الصلاح والتقوى الاجتماعيان
- المجموعة: مقالات اجتماعية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2483
قال الله:{ ... وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب }، المائدة /2. تتحدّث هذه الآية الكريمة حول ضرورة وأهمية التعاون فيما بين المسلمين لما لهذا الأمر من فوائد عظيمة على مجمل الأوضاع العامّة والخاصّة للمجتمع . وقد فسًر سبحانه ( البر ) في الآيات القرآنية بأنّه الإيمان والإحسان في المجالات المختلفة من العبادات والمعاملات ، كما في قوله تعإلى: { ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر ...} ، والتقوى هي مراقبة أمر الله ونهيه وعدم التجاوز عنهما . وهذا التعاون المبني على التقوى هو الأساس في المسيرة الإسلامية من أجل ربط المجتمع في وحدة متكاملة تحقّق الأهداف الدنيوية على مستوى نشر
الأمن والسلام وعلى مستوى تحقيق السعادة والراحة النفسية ، وعلى مستوى أخذ كلّ فردٍ لموقعه ودوره الذي يؤدي من خلاله الوظيفة ، وكذلك على مستوى الأهداف الأخروية التي لا يمكن فصلها بأيّ حالٍ من الأحوال عن المسيرة الدنيوية . وهذا التعاون هو الذي يؤدي إلى الصلاح الإجتماعي العام الذي يدفع نحو المزيد من التفاعل والتلاحم ورصّ الصفوف ، وصولاً إلى تحقيق المضمون العظيم للآية التي تقول: {إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوص } . ولذلك نقول إنّ التعاون المطلوب ليس على صعيد المهتمين بتقدّم المجتمع الإسلامي في مجالٍ معيّن كالقضايا الحياتية فقط أو السياسية أو التربوية أو الجهادية ، بل لا بدّ من أن يكون التعاون بين المهتمّين بكلّ هذه المسائل وذلك عبر التشاور والتناصح الناتجين عن التواصل المستمر الذي يحقّق الإلفة والإنفتاح والتآخي في الله عزّ وجلّ . وفي مقابل الحثّ القرآني على التعاون المبني على التقوى ، يحذّر الله الذين يهاونون من أجل تخريب وتدمير الحياة العامّة للمجتمع عبر الأمور المحرّمة التي يتحمّل مرتكبها الإثم والعقاب من الله يوم القيامة ، وتؤدّي إلى إيجاد حالاتٍ من التشكيك فيما بين الصفوف المتلاحمة ، أو خلق أجواء من القلق والإضطراب تنعكس سلبياً من خلال انعدام الثقة والإطمئنان بين النفوس ، المؤدي بدوره إلى حصول حالاتٍ من التباعد والجفاء توجد مناطق فراغ بين أبناء الصفّ الواحد ، ممّا يسمح بالتالي للأعداء النفوذ منها لتمزيق الجسم كلّه عبر توسيع الفجوات والثغرات ، كما حصل في عالمنا الإسلامي الكبير الذي كانت الصراعات الداخلية قد أوهنته وأخذت من قواه ، وهذا ما سهّل على الدول الإستعمارية أن تتغلّب على الأمّة الإسلامية وتفرض عليها إرادتها وتلزمها بقراراتها وتربط مصيرها كلّه من أجل خدمة المصالح الإستكبارية . وما تعيشه اليوم الحالة الإسلامية العالمية من قوّةٍ وامتدادٍ هو من ثمرات التعاون المبني على التقوى ، وهذه القوّة هي التي لا ينبغي بل لا يجوز لأحدٍ أن يفرّط فيها من خلال إثارة الأجواء المقلقة ، سواء أكان ذلك عن علمٍ وعمد ، أو عن جهلٍ وتعصّب ، لأنّ المصلحة في ذلك هي للأعداء وحدهم وعلى حساب ما تحقّق لدينا حتى الآن من عوامل القوّة التي نستند إليها لإكمال المعركة وصولاً إلى تحقيق الهدف الكبير . ولهذا نرى بأنّ الله يعود في نهاية الآية ليؤكّد على ضرورة التمسّك بالتقوى التي تعطي التعاون قيمته ودوره . ويختمها بالتأكيد أيضاً على أنّه شديد العقاب لكلّ من تسوّل له نفسه تدمير طاقات الأمّة ، أو يسعى لنشر عوامل الخوف والقلق داخلها لإدراك المسيرة أو ضربها ببعضها البعض . والحمد لله ربّ العالمين.