الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

اغتصاب القدس تحدٍ دائم للمسلمين

sample imgage

"القدس" تلك البقعة المباركة من الأرض العابقة بالأجواء الإيمانية والروحية التي تتسلّل إلى نفس المسلم وقلبه وروحه من خلال قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}.

فالقدس مهد الأنبياء، وموطن الرسالات السماوية، وأرض الطهر والقداسة، وقبلة المسلمين الأولى، ومعراج خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماوات العلى، ولذلك كلّه تثير تلك المدينة في النفس مشاعر الأسى والحزن والأسف كونها صارت مدينة مغتصبة من جانب شُذّاذ الآفاق "الصهاينة" الذين اجتمعوا في أرض فلسطين من كلّ بقاع العالم ليستوطنوا فيها ويطردوا منها أهلها الفلسطينيين الذين صاروا مشرّدين في كلّ أرجاء الأرض.

 

إنّ احتلال القدس من جانب الكيان الغاصب هو تحدٍّ سافرٍ وفاضحٍ جداً للمسلمين، وعلى كلّ أبناء الأمّة الإسلامية أن يسعوا لتحريرها لكلّ ما ترمز إليه ممّا ذكرناه من مقامٍ عالٍ ومكانةٍ مميزة في عقيدتنا الإسلامية وفي قلوب المسلمين.

فمن منّا لا يحلم بأن يزور القدس ومسجدها الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكلّ الأماكن الأخرى التي لها قدسية خاصة عند كلّ مسلمٍ ليسترجع الذكريات التي تعيده إلى زمن الأنبياء الذين مشوا على أرضٍ قدّسها الله وأنبياؤه؟

فاحتلال القدس هو الغصّة الدائمة في نفس كلّ مسلم، والكلّ يتمنّى تحريرها اليوم قبل الغد، لأنّه طالما أنّ القدس محتلّة فالأمّة غير متوازنة وغير قوية وغير موحّدة، واحتلالها يعني أنّ المشروع الصهيوني لا زال قوياً وفاعلاً ومؤثّراً في الأمّة الإسلامية تدميراً وتمزيقاً وتشتيتاً، وبتحالف المشروع الصهيوني مع الإستكبار العالمي بقيادة أمريكا تزداد العوامل السلبية تأثيراً خطيراً في حياة الأمّة الإسلامية كما نرى ذلك جلياً في زماننا الحاضر.

من هنا ينبغي على الأمّة الإسلامية قيادةً وشعوباً وحركات ومنظمات وأحزاب أن تعمل على تحرير القدس بأيّة وسيلةٍ من الوسائل، لأنّ تحريرها هو بداية إعادة القوة والمنعة والعزّة والكرامة لهذه الأمّة المسلوبة الإرادة والقرار والمنهوبة ثرواتها وخيراتها، والممنوعة من التقدّم والإزدهار لتلحق بالأمم القوية التي لها مكانتها ودورها في العالم اليوم.

من كلّ ما سبق، ونظراً لأهمية قضية القدس عند المسلمين أعلن الإمام الخميني "قده" يوم الجمعة الأخير من كلّ شهر رمضان أنّه "يومٌ للقدس "، وقال أيضاً بأنّ: (يوم القدس ليس يوماً لفلطسين فقط، بل هو للعرب والمسلمين جميعاً)، وهذا القول يؤكّد بأنّ قضية القدس هي القضية المركزية التي لا تختلف عليها الأمّة الإسلامية قاطبةً، ولو كانت مختلفة في قضايا أقل شأناً وخطراً على الأمة كلّها.

وقد كان للإمام الخميني دورٌ مميز في التحذير من مخاطر احتلال فلسطين والقدس من جانب الكيان الغاصب ومن كلماته في هذا المجال نذكر ما يلي:

1- ( إنّ جرثومة الفساد "إسرائيل" لن تكتفي بالقدس ولو أعطيت مهلة فإنّ جميع الدول الإسلامية ستكون معرّضة للخطر).

2- (وقفت إسرائيل أمام مليار مسلم وهاجمت وارتكبت الجرائم التي ليس لها نظير في التاريخ، ومع هذا فإنّنا نرى الدول المسلمة تسعى إلى الإعتراف بإسرائيل، ونحن نقول أنّ إسرائيل يجب أن تُمحى من الوجود، فبيت المقدس للمسلمين وهو قبلتهم الأولى).

