الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

تقليد الثقافة الغربية

sample imgage

من المميزات المهمّة للدين الإسلامي أنّه لا يفرض على أتباعه ومريديه الإنغلاق عن الآخرين ووضع الحواجز والسدود بينهم وبين الآخرين من سائر الملل والأديان، بل يدعو بكلّ قوّة وجرأة ووضوح إلى مدّ جسور العلاقات الإنسانية جمعاء من خلال ربطها بالله سبحانه مصدر وجود الإنسان وسبب استمراريته.

والدعوة إلى الإنفتاح على الآخرين مردّها إلى أنّ الله عزّ وجل خلق الإنسان ليتعرّف إليه ويعبده ويبني الحياة على ضوء القانون الإلهي الذي لا يختصّ بالمسلمين وحدهم وإن كانوا هم الذين اعتنقوه قبل غيرهم.

ومن الواضح أنّ لكلّ شعبٍ وأمّة ثقافته النابعة عن عقيدته وعن المبدأ الفكري الذي يرتكز عليه، وهذه الثقافة تشمل أنماطاً من العادات والتقاليد والأعراف ونماذج من السلوك على المستويين الفردي والإجتماعي، وفي هذا المجال قد تلتقي الشعوب في قسمٍ من هذه الأنماط والنماذج وقد تفترق تبعاً للمنطلقات الفكرية.

 

والإسلام في هذا المجال لا يمنع أتباعه من التفاعل مع الآخرين في كلّ الأنماط والنماذج المذكورة طالما كانت لا تخرج عند حدود وضوابط الشريعة الإسلامية، خاصة أنّ الإسلام كدينٍ يحترم كلّ ما لدى الشعوب في هذا المجال وإن كان بعض ما هم عليه لا تنطبق عليه ضوابط الإسلام وهم يمارسونه فيما بينهم ويرونه شيئاً مألوفاً.

واحترام الإسلام لما عند الشعوب غير الإسلامية نابعٌ من النظرة الرحيمة للخالق التي يريد لها أن تنعكس عند المسلمين في شخصيّاتهم وممارستهم فيما بينهم ومع الآخرين أيضاً، لينفتح من خلال ذلك باب الحوار والدعوة إلى الله بالحسنى عبر وسائل إيجابية تجعل الآخرين يشعرون بأهمية الإسلام الذي يحترم إنسانية الإنسان التي هي القاسم المشترك ويريد للجميع أن يتعاملوا مع بعضهم البعض إنطلاقاً من ذلك من دون أن يمارس بعضهم عملية استقواء على البعض الآخر في هذا المجال.

لكن ما يؤسف له في هذا المجال هو أن نرى أنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر اليوم رمز الثقافة الغربية تحاول تعميم هذا النموذج على كلّ الشعوب والأمم على حساب تاريخ وتراث تلك الشعوب، ومن دون نظر إلى عمق ارتباط تلك الشعوب بتراثها وتاريخها، والمنطلق في هذا السعي هو الوهم الذي يعيشه أرباب الثقافة الغربية على أنّ ثقافتهم هي الأقوى والأجدر والقادرة على تحرير الشعوب من ماضيها الذي تريد جرّه إلى الحاضر وهو الذي يمنعها من الإنطلاق نحو اللحاق بالنموذج الثقافي الغربي الذي عندما تحرّر من ماضيه وتاريخه ارتقى ووصل إلى ما هو اليوم من التقدّم والإزدهار.

ومحاولة أرباب الثقافة الغربية تعميم ثقافتهم تقوم على وسائل غير سليمة وغير شريفة أحياناً، حيث نراهم يعتمدون أساليب التهديد أو الإبتزاز أو تسخير الإعلام لتشويه ثقافات الآخرين وبالأخص تشويه الثقافة الإسلامية التي ما زالت قوية في أوساط المسلمين وتمنعهم من الذوبان في جوّ الثقافة الغربية وتحلّل شخصيّتهم فيها، ومن هنا نفهم المحاولات المتكرّرة سواء في مجال تأليف الكتب أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو من خلال شاشات السينما عبر الأفلام التي تصوّر المسلمين وثقافتهم وكأنّهم يعيشون خارج حدود هذا العالم ولا يريدون أن ينخرطوا في الواقع المعاصر ليكونوا جزءاً منه، وأنّهم يعملون على تدمير إنجازات الحضارة الغربية والإنسانية لإعادتها إلى الوراء، وهذا ما نراه من خلال الترويج السلبي عن نظرة الإسلام إلى الزواج والمرأة وقضايا الحرية والمساواة وما شابه ذلك.

