الغنى ومظاهر الترف في المجتمع
- المجموعة: مقالات اجتماعية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 4119
والإسلام يقر بهذه الحقيقة الموجودة في المجتمع وذلك من خلال ما ورد في الآيات والروايات عن مسألة الغنى والفقر ، التي في بعضها ذم للغني وفي بعضها الآخر مدح له.
- أما عن الغني المذموم فقد ورد ما يلي في القرآن والسنة:
-( كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى)[1].
- (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)[2].
- (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)[3].
- (الغنى عقوبة)[4]. رسول الله (ص).
- (الغنى يُطغي)[5] الإمام علي (ع).
- (إن الشيطان قال: لن ينجو مني الغني من إحدى ثلاث: إما أن أزينه في عينه فيمنعه من حقه، وإما أن أسهل عليه سبيله فينفقه في غير حقه، وإما أن أحببه إليه فيكسبه بغير حقه)[6] رسول الله (ص).
* أما الغني الممدوح فقد ورد ما يلي في القرآن الكريم والسنة:
- (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)[7].
- ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء...)[8].
- (الذي ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذىً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[9].
نِعم العون على تقوى الله الغِنى[10] (رسول الله (ص)).
- الإمام الباقر (ع) لما ذُكر عنده من الأغنياء من الشيعة، فكأنه كره ما سمع ما فيهم ، قال (ع): (إذا كان المؤمن غنياً رحيماً وصولاً له معروف إلى أصحابه، أعطاه الله أجر ما ينفق في البر أجره مرتين ضعفين لأن الله تعالى يقول (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربنا عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون)[11].
وأما كيف ينبغي للغني التصرف في ماله فهذا الأمر له فرعان لا بد من الحديث عنهما:
الأول- عدم الإسراف والتبذير: لأن المال نعمة من الله وزينة وعلى الإنسان أن لا يبطر بتلك النعمة فيصرفها في غير وجوهها الشرعية والعرفية بحسب حاله وشأنه فيصل إلى حد الإسراف والتبذير، أما الإسراف فهو المبالغة في الصرف على شؤون المعيشة بما يتجاوز حد الاعتدال المتعارف عليه، وأما التبذير فهو صرف المال فيما لا نفع فيه ولا فائدة خصوصاً إذا كان من المحرمات كالقمار والخمر وما شابه ذلك، وقد ورد الذم في القرآن لهذين المفهومين حيث قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)[12]، وقال أيضاً (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً)[13].
الثاني: أن يشكر الغني نعمة ربه فينظر إلى من حوله من الفقراء من أرحامه لأن الأرحام الفقراء أولى من غيرهم، ثم الفقراء من معارفه وأصدقائه ممن لم يُوفقوا لكسب ما يكفي من المال لإعالة أنفسهم وعوائلهم، وهذا الإنفاق هنا دليل عدم تملك المال للإنسان بل دليل تملك الإنسان للمال وقدرته على التصرف به بما يرضي الله عز وجل، وطعماً في الأجر والثواب العظيمين اللذين أعدهما الله سبحانه للمنفقين من أموالهم لسد حاجات المعوزين والمحتاجين، ولذا ورد في قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها...)[14] ، وقال تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)[15]، وهذا الإنفاق على الفقراء يحقق نوعاً من التوازن في مسيرة المجتمع الإسلامي ويمنع الكثير من الظواهر السلبية التي يمكن أن تكون سبباً في تدمير أمن وسلامة المجتمع.
وأما الفرق بين الغني الذي يداري الناس وبين من لا يداريهم فهو أن الأول يعمل على عدم التباهي بغناه ويسعى لأن تكون معيشته غير ملفتة لنظر الناس خصوصاً الفقراء، مع أنه يصرف من ماله على شؤون معيشته ، ولكن لا بنحو يشار إليه بالتكبر والترفع عن الناس الآخرين عملاً بقول النبي (ص) (أُمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة)[16] ويعمل على إظهار نعمة الله عليه من خلال مخالطة الناس والتواجد بينهم ومساعدتهم بما أمكن من النعم التي أنعمها الله عليه، بينما الثاني هو الذي يتباهى بماله ويتكبر على الناس خصوصاً الفقراء ولا يخالطهم ولا يتواجد بينهم ويعتبر أنه أرفع شأناً منهم، ويتصرف في ماله بطريقة مؤذية لمن ليسوا قادرين على تأمين مستلزمات العيش ولو بالحد الأدنى، وهذا الإنسان يدل تصرفه على تحكم المال به وتملكه له، فماله هو الذي يسيّره ويحركه وليس هو الذي يحرك ماله ويتصرف به، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (ع) (استعيذوا بالله من سكرة الغنى، فإن له سكرة بعيدة الإقامة)[17]، ولا يخفى ما في هذا التصرف من المفسدة لحياة الناس الفقراء، ولذا نجد في تاريخ البشرية، الكثير من الثورات التي قام بها الفقراء من أبناء الشعوب ضد الطبقات المرفهة والغنية والتي كانت تسرف وتبذر في صرف المال، ومن أبرز الأمثلة على ذلك "الثورة الفرنسية" في القرن الثامن عشر التي قادها الفقراء ضد طغيان حكم الأغنياء، ولذا نجد أن أبا ذر الغفاري رضوان الله عليه لما رأى التمايز في المعاملة بين المسلمين زمن الخليفة الثالث والمحاباة في العطاء لأناس دون آخرين، بحيث أن المقربين يتنعمون بحياتهم، بينما غيرهم قد لا يجد قوت يومه، قال كلمته المشهورة (عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه)[18].
من هنا نرى أن الإسلام يوصي في تعاليمه من توافرت لهم نعمة الغنى والثروة أن لا يبطروا، وأن لا يكونوا بخلاء من جهة أخرى كما قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً...)[19].
وبالختام فإن كلاً من الغنى والفقر امتحان من الله لعباده كما قال الإمام علي (ع) (الغنى والفقر يكشفان جواهر الرجال وأصنافها)[20]، أو كما ورد عنه (ع) (قدّر الأرزاق فكثرها وقللها، وقسّمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، ويختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها)[21].
وأخيراً نسأل الله عز وجل أن يرزقنا في دنيانا ما يعيننا على الوصول إلى الآخرة، لأن غنى النفس هو الغنى الأكبر.
والحمد لله رب العالمين
[1] العلق /6 و7.
[2] المؤمنون / 55 و56.
[3] التوبة /34.
[4] بحار الأنوار/ ج 69/ ص68.
[5] غرر الحكم/ ج23.
[6] ميزان الحكمة/ ج3/ ص2302 عن كنز العمال.
[7] آل عمران /134.
[8] البقرة/ 261 .
[9] البقرة/ 262.
[10] الكافي/ ج 5/ ص 71/ ج1.
[11] علل الشرائع/ ج2 / ص604 / ج73.
[12] الأعراف / 31.
[13] الإسراء / 27.
[14] التوبة / 103.
[15] آل عمران / 92.
[16] تحف العقول / ص 48.
[17] غرر الحكم/ ج23 و459 و1140.
[18] النظام السياسي في الإسلام للقرشي / ص247.
[19] الإسراء / 29.
[20] غرر الحكم / ج23 و 459 و1140.
[21] نهج البلاغة، شرح محمد عبده/ ج1 / ص 177/ خ91.