3- (لقد حذّرت مراراً من خطر إسرائيل وعملائها، ولن ترى الأمّة الإسلامية السعادة إلاّ بعد أن تقتلع جرثومة الفساد هذه من أصلها... على الأمّة الإسلامية بحكم واجبها الإنساني والأخوي وطبق الموازين العقلية والإسلامية أن لا تتأخر في اقتلاع هذا الوكيل للإستعمار، وفي مساعدة إخوانهم المرابطين في جبهة الحرب مع إسرائيل بالمساعدات المادية والمعنوية وبإرسال الدم والدواء والأسلحة والتموين).

 

كما أنّ الإمام الخامنئي "دام ظله" من موقعه اليوم كوليٍّ لأمر المسلمين يحذو حذو الإمام الخميني في التحذير من خطر الكيان الغاصب ويقول في هذا المجال:

1- (... ولهذا فلا يُستبعد، بل من المحتوم أنّ فلسطين ستعود وللشعب الفلسطيني وسيقع هذا الأمر بإذن الله، ومعنى هذا أنّ القضية الفلسطينية لم يُغلق ملفّها، والتصوّر بأنّها انتهت وخُتمت تصوّرٌ خاطئ).

2- (أجل، إنّ قضية فلسطين تمثّل أولاً قضية العالم الإسلامي، وفضلاً عمّا فيها من جوانب أمنية وسياسية واقتصادية، فهي قضية تكليف إسلامي، والأهم من ذلك هو أنّها قضية إلهية).

3- (إنّ هدف إسرائيل هو التوسّع، ولا تقنع بأرض فلسطين وحدها، فهم في بداية الأمر كانوا يريدون الحصول على شبرٍ واحد، ثمّ احتلوا نصف فلسطين، ثمّ احتلوا فلسطين كلّها، ثمّ اعتدوا على الدول المجاورة لفلسطين- كالأردن وسوريا ومصر- واحتلّوا مساحات من أراضيها، والهدف الأساسي للصهيونية هو إنشاء "إسرائيل الكبرى").

 

من فحوى كلمات الإمام الخميني "قده" والقائد الإمام الخامنئي "دام ظله" يبدو أنّ المسلمين لن يسكتوا عن هذا التحدّي الكبير الذي أوجدته الصهيونية في قلب عالمنا الإسلامي، ويمكننا أن نقول إنّ الردّ على ذلك التحدّي شديد أو يظهر في جملةٍ من الأمور التي تحقّقت حتّى الآن، وعلى أمل تحقيق المزيد من الخطوات في الحاضر والمستقبل القريب إن شاء الله تعالى، وما تحقّق حتّى الآن هو:

1- انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث اعتبرت إسرائيل بكلّ قياداتها السياسية والعسكرية والأمنية أنّ هذه الثورة هي بداية النهاية لدولة إسرائيل وزوال الصهيونية.

2- انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان عام ألفين وكذلك عام ألفين وستة والذي كان انتصاراً إلهياً بكلّ المقاييس قد دمّر سمعة الكيان الصهيوني وجيشه الذي لا يُهزم، وهذا الإنتصار صار محلّ الأمل للمسلمين جميعاً بأنّ هذا الكيان الغاصب قابل للهزيمة، بل قابل للزوال أيضاً فيما لو توافرت العناصر الإيجابية المحقّقة لذلك الأمر الذي يحلم به.

3- الإنتفاضة المباركة في فلسطين سواء الأولى في آواخر الثمانينات، أو الثانية التي انطلقت عام ألفين، تلك الإنتفاضة التي أحدثت زلزالاً في الكيان الغاصب لأنّها تشكّل شوكةً في خاصرته، ولأنّها أربكته في داخل الكيان المغصوب، وأخذت من وقته الكثير للردّ على الإنتفاضة التي لم يستطع إنهاءها حتّى الآن، بل نرى أنّها اليوم أقوى من أيّ يومٍ مضى، وخصوصاً أنّ قيادة هذه الإنتفاضة هي قيادة إسلامية لا تساوم ولا تهادن على الحق الإسلامي في تحرير فلسطين.

4- الصحوة الإسلامية في عموم العالمين العربي والإسلامي التي تنمو وتتّسع يوماً بعد يوم، وهذه الصحوة المباركة، وإن كانت تحتاج إلى الوقت والجهد لتنظيمها من النواحي الفكرية والسياسية والجهادية وتحديد الأعداء، إلاّ أنّ هذه الصحوة تشكّل عاملاً مساعداً للوصول إلى الهدف، لأنّه كلّما زاد اهتمام المسلمين بإسلامهم والإنطلاق منه كقاعدةٍ للحياة، فإنّ ذلك سوف يجعل المسلم يشعر بالمسؤولية المُلقاة على عاتقه تجاه قضايا العالم الإسلامي وعلى رأسها قضية احتلال القدس وفلسطين.

