موجز حياة الإمام الباقر (عليه السلام)
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2369
من أشهر أوصافه "الباقر" وبه يُعرف وذلك لتبحره في العلم، وهذا ما جعله مقصداً للعلماء والرواة وطلاب الحديث من كل المذاهب والفرق الإسلامية، وكان من بينهم أبو حنيفة، وهذا ما جعله مورداً لمدح المؤلفين في علم الرجال والحديث عند أهل السُّنة كابن الجوزي والنووي وابن عماد الحنبلي وغيرهم كثير، ويكفي الإمام (عليه السلام) فخراً أنه الذي أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جابر بن عبد الله الأنصاري عندما قال له "إن أدركته فاقرأه مني السلام" وعاش جابر حتى أدرك الإمام (عليه السلام).
إبتعد الإمام (عليه السلام) عن العمل السياسي المباشر حسب الظاهر بسبب بطش الحكم الأموي الذي كان يحصي الأنفاس ويكم الأفواه، خصوصاً ضد الأئمة (عليهم السلام) لأنهم الخطر الأكبر نظراً للاحترام الذي يتمتعون به عند عموم المسلمين بسبب سيرتهم المتأسية بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) القائمة على العدل والإحسان وخدمة الرسالة والأمة معاً.
إلا أن الظروف تهيأت للإمام الباقر (عليه السلام)، بعد أن ازداد الخطر على الحكم الأموي بسبب نشرهم العقائد المنحرفة والسلوك المنحرف للخلفاء، فأدى ذلك إلى قيام الثورات المتتالية ضدهم، مما جعلهم في حالة إرباك شديد وخوف من السقوط، ودفعتهم تلك الثورات بالتالي إلى صرف معظم جهودهم نحو المحافظة على تسلطهم، وهذا ما جعلهم يخففون بعضاً من الإجراءات الوقائية عن الإمام الباقر (عليه السلام) من حيث المراقبة والتجسس على كل تحركات الإمام (عليه السلام) خاصة إذا عرفنا أن معظم الثورات كانت ناشئة من قسوة الحكم الأموي ضد البيت العلوي، وهذا السبب دفع بالسلطة الحاكمة إلى التخفيف من رقابتها ضد الإمام (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً، لعلها بذلك تخفف من ازدياد حركة الرفض والثورة، بعد أن وصلت إلى مستوى جعلت الحكم الأموي في خطر الزوال والسقوط.
والإمام (عليه السلام) أحسن قراءة ذلك الظرف الذي لم يتهيأ من قبل واستفاد منه، فعمل على إنشاء جامعة أهل البيت (عليهم السلام) التي تكونت من العلماء والرواة الذين بلغ عددهم الآلاف من الشيعة وغيرهم، ينقلون علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وسيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى المسلمين في شتى بقاع العالم الإسلامي آنذاك.
وقد تتلمذ على الإمام الباقر (عليه السلام) في تلك الفترة الذهبية أئمة المذاهب والفرق الإسلامية، وتخرج من مدرسته العدد الكبير من كبار العلماء المشار إليهم في العقيدة والفقه وسائر العلوم المختلفة، ونخص بالذكر منهم "زرارة بن أعين" و"محمد بن مسلم الثقفي" و"أبو بصير ليث المرادي" و"يزيد بن معاوية الجبلي"، وأمثالهم ممن امتدحهم الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال: (رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي).
ولم يكتف الإمام الباقر (عليه السلام) بنقل علوم آل البيت (عليه السلام) عبر الرواة والمحدثين، بل كان يباشر بنفسه القيام بالمناظرات والمناقشات الفكرية مع أهل البدع والعقائد الفاسدة التي تسربت بسبب الفتوحات ودخول الشعوب المختلفة في الإسلام حاملة معها إرثها القديم الذي حاول أهل السوء إلصاقه بالإسلام تلبية لرغبات الحكام، وكان للإمام (عليه السلام) دور ريادي في هذا المجال، حيث تصدى لكل الذين يريدون تشويه الإسلام وشخصياته الأساسية كالخوارج الذين وجدوا الوقت مناسباً للتعريض بالأمير لأن ذلك كان يخدم السلطة الأموية، وتصدى كذلك لأولئك المتصوفين الذين تركوا العمل والسعي لتأمين رزقهم، فكاد يرد دعواهم بالأحاديث الواردة عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي تلعن من يعيش الحياة بتلك الطريقة السلبية.
من هنا، فإن الإمام الباقر (عليه السلام) قام بدور كبير دفاعاً عن الحق الثابت لأهل البيت (عليهم السلام) في وجه كل المنحرفين الذين ضللوا البسطاء من أبناء الأمة الإسلامية، والذي ساعده في ذلك هو هدوء الأجواء من حوله للقيام بتلك الوظيفة الجليلة لإبعاد الشبهات التي ركزها الحكم الأموي في أذهان المسلمين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) خصوصاً وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً.
وقد ترك لنا الإمام الباقر (عليه السلام) إرثاً إسلامياً كبيراً وغزيراً في شتى نواحي المعارف الإسلامية والأخلاق والآداب، ومن جملة وصاياه الأخلاقية لشيعته ومحبيه ما قاله (عليه السلام): (والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير)، ويصف الإمام (عليه السلام) شيعتهم في حديث آخر فيقول: (إن شيعة علي (عليه السلام) المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون لإحياء الدين، إذا غضبوا لم يظلموا وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، وسلم لمن خالطوا).