الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

عاقبة ترك الجهاد

sample imgage

قال الله تعالى في مُحكم كتابه :{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتّى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.

تتحدّث هذه الآية الكريمة عن نوعٍ من التهديد للذين لا يلتزمون بالجهاد والقتال في سبيل الله عندما تدعوا الحاجة إلى ذلك، وتبيّن الآية أنّ سبب هذا التّهديد هو حبّ الناس للدنيا، ذلك الحبّ المنقسم وفق الآية إلى قسمين هما :– الأول- الأصول التي يتعلّق بها الحبّ النفساني وهي الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة، وهم الذين يتصلون بصلة القرابة النسبيّة أو السببية،- الثاني- الأصول التي تتعلّق بها حياة الناس وهي الأموال والتّجارات والمساكن وغير ذلك من تباع الدنيا الفانية.

 

فالآية تعتبر أنّ هذا الحبّ الدنيوي بقسميه هو الذي يدفع بالناس إلى التّكاسل والتّقاعس وعدم القيام بالواجب لدفع العدوان أو لدرء الخطر أو لرفع الفتنة أو لغير ذلك من الأسباب الموجبة للجهاد.

والسؤال المهم الذي يتبادر إلى الذهن هو التالي: (هل أنّ الذين يتقاعسون عن الجهاد يحصلون على ما يأملون من النجاة والحفاظ على نعيم الدنيا؟).

هنا نرى أنّ عدم التزام بواجب الجهاد لن يجعلهم بمنأى عن العواقب المترتبة على عدم الإنصياع للأمر الإلهي، ولهذا تحمل الآية تهديداً واضحاً يدلّ على أحد معنيين كما قال المفسرون وهما – ا لأول- أن يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخشون في ذلك لومة لائم، وهذا المعنى هو المصطلح عليه بالإستبدال،- الثاني- هو أن يلحق العذاب الدنيوي ثمّ الأخروي بالذين لا يقومون بواجبهم الجهادي عند تحقّق ظرفه وموضوعه، وفي القول بذلك أمر الله ورسوله ويعرضون عنه طمعاً في الدنيا ومتاعها وخوفاً من الموت.

وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات المعبّرة عن الآثار السلبيّة لترك الجهاد والتي لا تبتعد في مضمونها عن التّهديد الوارد في الآية المتصدّرة هنا، فمنها قوله تعالى: {إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً والله على كلّ شيءٍ قدير}،وكذلك قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}.

فالمفهوم إذن من مجموع دلالة هذه الآيات أنّ ترك الجهاد ممّا لا يمكن أن يكون مورد القبول عند الله بأيّ نحوٍ من الأنحاء، خاصّة إذا كانت العقيدة في خطر والأمّة في معرض انتهاك الكرامة وامتهانها على يد الأعداء، ويمكن تلخيص الآثار السلبيّة لترك الجهاد فيما يلي:

1- تسليط أعداء الله والإنسانيّة على الأمّة المسلمة، مع أنّ هذه الأمّة كما يعبّر عنها القرآن بأنّها خير أمّة بين الأمم لالتزامها أحكام الله وشرائعه.

2- إستغلال خيرات الأمّة ومواردها لصالح الأعداء والنّفعيين.

3- فقد الحرية والكرامة واستقلاليّة القرار.

4- إماتة الدين وشرائعه، وإحياء البدع والسنن المنكرة.

5- جعل كلمة الله هي السفلى، وكلمة الذين كفروا هي العليا.

 

لهذا نجد أنّ الأمّة الإسلاميّة لم تصل إلى هذا المستوى من الإرتماء والرضوخ لإرادة القوى المستكبرة إلاّ بعد أن تركت الجهاد في سبيل الله والدين والعقيدة، فصارت لقمةً سائغةً بيد الأعداء، وغدت ذليلةً مقهورةً لا يحسب حسابها بين أمم العالم، مع أنّها كانت قائدة العالم الإنساني كلّه عندما حافظت على فريضة الجهاد والتزمت به كسلاحٍ أقوى عندما كان يداهمها الخطر من الأعداء، وفرضت وجودها كأمّةٍ لا يستطيع العالم أن يتنكّر لوجودها أو لدورها الفاعل والمهم في تقرير مصير العالم يومها.

من هذا كلّه، نرى أنّ حاضر العالم الإسلامي الذي يعيش الضعف والتفتّت والإنسحاق أمام إرادة القوى المستكبرة لا يمكن أن يطرأ عليه التّغيير أو التّبديل نحو الأفضل والأحسن إلاّ عبر تغيير المسار عند هذه الأمّة، وعلى رأس القضايا المرشّحة للتغيير يبنغي أن تكون قضيّة الجهاد، لأنّها الكفيلة بزرع بذور القوّة والأمل عند الأمّة من جديد، وموسم عاشوراء هو خير معينٍ من أجل تركيز هذا المنحى التغييري، لأنّها كانت تشكّل على الدوام خير مثالٍ على أهميّة فعل الجهاد في المحافظة على الإسلام وقيمه وما يرمز إليه.

والحمد لله رب العالمين