مع الحسين (عليه السلام) في ثورته الإصلاحية
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2448
الأولى: مجال العبادات أيّ العلاقة بين الإنسان وربّه.
الثانية: مجال المعاملات أيّ العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
الثالثة: مجال الحفاظ على المسلكية الصحيحة للمجتمع المؤمن.
الرابعة: مجال تقويم الإنحرافات وردع الفساد من المجتمع.
والوظيفة الأولى هي الأهم من بين الوظائف المذكورة لأنّها ترتبط أساساً بوصل المؤمن بربّه مباشرة لكي يتوجّه إليه من خلال نظامٍ خاص أبدعه الإسلام لكي يعيش المسلم العلاقة الدائمة والمتواصلة مع الله، وهذا النظام يتضمّن أنواعاً متعدّدة من العلاقة، لإضفاء طابع التجديد المستمر على هذا التواصل، وأهم فوائد العبادات في الإسلام بعد ربط المؤمن بربّه هو الإنعكاس الواضح في السلوك العام للفرد المسلم في الحياة القائم على المعاني والأبعاد الإلهية.
والوظيفة الثانية هي التي تحدّد للإنسان ضوابط سلوكه العام في كلّ الميادين والعناوين التي تحتويها الحياة الإنسانية المليئة بالحيوية والحركة منذ أن عرف البشر نمط الحياة ضمن مجتمع فيه تنوّعٌ في الأفكار والميول والرغبات والإمكانات مع ما تنتجه تلك الحركة المستمرة من تصادم وتضارب، أو تقارب وتآلف بين الأفراد والجماعات، فهذه الوظيفة قائمة أساساً على توضيح الحلال الذي يستطيع المؤمن الخوض فيه من الأمور الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والعسكرية وغيرها، وعلى توضيح الحرام في نفس تلك المجالات حتى يبتعد عنها لمخالفتها للأهداف الإلهية في الحياة الدنيا.
والوظيفة الثالثة هي المنوط بها في الإسلام الترغيب والتأكيد والتشجيع على الإلتزام في السير مع الله في الحياة، وعلى الإتّزان في كلّ القضايا والأمور ذات الجانب الإيجابي والمردود الحسن على كلٍّ من الفرد والمجتمع، وكما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (... من أمر بالمعروف شدَّ ظهر المؤمن)، وهذه الوظيفة لها دورٌ كبيرٌ في التقريب بين الأفراد والجماعات نظراً لما تشيعه بينهم – كما هو المفترض فيها – من أجواء الخير والمحبة والإلفة والتعاون الذي يؤدي إلى توحيد الرؤى ورصّ الصفوف.
والوظيفة الرابعة هي التي أناط بها الإسلام محاربة كلّ الظواهر السلبية ليرفعها ويلغيها من حياة الفرد والجماعة معاً، أو ليمنع من ظهور تلك المؤثرات السلبية التي تلعب دوراً تخريبياً وهدّاماً في الحياة، ولذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :(... ومن نهى عن المنكر قصم ظهر المنافق...)، وهذه الوظيفة لا يخفى دورها البنَّاء في الحماية والدفاع عن قيم المجتمع ذي المواصفات الإيمانية المرتبطة بالله عزّ وجلّ في الدنيا.
ولا شكّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أرسله الله نبياً ورسولاً، إنّما أرسله ليتمكن من إرساء مثل هذا الحكم في حياة البشر، ولذا قالت الآية الكريمة: {وما أرسلناك إلّا رحمةً للعالمين} لأنّ مثل هذا الحكم الملتزم بهذه الوظائف هو الذي يجعل من الحياة الدنيا نعيماً مليئاً بالسعادة والخير، وقد استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرعيل الأول من أتباع الإسلام أن يقيم تلك الدولة الأنموذج التي ألغت كلّ القوانين المبتدعة التي حكم فيها الإنسان أخاه الإنسان من موقع تحيّز القانون لواضعه القوي ومشترعه غير العادل والمنصف، إلّا أنّ المجريات بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سارت في مسارٍ آخر أوصلت الوضع في الأمة لأن يستلم زمامها يزيد بن معاوية مع ما هو عليه من الفسق والفجور والإنحراف والفساد ممّا جعل حياة الأمة في المحافظة على دينها واتّزانها وتوجّهاتها في خطرٍ حقيقي، ممّا أوجد الأرضية ومهّد الأجواء لثورة الحسين (عليه السلام) التي كان شعارها الأساس "... إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...).
ولا بدّ من أجل توضيح الصورة بشكلٍ جيد من عرض أوضاع الأمة السيئة التي أوصلت مثل يزيد إلى الحكم والقيادة باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما سوف نتعرّض له في المقالة القادمة إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين .