طاعة أولي الأمر في الإسلام 7
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1806
فمختصر الكلام أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان مريداً للحرب ساعياً في تجهيز الجيش وتعبئة الناس لقتال معاوية الذي تصوّر أنّه بتخلّصه من أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حقّق هدفه بالوصول إلى الخلافة زوراً وكذباً، لكنّ أوضاع الخيانة التي حصلت وشراء قادة الجيش وأشراف قبائل أهل الكوفة جعلت كفة الريح فيما لو حصلت الحرب إلى جانب معاوية.
وهناك نص صريح يؤكّد إرادة الإمام الحسن (عليه السلام) لقتال معاوية وهو: (أيّها الناس: إنّكم لستم نائلين ما تحبون إلّا بالصبر على ما تكرهون، وقد بلغني أنّ معاوية كان قد بلغه أنَّا قد أزمعنا على المسير إليه فتحرك نحونا بجنده، فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظرون ونرى وترون).
والذي نريد الوصول إليه من خلال هذه النصوص هو أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان خياره الأساس في مواجهة نفاق معاوية وأساليبه الملتوية هو "الحرب" لا غير، وكان على أتمّ الاستعداد لخوض غمارها للوصول إلى التخلّص من جرثومة الفساد "معاوية"، وما يؤكّد إرادة الحرب هي المناوشات التمهيدية التي حصلت بين الفرقة الكبيرة من جيش الإمام بقيادة عبيد الله بن العباس وبين جيش معاوية قبل إغرائه بالمال وإخراجه من المعركة بهذا الأسلوب الوضيع والدنيء.
بعد هذا كلّه اطمأنّ معاوية إلى نتائج الحرب لو حصلت وأنّها ستكون لصالحه، وأنّ طريق استلامه للحكم والخلافة قد صارت ممهدة أمامه، إلّا أنّه مع ذلك عمل على حشر الإمام الحسن (عليه السلام) في خيارٍ آخر وهو "الوصول إلى السلطة من دون قتال" لاعتباراتٍ عديدة أهمها أنّ معاوية وإن كان قد اطمأنّ إلى أنّ الحرب لو وقعت ستكون لصالحه، إلّا أنّ استلامه للخلافة من دون حرب هو أفضل له، لأنّ الحرب في حال الشروع فيها قد لا يضمن معاوية النتائج لسببٍ أو لآخر، مضافاً إلى المقام السامي والرفيع للإمام الحسن (عليه السلام) وأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) عند الأمة الإسلامية ممّا يؤدي إلى أن يكون مقتلهما أو غير ذلك من الخيارات السيئة الحاصلة لهما مثار اشمئزاز عند الأمة وسخطٍ واستنكارٍ قد يدفع بالكثير من أوساط المسلمين إلى طلب الثأر لدمائهما، وهذا يعني عدم اطمئنان معاوية إلى قوة حكمه ومتانة سلطانه.
لهذا صار معاوية يدفع بخيار الصلح إلى الواجهة من خلال ترويجه له حقناً لدماء المسلمين وتوفيراً لإمكاناتهم وأماناً لحياتهم، وهذا الأسلوب شبيه بما سلكه معاوية أثناء حربه للأمير (عليه السلام) حتى اضطره إلى قبول التحكيم كارهاً له ومضطراً إلى قبوله.
ولعلّ الهدف الأساس لمعاوية من طرح خيار الصلح كان لإيجاد المبرّر أمام الأمة فيما لو رفض الحسن (عليه السلام) الصلح وأصرّ على خيار الحرب، فحينها يتمكن معاوية من تبرير قتله للإمام بأنّه هو الذي رفض الصلح واختار الحرب وقتله كان نتيجة خياراته هو وليس لمعاوية دخل في ذلك، أو أنّ معاوية معذور في سفك دمه.
وقد روّج معاوية للصلح عبر طرحه بأنّه حاضر لكي يوافق على أيّ شيءٍ يريده الإمام الحسن (عليه السلام) من شروط واقتراحات، ولهذا عندما تجمّعت كلّ هذه الظروف السلبية أمامه، لم يجد الإمام (عليه السلام) مفرّاً من الالتجاء إلى هذا الخيار الذي كان عليه أمرّ من طعم العلقم، لكنّه كان الخيار الوحيد، بعد أن تبيّن بوضوح أنّ الخيانة لعبت الدور الخطير في تفكيك الجيش وانحياز أكثره إلى معاوية وأنّ الحرب ستكون كارثة وخسارة على كلّ المستويات.
أمّا النتيجة التي ترتّبت على انتهاء الصراع بين الطرفين بهذه الطريقة فهي تنازل الإمام الحسن (عليه السلام) عن الخلافة لمعاوية، وإجراء ما سُمِّي تاريخياً بـ"صلح الإمام الحسن (عليه السلام)، وهو ما سوف نتناوله بالعرض والتحليل في المقالة الآتية.
والحمد لله ربّ العالمين .