قيمة العمل والعمّال عند الإمام "قده"
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1353
إنّ هذه النظرة المميزة إلى دور العمّال والعمل لا شكّ أنّها نابعة من صميم العقيدة الإسلامية التي تجعل من الحياة الدنيا ميداناً رحباً للعمل والسعي والكدح، فالله عزّ وجلّ يقول: { يا أيّها الإنسان إنّك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه}، وكذلك: { اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، وكذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية أنّه أمسك بيد عامل وقال: ( هذه يد يحبّها الله) وفي روايةٍ أخرى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (قبَّلها).
فما نستوحيه من جو الآيات التي أطلقت كلمة "العمل" ولم تقيّد موردها في مجالاتٍ معيّنة، تشير بوضوحٍ إلى أنّ العمّال وهم الطبقة التي من خلال عملها الذي يزوّد المجتمعات باحتياجاتها المتنوعة والمختلفة تدخل ضمن نطاق دلالة الآيات، لأنّ أعمال هؤلاء لا تقلّ أجراً وثواباً ومقاماً عند الله عندما تكون منطلقة من عمق الدوافع الإيمانية والعقائدية لتحقيق الأهداف على المستوى الإنساني والإجتماعي للأمّة الإسلامية.
ولهذا نجد أنّ الإمام "قده" يحدّد للعمّال جميعاً وفي مختلف مجالاتهم هدفاً محدّداً هو "تحقيق الإكتفاء الذاتي" ويطلب من جميع أصناف العمّال الإستمرار والمثابرة في مواقفهم الجهادية هذه ليتوصّلوا إلى ذلك الهدف ويقول "قده": ( على المزارعين أن يستمرّوا في زراعتهم، ويجب أن يكون قسم الزراعة في هذه الفترة من الزمن متعلّقاً بالأمور التي تشكّل غذاء شعبنا مثل القمح والأرز والعدس وأمثال ذلك).
ويعتبر أنّ الإستمرار في الثورة التي انتصرت لا يمكن بدون قيام كلّ الشعب بفئاته المختلفة بواجباته تجاه الثورة من خلال العمل والسعي ويقول :( إذا أراد شعبنا الشريف أن ينتصر في هذه الثورة فعليه أن يشمّر عن ساعده ويبادر إلى العمل من داخل الجامعات إلى الأسواق والمعامل والمزارع والحقول حتّى الوصول إلى الإكتفاء الذاتي والوقوف على قدميه).
ويعتبر الإمام "قده" أنّ تقصير العمّال في أداء واجباتهم تجاه شعبهم وأمّتهم له مردّه السلبي وسوف يعود على الجميع من خلال الإرتهان والتبعية للقوى الكبرى الشيطانية التي لا تعطي مصالح الشعوب الفقيرة أهمية بل لا تقيم لها وزناً، بينما نهوض هذه الطبقة وقيامها بوظائفها يجعل طريق التحرّر من التبعية قصيرة، ومن هنا يقول الإمام "قده" :( إنّ تخليد ذكرى يوم العمال – العمود الفقري للإستقلال وملحمة تقرير المصير والتحرّر من الإنتماء والتبعية – هو وظيفة وطنية وإسلامية وجماعية، لقد أثبتت طبقة العمّال الشريفة في هذه المدّة القصيرة وخصوصاً بعد اعتداء عملاء الأجانب على تراب الوطن العزيز أنّها قادرة وبعونه تعالى وبسعيها وجهدها ليلاً نهاراً على أن تنقذ وطنها العزيز من التبعية وأن توجّه ضربة للثرثارين ومثيري الشائعات التابعين للأجانب، وأن تسحق الحثالات العميلة والمرتبطة في الداخل...).
من هنا رأينا كيف أنّ هذه الدعوات المنطلقة من الإمام "قده" إلى هذه الفئة المتميّزة بنظره، قد أعطت ثماراً نافعة وكبيرة لمسيرة الشعب المسلم في إيران الذي أراد له الإستكبار العالمي بزعامة أمريكا الإذلال من خلال إيقاف المصانع والمعامل وآلة الإنتاج الضخمة التي استوردها الشاه ثمّ سلَّط العمالة الأجنبية عليها ورحلت بعد انتصار الثورة الإسلامية ليتحوّل كلّ ذلك إلى مجرّد كومةٍ من حديد صدأ لا فائدة منه، ثمّ تحوّلت إلى سلاحٍ بيد الشعب فتحرّكت عجلة الإنتاج من جديد بهمّة ونشاط هؤلاء العمّال المسلمين من أبناء الثورة وأتباع الإمام "قده" الذي عرف كيف يزرع الثقة والقوّة في نفوس أبناء تلك الطبقة التي كانت مهدورة الحقوق والكرامة في زمن ما قبل الثورة، فإذا بها تتحوّل إلى الطبقة الأكثر أهمية وقدسية من خلال طبيعة المهام الموكولة إليها.
والحمد لله ربّ العالمين.