شرائط صحّة صلاة الجماعة وأحكامها
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5084
تحدّثنا في المقالتين السابقتين عن أصل إستحباب صلاة الجماعة وعن شروط إمام الجماعة، ونتحدث في هذه المقالة عن الشروط التي تجعل الصلاة صحيحة ، وهذه الشروط هي المطلوب من المأمومين الإلتزام بأغلبها وإن كان بعضها مطلوباً من إمام الجماعة أيضاً .
والشروط المطلوبة هي التالية :
الأول : أن لا يكون بين الإمام والمأمومين حائلٌ يمنع مشاهدتهم له ، وأن لا يكون هناك حائلٌ بين المأمومين أنفسهم أيضاً ، لأنّ وجود الحائل يمنع من تواصل الإمام مع المأمومين أو مع بعضهم ، ممّا يؤدّي بالتالي إلى بطلان صلاة الموجودين وراء الحائل ، ولا يفرّق في هذا الحائل بين أن يكون جداراً أو ستاراً من القماش أو أيّ شيءٍ آخر يمنع من التواصل المباشر مع الإمام ، ولا يعني هذا الشرط بالضرورة أن يرى كلّ مأموم ولو كان بعيداً إمام جماعته ، بل يعني أن لا يكون هناك حائلٌ بين صفوف المأمومين من كلّ النواحي ، وبناءً على ذلك تكون الصفوف مع بعضها البعض، ويرى البعيد الإمام ولو بشكلٍ غير مباشر، وهذا كافٍ في صحّة صلاة المأموم، هذا كلّه إذا كان المأمومون رجالاً ، أمّا لو فرضنا أنّ بعض المأمومين كانوا من النسوة، فلا مانع شرعاً من وجود الحائل بين صفوف الرجال المتقدّمة وصفوف النساء المتأخّرة عنهم، لأنّ المرأة في صلاة الجماعة يجب عليها الوقوف خلف الرجال ، وأمّا إذا كان الإمام للنساء إمرأة فلا داع لوجود الحائل بينها وبين المأمومات، ولا لوجوده بين نفس المأمومات، لأنّ الجميع نساء في هذا المجال، فلا معنى شرعاً لوجود الحائل في هذه الحالة .
ويترتّب على هذا الشرط مجموعةٌ من الأمور لابأس بتوضيحها وهي التالية :
1 – ليس من الحائل لو مشى إنسانٌ بين الصفوف أثناء الجماعة ، لأنّ شرط الحائل أن يكون ثابتاً مستقراً كالجدار والستار بين الرجال وما شابه ذلك ، نعم لو أنّ المارّين بين الصفوف كانوا متّصلين بحيث إستمروا على هذا النحو طيلة فترة الصلاة أو أغلبية ركعاتها فهنا تصبح الجماعة محلّ إشكال لصدق عنوان الحائل على هذا المرور المتواصل المانع من مشاهدة المأمومين لبعضهم البعض وفقدان الإتصال بينهم والذي هو شرطٌ من شروط صحّة الجماعة .
2 – لو وصلت الجماعة إلى خارج المسجد أو المكان المُعدّ للصلاة، فيكفي في تحقّق التواصل أن يكون من هم خارج المسجد متّصلين بالمأمومين الموجودين عند الباب بحيث يصدق على من بالخارج أنّهم متّصلون وليسوا منفصلين كما نرى هذا الأمر في الكثير من المساجد عندما لا يتّسع المكان لكلّ أفراد الجماعة .
3 – العوامل الطبيعيّة التي قد تمنع من رؤية الصفوف لبعضها البعض لا تمنع من التّواصل ولا تعتبر من الحائل كالغبار الكثيف أو الدّخان أو الظلام وما كان من هذا القبيل .
4 – لو حصل الحائل أثناء صلاة الجماعة بحيث لم يكن موجوداً منذ بدايتها، فمن حين حصول الحائل وعدم القدرة على إزالته، فالذين هم بعد الحائل تبطل صلاتهم جماعة وتصحّ منهم فرادى، أي كأنّ كلّ واحدٍ من هؤلاء يصلّي منفرداً أو ليس جزءاً من الجماعة، وإن كان ثواب الجماعة يتحقّق لهؤلاء، لأنّ الإنفصال لم يحصل بشكلٍ إختياري بل بسبب ٍقهري خارج عن إرادة المأمومين .
