الطبقات المرفّهة الحاكمة
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1921
ويعتبر الإمام "قده" أنّ الجنوح نحو الدنيا والتكالب عليها والطمع فيها هو من الأسباب الرئيسة في ذلك ويقول :( في اليوم الذي توجد فيه زخرفات الدنيا ويجد الشيطان له طريقاً فيما بيننا ويصبح هو مرشدنا، فإنّ الإستكبار سوف يستطيع أن يؤثّر فينا حينئذٍ ويجرّ وطننا دائماً وبواسطة سكان القصور هؤلاء يُجرُّ إلى الفناء، إنّ سلاطين الجور هؤلاء كلّهم كانوا تقريباً من سكان القصور، وهؤلاء لا يستطيعون أن يفكّروا بالناس، ولا يستطيعون أن يحسّوا ما هو الفقر، وماذا يعني أن يكون الإنسان بلا مأوى، إنّهم أصلاً لا يستطيعون أن يدركوا هذا الإحساس، وعندما لا يحسّ الإنسان بمعنى الفقر ومعنى الجوع فإنّه لا يستطيع أن يفكر بالجياع والبؤساء).
إنّ هذا النص عن الإمام الخميني "قده" ينطق بمصداقية كبيرة على الحكومة اللبنانية في قراراتها الأخيرة التي يمكن اعتبار نتائجها أشبه بالكارثة – إن لم تكن كارثة حقيقية – على مستوى الطبقات المستضعفة والفقيرة والمحرومة من أبسط مقوّمات العيش الكريم، التي لم تعد قادرة على دفع الضرائب الباهظة التي تستنفد كلّ مداخيلها فضلاً عن بعض المدَّخرات إن كانت موجودة تحسّباً للطوارئ المتعدّدة التي تحصل عادة في حياة الناس.
والذي يدفع بالطبقات المرفّهة الحاكمة إلى إصدار مثل تلك القرارات الجائرة هو الإستهتار والإستهانة وعدم اعتبار قيمة الإنسان عندما لا يملك المال والقوّة والسلطة فتستقوي الطبقة الحاكمة بما تحث يدها من وسائل السيطرة وتمارس هوايتها في تعذيب الناس والتضييق عليها في عيشها وراحتها ويقول "قده" :( والذين يتصوّرون أنّ الرأسماليين والمرفّهين واللامبالين يتنبهون بالنصيحة والحكمة وينضمون إليهم ويساعدونهم فإنّهم كمن يدقّ ماءً في هاون...).
أليس هذا هو حال حكومتنا في لبنان التي صمَّت آذانها وسدَّتها وكأنّها لم تسمع كلّ تلك الإعتراضات على قراراتها المتعسّفة غير المبالية بحقوق الفقراء والطبقات العادية من أبناء هذا الشعب الذين اكتووا وما زالوا يكتوون بنار القرارات الهمايونية للحكومة الساكنة في أبراجها العاجية، أو كأنّها حكومة تسكن في السماء وليست مرتبطة بشعبٍ أو مسؤولة عن إدارة أمور دولة ومجتمع وكيان؟
بل يعتبر الإمام "قده" أنّ مثل هذه الطبقات عندما تحكم فإنّها لا تقيم وزناً للجهاد والثورة ضدّ أعدائها، بل ترضخ لهم وتستسلم لأنّ إرادة نعيم الدنيا والسعي وراء مفاتنها ومباهجها يمنعها من سلوك سبيل الجهاد لما فيه من التعب والبذل في التوجّه المخالف لنفسياتهم المريضة الساقطة أمام الدنيا واللاهتة وراء منافعها ويقول: ( إنّ موضوعي الكفاح والرأسمالية، والثورة وطلب الراحة، وإرادة الدنيا والتفتيش عن الآخرة مقولتان لا تجتمعان أبداً...).
ثمّ يبيّن الإمام "قده" أنّ هؤلاء المستضعفين وأبناء الطبقات المحرومة هم الأوفياء والمخلصون الذين يقفون مع من يساعدهم ويدافع عنهم في مواجهة الطبقات الحاكمة والمستغلّة باعتبار أنّهم الضحية المباشرة لكلّ ما يتنعّم به أبناء الطبقات المرفّهة والمسيطرة على المال والسياسة والإقتصاد والإدارة في الدول التي لا تقيم أنظمتها على أسس العدالة الإنسانية والإجتماعية، أو تراعي تلك الأسس نصوصاً ولكنّها لا تطبّقها عملاً وقرارات.
من هنا يعتبر الإمام "قده" أنّ تخليص المجتمعات من مفاسد هذه الطبقات مطلوب إذا كان المراد هو حفظ حياة الناس من الإنحراف والفساد بأنواعه، لأنّ مثل هذه الطبقات هي مصدر كبير ومهم للمفاسد الأخلاقية، خاصة إذا كان النظام عندنا وفي الكثير من دول العالم ويقول "قده": ( إنّ أخلاق الساقطين وملكية الجنائن ومسكن القصور يبعث على الإنحطاط الخلقي، ويجب أن نجهد في تخليص الأمّة من أخلاق أصحاب القصور).
ولا شكّ أنّ الحكومة الحريرية سواء الأولى أو الثانية هي مصدر للكثير من هذه المفاسد التي بدأنا نسمعها في أحيائنا وأوساطنا نتيجة الإفقار المتعمّد الذي تمارسه هذه الحكومة عبر قراراتها وعملها الذي يعطي القيمة للحجر أكثر ما يعطي قيمة للبشر.
لهذا يعتبر الإمام "قده" أنّ الذين يستطيعون أن يشعروا مع الفقراء ويتحسّسوا مشاكلهم هم الذين عاشوا مع الفقراء وتربّوا وكبروا معهم وبينهم ويقول "قده": (.. ولكن الذين تربّوا وكبروا في هذا المجتمع وأدركوا وأحسّوا ما هو الفقر، ورأوا وذاقوا الفقر، وكانوا يلمسون ما هو الفقر، هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يهتمّوا بحال الفقراء).
وهذا المعنى من الإحساس بالمسؤولية تجاه الفقراء والمستضعفين متحقّق في الدولة الإسلامية كما يقول الإمام "قده" :(... يجب أن نسعى إلى أن تبقى الوضعية "الإهتمام بالفقراء" محفوظة بيننا، في مجلسنا، في مؤسساتنا الحكومية، عند مجاهدينا، في جيوشنا والقوّات المسلحة، يجب أن تبقى هذه الروحية في قوانا القضائية، يجب أن يبقى التوجّه إلى الله محفوظاً...).