 

وبنظرة تأمّل في ما تحقّق من خطواتٍ نرى أنّها تتناسب مع الدلالات التي يرمز إليها يوم القدس العالمي وهي التالية:

1- تذكير المسلمين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم ولغاتهم أنّ القدس هي قضيتهم، وأنّهم لا يمكن أن يعيشوا اللامبالاة وعدم الإهتمام بقضيةٍ خطيرة مثل قضية قبلة المسلمين الأولى.

2- تحذير الأمّة الإسلامية من خطر الكيان الغاصب، لأنّ إسرائيل ككيان هي ثمرة التعاون الإجرامي بين الحركة الصهيونية وقوى الإستكبار العالمي، وأنّ خطرها لا يقتصر على فلسطين، وإنّما يتعدّاها إلى كلّ أرجاء العالم العربي والإسلامي، وأنّ مجرّد وجود هذا الكيان هو خطرٌ مستمر لا يمكن السكوت عنه، ولا بدّ من مواجهته لأنّه تحدٍ للأمّة كلّها في الحاضر والمستقبل، كما كان منذ نشأته المشؤومة عام ثمانية وأربعين.

3- اليأس من خطاب الأنظمة العربية والإسلامية، وذلك لأنّ أغلبية هذه الأنظمة واقعة تحت تأثير القوى الإستكبارية ولا تخرج عن إرادتها وقراراتها ولو على حساب الشعوب العربية والإسلامية، ولذا لا بدّ من توجيه الخطاب للشعوب التي تختلف في نظرتها إلى الأمور عن الأنظمة، لأنّ الشعوب ليست مقيّدة اليدين ومكبّلة، وهذا بالفعل ما حصل مع الشعب الإيراني الذي استطاع أن يقتلع النظام الذي كان خاضعاً للإرادة الأمريكية وأن يقيم على أنقاضه دولةً إسلامية لا تعترف بإسرائيل وتدعو لإزالتها من الوجود، وتتحوّل مع الوقت إلى دولةٍ قوية ومنيعة ومهابة الجانب، وهذا ما يُزعج إسرائيل وأمريكا وكلّ الدول القوية المساندة لإسرائيل في العالم التي تدعو اليوم إلى إيقاف نمو القدرات العسكرية والفكرة والعلمية لدولة إيران الإسلام، وما حصل في لبنان هو نموذجٌ آخر عن قدرات الأمّة الإسلامية حيث استطاعت المقاومة الإسلامية في لبنان إجبار الكيان الغاصب على الإنسحاب من الأرض التي احتلّها عام اثنين وثمانين من لبنان، وأن تنتصر هذه المقاومة انتصاراً عظيماً في عدوان تموز من العام ألفين وستة، ذلك الإنتصار الذي أذهل العالم وجعله يقف حائراً أمام ظاهرة المقاومة الإسلامية في لبنان وشعبها المجاهد المضحّي، ولا يفوتنا أن نذكر انتصار الإنتفاضة في فلسطين على كلّ محاولات تدميرها وإسقاطها، وها هي اليوم تقف قوية في مواجهة إسرائيل بكلّ غطرستها وهمجيّتها وعربدتها، وقد أعطت تلك الإنتفاضة الأمل للشعب الفلسطيني في تحرير القدس وفلسطين، وهكذا يمكننا أن نقول بأنّه كلّما ازدادت قوة الشعوب العربية والإسلامية وتمرّدت على إرادة حكّامها، كلّما صار وقت التحرير أقرب منالاً وأسرع وصولاً.

والخلاصة فإنّ الصراع مع الكيان الغاصب لم ولن يتوقف حتّى يتحقّق الوعد الإلهي بدخول المسلمين المسجد الأقصى وإخراج اليهود الغاصبين منه، لتعود فلسطين إسلامية الأرض والشعب والتاريخ، ولتعود البسمة إلى شفاه كلّ المسلمين المشتاقين لتحرير قبلتهم الأولى من رجس الإحتلال البغيض، وذلك اليوم لم يعد بعيداً بإذن الله بعد الصحوة الإسلامية العالمية التي بدأت بتحقيق إنجازاتٍ على مستوى الأمّة، وصولاً إلى تحقيق الأهداف الكبرى ومنها وعلى رأسها تحرير فلسطين والقدس من سيطرة أعداء الله والإسلام والإنسانية وكلّ القيم والمبادئ الإلهية.