الإسلام كما قلنا وفق المبدأ الأساس فيه أنّه لا يحرّم على المسلم التفاعل مع الآخرين بل يشجّع عليه ويؤكّد ولكن وفق الضوابط التي لا تريد للمسلم أن يخرج عن إطار التزامه الديني والأخلاقي والسلوكي، ولهذا توجد لدينا في الإسلام قاعدة ثلاثية في هذا المجال يمكن اعتبارها المقياس العام لقبول أو رفض ما عند الآخرين، ومفردات هذه القاعدة الثلاثية هي التالية:

أولاً: إنّ كلّ ما عند الشعوب الأخرى من ثقافة أو حضارة أو تقدّم علمي أو أيّ شيء آخر إذا كان موافقاً للضوابط الإسلامية، أو إذا كان غير مخالف لها في الحد الأدنى لا مانع من الأخذ به وترويجه بين المسلمين إذا كان مفيداً لهم ونافعاً في التخفيف من معاناةٍ ما أو تعبٍ ما، وهذا ما نراه بأمّ العين في أوساط عالمنا الإسلامي الذي يتعامل مع نتاج الحضارة والثقافة الغربيتين بشكلٍ إيجابي في هذه المجالات غير المتنافية مع ضوابطنا الإسلامية، ولهذا نرى أنّ أكثرية نتاج الحضارة الغربية وثقافته منتشر بين المسلمين ولا أحد يعترض على ذلك، بل لا يحقّ لأحدٍ الإعتراض مبدئياً في هذا المجال لأنّ الإسلام يؤمن بالتقارب والتفاعل بين الشعوب إذا كان كلّ ذلك يخدم الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن الدين واللون والجنس واللغة والأرض.

ثانياً: إذا كان بعض ما لدى الثقافات والحضارات الأخرى يتنافى مع ضوابط الإسلام ولا ينسجم مع المنظومة الفكرية أو السلوكية الإسلامية فهو مرفوض، لأنّ الإسلام يرى فيه ابتعاداً عن الأهداف الإلهية المطلوب من المسلمين تحقيقها في حياتهم، ولهذا نرى أنّ الكثير من مفردات الثقافة الغربية القائمة على التحلّل الأخلاقي والإباحة الجنسية والممارسات التي تسلخ عن الإنسان إنسانيّته وتجعله أقرب إلى الحيوانية والبهيمية هي مرفوضة إسلامياً ولا يمكن القبول بها لأنّها تمتهن كرامة الإنسان وتجعله سلعة من السلع في سوق العرض والطلب لا غير. وسبب الرفض هنا ليس نابعاً عن مجرّد استحسانٍ شخصي أو عن حس عنصري، وإنّما عن التزام واعٍ ومدرك وهادف، فمثلاً الإسلام يأمر المرأة بالستر والحجاب ويرى فيه صوناً لإنسانيتها وإخراجاً لها من دائرة الإغواء والإغراء والشهوة واللذة الضيّقة إلى دائرة الإنسانية الواسعة، بينما الثقافة الغربية تدفعها إلى السفور والعري حتّى الفاضح منه والذي يتجلّى في ممارسات شاذّة تأنف منها النفوس وتشمئزّ منها النفوس السليمة المحافظة على الفطرة الصحيحة، أو ما يُشاع الآن في الغرب عن تشريع تدخين واستعمال المخدرات أو تشريع محرّمات العلاقة بين الرجل والرجل من جهة، أو المرأة والمرأة من جهةٍ أخرى، أو بين الرجال والنساء من جهةٍ ثالثة، وغير ذلك كثير ممّا قد صار متعارفاً بأنّه من نتاج الثقافة الغربية الداعية إلى الحرية الفردية المطلقة التي تتجاوز حدود المسؤولية لتتحوّل إلى فوضى مدمّرة للحياة الإنسانية جمعاء.