الثاني : أن يكون موقف الإمام الذي يؤمّ الجماعة مستوياً مع موقف المأمومين الذين يصلّون خلفه، بمعنى أنّ موقفه إذا كان أعلى كثيراً من موقفهم كما لو كان على السقف وكان المأمومون على الأرض، ففي هذه الحالة تبطل الصلاة لعدم صدق عنوان الجماعة بين الإمام والمأمومين ، لأنّ الجماعة هي عبارةٌ عن إتحاد الإمام والمأمومين في هيئةٍ واحدة، فإذا ارتفع مقام الإمام عن مقام المأمومين كثيراً لا يصدق على هذا أنّه صلاة جماعة، نعم لو فرضنا أنّ موقف الإمام كان أعلى بشيءٍ بسيط كما لو كان يصلّي في أرضٍ غير مستوية وفيها إنحدارٌ بسيط بحيث لا يعتبر الناس أنّ موقف الإمام هذا منافٍ لهيئة الجماعة فهنا تصحّ الصلاة وتجزي، وأمّا المأموم فلا مانع من أن يكون موقفه أعلى من موقف الإمام كما نرى في بعض المساجد التي تشكّل من طوابق متعددة، لكن بشرط عدم وجود الحائل المانع من التواصل، كما لو كانت الطوابق العليا مطلّة بشكلٍ مباشر على الطابق الأدنى الذي يصلي فيه الإمام ويرى المأموم في الطوابق العليا المأمومين في الطوابق السفلى، لكن هنا يجب الإنتباه الى أنّ عدد الطوابق لا ينبغي أن يكون كثيراً كما في البنايات العالية جداً، بحيث قد لا يصدق عندئذٍ أنّ هؤلاء جميعاً يصلّون جماعةً واحدة، نعم إلى حدود ثلاثة طوابق أو أربعة ممّا لا مانع منه لصدق وحدة المكان عُرفاً في هذه الحالة .
الثالث : أن لا تكون المسافة بين الإمام والصّف الأول، ولا بين الصفوف المتأخّرة كبيرة كمترين أو أكثر، بل ينبغي أن تكون المسافة بحيث لو نظر شخصٌ إلى المصلّين مع إمامهم لقال بأنّهم يصلّون جماعة، لأنّ تباعد الصفوف كثيراً يلغي هيئة صلاة الجماعة ممّا يؤدّي إلى بطلانها كلّها، ولذا فالإحتياط يقتضي بأن تكون المسافة بين الصفوف وبين الصفّ الأول وإمام الجماعة بمقدار خطوة الإنسان العاديّة التي لا تزيد في أكثرها عن المتر الواحد، والأفضل من ذلك أن تكون المسافة الفاصلة بين كلّ صفٍ وآخر، بحيث عندما يسجد الصفّ المتقدّم يكون مسجد الصفّ المتأخر في محلّ وقوف الصفّ المتقدّم، وهذه الصورة من تقارب الصفوف هي التي تعطي الهيئة الشرعية المطلوبة من صلاة الجماعة .
الرابع : أن يكون موقف المأموم متأخراً عن موقف الإمام ولو قليلاً حتى يصدق عنوان "الإئتمام" وأنّ المتقدّم ولو قليلاً هو إمام الجماعة، وعلى ذلك فلو كان موقف المأموم متقدّماً على موقف الإمام أو مساوياً له من أيّة جهةٍ من الجهات كانت صلاة المتقدّم مشكلةٌ ولا يمكن الحكم بصحّتها وإجزائها، إذ لا معنى لصلاة الإنسان مأموماً إذا تقدّم على إمامه، لأنّ الإمام هو قائد الجماعة، والقائد يفترض فيه أن يكون متقدّماً ولا يكون مساوياً في موقفه أو متأخّراً عن المأمومين، نعم لو فرضنا أنّ الإمام كان قصير القامة وكان المأموم المتأخّر عنه طويلاً بحيث أنّه عند الركوع أو السجود يصبح المأموم متقدّماً فهذا لا يضرّ بصحّة صلاة المأموم طالما أنّه متأخر في أصل مكان وقوفه عن إمام الجماعة الذي هو شرط صحّة صلاة المأموم .
وأمّا أحكام صلاة الجماعة فهي على النحو الآتي :
أولاً : يتحمّل الإمام عن المأموم في صلاة الجماعة فقط قراءة سورة الفاتحة والسورة التي بعدها في كلتا الركعتين، وأمّا باقي أفعال الصلاة وأذكارها فالمأموم هو الذي يجب أن يفعلها أو يقولها بنفسه كما في أذكار الركوع والسجود والتسبيحات في الركعات ما بعد الثانية والتشّهد والتّسليم، هذا إذا كان المأموم قد إلتحق بالإمام منذ بداية الصلاة، أمّا لو فرضنا أنّ المأموم إلتحق في ركوع الركعة الثالثة، وسجد معه، ثمّ قام للركعة الرابعة مثلاً، فهنا لا تسقط القراءة عن المأمومون لأنّ وظيفة الإمام هي قراءة التسبيحات، بينما وظيفة المأموم قراءة الفاتحة والسورة بعدها لأنّه في الركعة الثانية، ففي مثل هذه الحالات يقوم كلٌّ من الإمام والمأموم بوظيفته، ولا تغني وظيفة الإمام في القراءة عن المأموم في الإختلاف بينهما كما ذكرنا في المثال، نعم لو فرضنا في المثال الذي قلناه أنّ المأموم لم يستطع أن يقرأ إلاّ الفاتحة ورأى أنّ الإمام قد ركع فيجوز للمأموم في هذه الحالة ترك قراءة السورة شرعاً لكي يدرك الإمام في الركوع وتكفيه قراءة الفاتحة، أمّا إذا لم يتمكّن من إدراكه إلاّ بترك جزءٍ من سورة الفاتحة فهنا يجب على المأموم الإنفراد بصلاته وإكمالها لوحده، لأنّ الفاتحة لا يجوز تركها أو ترك أيّة آيةٍ منها في هذا المقام، ولو تركها فصلاته تكون باطلة وعليه الإعادة.
