمل نظام العقوبات في شرعنا الإسلامي هو المقدمة التمهيدية للدخول في تفصيل كل جريمة توجب الحد أو القصاص مع التعرض لنماذج متعددة من المخالفات الموجبة للتعزيز في المجتمع الإسلامي.
وهذا النظام إن دل على شيء فهو يدل على أن الإسلام يعطي أمن المجتمع وسلامته وحق أفراده في العيش الحر الكريم المساحة الكافية والأمان الوافي ليقوم كل فرد بدوره في المجتمع لتكون حركته متكاملة مع بعضها البعض ومحققة للأهداف الإلهية في الدنيا والآخرة.