ثالثاً: إذا كان ما لدى الثقافة الغربية أو غيرها من الثقافات ممّا هو غير واضح المعالم من جهة إيجابيات أو سلبيات، لأنّه قابل لهما معاً، فالإسلام لا يمنع من الأخذ بالجهة الإيجابية من هذه الأمور وفق ضوابط لكنّه يمنع من الإستفادات السلبية من تلك الأمور، فمثلاً نرى أنّ الغرب قد ابتدع في ثقافته أنماطاً من اللباس للمرأة يكشف الكثير من جسدها ولا يبقي مستوراً منه إلاّ قليل، فهنا لا مانع للمرأة المسلمة من أن تستفيد من مثل هذه الألبسة ولكن وفق ضوابط الإسلام وحرصه الدائم على أن تلتزم المرأة جانب الإنسانية من شخصيتها في المجتمع العام، ولكن لا مانع من أن تمارس حريّتها في الإستفادة من هذا النمط من اللباس في عالمها الخاص بها حيث يجوز ذلك، وهكذا في العديد من مثل هذه المفردة التي ذكرناها.

وللإستيضاح أكثر لا بأس بذكر نماذج من إستفتاءات الإمام القائد ولي أمر المسلمين آية الله العظمى الإمام الخامنئي(دام ظله) في هذا المجال:

ـ إستفتاء: هل يجوز شرعاً وقانوناً أو عرفاً ارتداء الألبسة المصنوعة من الأقمشة الأجنبية؟

ـ الجواب: مجرّد كون الألبسة مصنوعة من الأقمشة الأجنبية لا يمنع من جواز بيعها وشرائها ولبسها.

ـ إستفتاء:هل يجوز ارتداء اللباس المطبوع عليه أحرف وصور أجنبية؟ وهل يُعدّ هذا اللباس نشراً للثقافة الغربية؟

ـ الجواب: لا مانع منه في نفسه ما لم يرتّب عليه مفاسد إجتماعية، وأمّا كونه نشراً للثقافة الغربية المهاجمة فموكول إلى نظر العرف.

ـ إستفتاء: شاع في الآونة الأخيرة استيراد الألبسة الأجنبية وبيعها وشراؤها واستعمالها داخل البلد فما هو حكم ذلك مع الإلتفات إلى تصاعد الهجوم الثقافي الغربي على الثورة الإسلامية؟

ـ الجواب: لا مانع من استيراد وبيع وشراء واستعمال الألبسة لمجرّد كونها مستوردة من البلاد غير الإسلامية، وأمّا ما كان منها ينافي في ارتدائه للعفّة والأخلاق الإسلامية أو إشاعة للثقافة الغربية المهاجمة فلا بدّ من المراجعة فيها إلى المسؤولين المختصّين بذلك حتّى يمنعوها.

ـ إستفتاء: ما هو حكم بيع الصور والكتب والمجلاّت التي لا تحتوي صراحة على أمور قبيحة ومبتذلة ولكن تحاول تلميحاً إيجاد جو ثقافي غير إسلامي؟

ـ الجواب: يحرم بيع وشراء كلّ ما يهدف إلى ضياع الشباب وإفسادهم ويسبّب أجواء ثقافية فاسدة ويجب التحرّز والإجتناب عنها.

ـ إستفتاء: هل يجوز للنساء المشاركة في مراسم الإستقبال والترحيب التي تقوم بها الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها للترحيب وتقديم الزهور للوفود؟ وهل يصحّ تبرير استقبال النساء للوفود الأجنبية وتقديم الزهور إليهم مع عدم مرافقة النساء مع تلك الوفود بأنّنا نريد أن نظهر للبلاد غير الإسلامية حرية واحترام المرأة؟

ـ الجواب: لا وجه لدعوة النساء للمشاركة في مراسم الإستقبال والترحيب بالوفود الأجنبية، ولا يجوز ذلك إذا كان موجباً للمفاسد ونشر الثقافة غير الإسلامية المعادية للمسلمين.

والحمد لله ربّ العالمين