ثانياً : يجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال، والمتابعة تعني أن لا يركع المأموم إلاّ بعد ركوع الإمام ولا يسجد إلاّ بعد سجوده، والمعنى هنا أن لا يسبق المأموم الإمام في أفعال الصلاة، فلو سبقه بطلت صلاته جماعة لأنّه لا يكون مأموماً في هذه الحالة، لأنّ المأموم هو التابع، والتابع يتبع حركة متبوعه ولا يتقدّم عليه، ولو فرضنا في هذا المجال أنّ المأموم توهّم لسببٍ أو لآخر أنّ الإمام قد قام من ركوعه أو سجوده فقام، ثمّ تبيّن له أنّ الإمام مازال راكعاً أو ساجداً فيجب عليه الركوع أو السجود ثانية ولو حصلت الزيادة بهذا الفصل إلاّ أنّ هذه الزيادة مُغتفرة هنا ولا تبطل صلاة المأموم بذلك، نعم لو لم يركع أو يسجد بعد أن قام يكمل صلاته بنيّة الإفراد لا بنيّة الجماعة .
وأمّا على مستوى الأقوال والأذكار فلا تجب المتابعة فيها، فيجوز للمأموم مثلاً الإنتهاء من ذكر الركوع والسجود أو التسبيحات قبل الإمام، إلاّ في خصوص تكبيرة الإحرام لأصل الدخول في الصلاة فلا يجوز للمأموم أن يكبّر قبل الإمام لأنّه بهذه الطريقة لا يتحقّق الإلتحاق بالجماعة .
هذه بنحو الإجمال شروط وأحكام صحّة صلاة الجماعة ولاباس بذكر بعض الإستفتاءات الموجّهة إلى سماحة الإمام الخامنئي"دام ظله" في هذا المجال .
س 575 : إذا قرأ المأموم الحمد والسورة في صلاتي الظهر والعصر حال أدائها جماعة، حيث أنّ المفروض سقوطهما عنه، لكنّه فعل ذلك لأجل الحفاظ على تركيز ذهنه وعدم شروده فما هو حكم صلاته ؟
الجواب : يجب على المأموم في الصلاة الإخفاتية ، كصلاتي الظهر والعصر السكوت حيث إشتغال الإمام بقراءة الحمد والسورة، ولا يجوز له القراءة حتى لو كانت لغرض الحفاظ على تركيز ذهنه .
س 580 : في صلاة الجماعة حينما يكون الإمام في الركعة الثالثة أو الرابعة من صلاة العشاء، والمأموم في الركعة الثانية، هل يجب على المأموم قراءة الحمد والسورة جهراً ؟
الجواب : يجب أن يقرأهما إخفاتاً .
س 585 : هل يصحّ لمن يريد أن يصلّي صلاة العشاء أن يقتدي بالجماعة التي تصلّي صلاة المغرب ؟
الجواب : لا مانع منه .
س 586 : عدم رعاية إرتفاع مكان صلاة الإمام بالنسبة الى المأمومين، هل هو مبطل لصلاتهم ؟
الجواب : إرتفاع موقف الإمام الزائد عن المقدار المعفوّ عنه بالنسبة لموقف المأمومين موجب لبطلان الجماعة .
س 605 : هل حثّ الشارع المقدس على مشاركة النساء في صلاة الجماعة في المساجد أو في صلاة الجمعة كما هو الحال بالنسبة للرجال، أو أنّ صلاة النساء أفضل في البيت ؟
الجواب : لا إشكال في مشاركتهنّ إذا أردن ذلك، ويترتّب عليه ثواب الجماعة.
س 608 : ما هي كيفيّة إتصال وعدم إتصال صفوف النساء والرجال في الجماعة في الصلاة مع عدم وجود الساتر والحائل ؟
الجواب : أن تقف النساء خلف الرجال من دون فاصل .