نظرة تقويم للعمل الوحدوي
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2268
ولا شكّ أنّ هذه الطريقة من التعامل مع هذه الذكرى لا يمكن إلاّ أن تثمر نتائج معاكسة تماماً لما هو المأمول منها، لأنّ هذه الطريقة تقوّي من المواقع المذهبية وتزيد من التوغّل فيها والإختباء خلفها خوفاً من التّهم التي قد يوجّهها الكثيرون من المتربّصين بالعاملين في سبيل هذا الواجب الكبير والخطير.
من هنا، فعندما نحمل شعاراً نريد أن نعمل له، علينا أولاً أن نؤمن به ونقتنع بأهميّته، حتّى يكون المدخل المناسب للدفاع عن الشعار وتحمّل النتائج مهما كانت بسبب قسوة الواقع الذي قد يرفض أحياناً، أو لا يتقبل بسهولة قول الداعين للشعار والمروجين له، خاصة إذا كان الواقع المضاد محكوماً لمجموعةٍ من العوامل التي تسعى لمنع هذا الشعار ودعاته من التأثير في الواقع القائم.
لذلك لا بدّ من الإنتقال من موقع التعاطف الإنفعالي الموقت مع الشعار إلى موقع التخطيط المبرمج والتنفيذ الدقيق للخطوات المحقّقة لأهداف الوحدة بالطريقة التي تتناسب مع قدرات ومواقع حاملي الشعار، وبملاحظة الواقع المذهبي القائم الذي تسعى القوى المعادية وعملاؤها لترسيخه بين أوساطنا.
ولا شكّ أنّ العاملين للوحدة والداعين إليها يدركون حجم المخاطر الكبيرة المحدّقة بالأمّة لكلّ مذاهبها وطوائفها، ويدركون بالتالي أنّ هذا التفرّق المذهبي تتّخذه الكثير من الأنظمة العميلة ستاراً لتمرير مؤامرات أسيادها المستكبرين الذين تتوافق مصالحهم في بلادنا مع الحالة الفعلية القائمة، ويدركون أيضاً حجم العقبات الكبيرة التي قد تقف مانعاً من الوصول إلى الهدف المبتغى، ويدركون أنّ هذه الموانع في حال الإستسلام أمامها سوف تصبح الدعوة إلى وحدة الأمّة مجرّد ذكرى عن محاولة من المحاولات الكثيرة عبر تاريخنا الطويل لتوحيد الأمّة، ويدركون أيضاً أنّ هذا التخلّي عن العمل للشعار سوف ينعكس سلباً على كلّ من يفكّر مستقبلاً بمثل هذا النوع من التفكير الإيجابي، حيث يرى أنّ الذين سبقوه لم يفلحوا في الوصول بالشعار إلى ما كانوا يأملون، ويدركون بالتالي أنّ التخلّي سوف يزيد من الهوّة الفاصلة ما بين أبناء الإسلام، ويقوّي من الحالة المذهبية والطائفية، مع ما في ذلك من إبقاء بذور الفتنة قائمة ليغذّيها أعداؤنا من المستكبرين وغيرهم عندما تكون الفتنة سبيلاً من سبل التعمية وإلقاء المسلمين في آتون الخلافات التي تصرف جهودهم عن الأعداء لسبب إذكاء نار العدوان بينهم.
إنّ مجموع تلك الإدراكات للنتائج السلبية المترتّبة على عدم العمل للشعار بقوّة وفعالية ومن ضمن خطط مبرمجة وواعية يحمّلنا مسؤولية كبيرة، ويجعلنا في مواجهة تكليفنا الذي ينبغي أن نحمله ونعمل له بصدقٍ وإخلاص.
بعد هذا، يمكننا أن ندخل إلى إعطاء نموذج عن أسلوب من أساليب العمل الوحدوي الذي يمكن إذا سعينا إلى ترسيخه أن نخترق الحاجز المذهبي ولو في ظلّ الأجواء المضادّة العاملة على الحفاظ لمنع مثل هذا الإختراق، ويمكن أن يشكّل هذا الأسلوب البداية لتحقيق اختراقاتٍ أخرى في الحاجز المذهبي.
إنّ الأسلوب المشار إليه، بالإجمال هو "إحياء المناسبات المذهبية واعتبارها مناسبات إسلامية عامّة، إذا كانت تحمل القابلية لأن تكون كذلك"، ولا شكّ أنّ هذه المناسبات كثيرة في تاريخنا الإسلامي القديم والحديث.
ثمّ إنّ حالة الحذر والخوف المتبادل التي يعيشها العاملون تحت شعار الوحدة ليس لمصلحة المسلمين، لأنّ المستفيد من هذه الحالة هم أعداؤنا، وبسبب هذه الحالة أيضاً تحوّل تعاملنا مع شعار الوحدة إلى نوعٍِ من الإحتفال الطقسي الذي لا يقدّم ولا يؤخّر، إن لم يكن من السلبيات على مستوى الشعار والمرحلة.
ولسنا بصدد الإدّعاء هنا أنّ العاملين للوحدة إذا رفعوا العوائق الموهومة أو الواقعية من أنفسهم سوف تفتح أمامهم الآفاق للعمل الوحدوي، وإنّما رفعها يمكن أن يشكّل بداية لتكوين عامل الثقة بين العاملين أنفسهم، وهذه الثقة المتبادلة هي التي يمكن أن تكون البداية لتحقيق التفاعل في أساليب العمل للوحدة ومن بينها الأسلوب الذي أشرنا إليه نظراً لما يحقّقه من إيجابيات لكونه أسلوباً جامعاً وجاذباً للجماهير المسلمة.
إنّ ما يدفعنا للحديث بهذه الطريقة هو الخوف على هذا الشعار من السقوط، لأنّ السقوط في هذه المرحلة هو كارثة محقّقة بحقّ الأمّة كلّها، ويتحمّل جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية كلّ الذين رفعوا شعار الوحدة ولم يوفوه حقّه من الرعاية والإهتمام، وتعاملوا معه بطريقةٍ عفوية إنفعالية وسطحية، ولم يعملوا على تحويله إلى شعار إستراتيجي لمصلحة الأمّة كلّها.
والحمد لله ربّ العالمين