الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الوعد الإلهي بالنّصر

sample imgage

قال الله تعالى في مُحكم كتابه :{إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم}. تشير هذه الآية المباركة إلى معادلةٍ إلهيّة ثابتة لا تتغيّر مع مرور الزمن وهي: (من نصرالله نصره، ومن كان مع الله كان الله معه).

ومعنى أن ينصر الإنسان ربّه، هو أن يقوم المرتبط بالله بكلّ ما هو مطلوبٌ منه من جهادٍ وتضحيةٍ وإخلاصٍ وصبرٍ وعزيمةٍ وإرادةٍ وعدم رضوخٍ ورفض الإستسلام لعدوّ الله، فعندما يرى الله صدق كلّ تلك الأمور من عبده المؤمن المجاهد فهو ينصره على عدوّه وينجز له الوعد الإلهي الذي وفى به الله طوال تاريخ البشريّة لمن صدق معه من أنبياءٍ وأولياء.

 

وما قلناه يؤدّي إلى أنّ النصر وفق الموازين الإلهيّة يختلف عن النصر وفق الموازين الماديّة، لأنّ النصر عند غير المرتبطين بالله يتوقّف على أن يكون لدى أحد الطرفين القوة فإن أو لم يكن كذلك فالنصر في نظره مستبعدٌ جداً، أمّا النصر عند المرتبط بالله لا يتوقّف على تلك العوامل وحدها فقط، وإن كانت مطلوبة وفق الأمر الإلهي بالإعداد والإستعداد، لكنّ العوامل عنده تشمل أيضاً الأبعاد المعنويّة والروحيّة والتي هي الأساس عند المؤمنين بالله والمجاهدين في سبيله، وقد برهن المسلمون ذلك عمليّاً في أوّل معركةٍ خاضوها ضدّ طغيان قريش عندما انتصروا في بدرٍ وقال الله تعالى في القرآن الكريم :{ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلّة}، أي أنتم قليلو العدد والعدّة في مواجهة جيش المشركين حيث كانت نسبتهم ثلاثة لواحد، ومع ذلك حقّقوا نصراً عظيماً فتح الأبواب أمام الإسلام آنذاك لينتشر ويعمّ كلّ أرجاء الجزيرة العربيّة.

وفي هذا الزمن المعاصر الذي تسيطر فيه قوى الكفر والضّلال على مقدّرات العالم ومصير شعوبه وتتلاعب به وفق مصالحها وأهوائها وامتيازاتها، وتنشر مفاهيمها وثقافتها الماديّة لتكون بديلاً يفرضه القويّ على الضعيف، نرى أنّ أغلب شعوب العالم قد استسلمت واستكانت ورضخت للقوّة الغاشمة الظالمة باعتبار أنّهم لا يملكون ما تملكه من قدراتٍ عسكريّة وتقنيّة متقدّمة فصاروا محبطين ويائسين وقعدوا عن تحرير شعوبهم وإرادتهم من سيطرة الشيطان الأكبر "أمريكا" على المستوى العالمي.

وسرى هذا المرض الخطير وهذه الأفكار الضالّة حتّى إلى أذهان المسلمين وقلوبهم فقعدوا عن الجهاد في سبيل الله ضدّ الكيان الغاصب إسرائيل أيضاً لأنّهم توهّموا أنّهم غير قادرين على هزيمتها لأنّها قويّة على المستوى التسليحي وتتمتّع بالحماية والمساعدة الأمريكيّتين، وهذا ما يجعلها كياناً غير قابل للهزيمة والإنكسار، وهذا ما جعل ذلك الكيان يُمعن في بلاد العرب والمسلمين قتلاً للأرواح وتدميراً للمنشآت واحتلالاً للأرض، من دون أن يملك المسلمون ما يواجهون به ذلك العدو الغاصب الذي اغتصبها كلّها وقسماً من الدول العربية المحيطة أيضاً.

إلاّ أنّ هذا الواقع اليائس الذي عاشه المسلمون والعرب لم يستطع أن يقهر إرادة فئةٍ قليلة رفضت الرضوخ للمقولات المادية وانطلقت من إيمانها بالله وثقتها به وبوعده بالنصرة وبدأت بقتال المحتل الإسرائيلي الذي دنّس أرضنا في لبنان في الوقت الذي كان الآخرون يهزؤون من أولئك الفتية ويسخرون منهم وينعتونهم بنعوتٍ وأوصافٍ غير لائقة كمجانين أو متهوّرين وما شابه ذلك.

ولكن مع مرور الوقت، ومع الصبر والتضحية والإصرار على الجهاد مهما كلّف من آلامٍ وأثمان إستطاع هؤلاء المؤمنون المجاهدون الصابرون أن ينتصروا على إسرائيل وأن يثبتوا أنّ الإيمان بالله وبالحق هو أقوى سلاحٍ في مواجهة أقوى الأعداء، وفرض المجاهدون من أبناء المقاومة الإسلامية بالإضافة إلى تضحيات الشعب اللبناني على العدو الغاصب الإنسحاب ذليلاً خائباً من أرضنا المقدّسة التي روتها دماء الشهداء وسقاها عرق المجاهدين.

ومن هنا نقول للمسلمين جميعاً ولكلّ مُستضعفي العالم إذا أردتم النصر فصمّموا بإيمانكم على الوصول إليه وقوموا بكلّ ما يفرضه عليكم ذلك الإيمان وستصلون بإذن الله إلى النصر كما وصل المجاهدون وشعبهم في لبنان، وكما سيصل شعبنا الفلسطيني ومقاومته في الداخل الذين يسيرون اليوم على خطى المقاومة الإسلاميّة وشعبها الأبي.

 

والحمد لله رب العالمين