ثورة الحسين "صراع بين نهجين
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3133
من هنا لم يكن الإنتصار العسكري هو المطلوب في ثورة الحسين (عليه السلام) ضدّ الحاكم الظالم "يزيد بن معاوية" بمقدار ما كانت من أجل تثبيت النهج الإلهي وإعطائه دفعة من القوة المعنوية والروحية تستمر مع الزمن لتشحن نفوس الثائرين من أجل الحفاظ على حياة هذا النهج إن لم يكن على مستوى الأنظمة والحكام، فعلى الأقل على حياة الأفراد والجماعات المؤمنة بذلك النهج السليم والصحيح الذي يمثِّل الصراط المستقيم في الحياة الدنيا.
من هنا لم يكن الإنتصار العسكري هو المطلوب في ثورة الحسين (عليه السلام) ضدّ الحاكم الظالم "يزيد بن معاوية" بمقدار ما كانت من أجل تثبيت النهج الإلهي وإعطائه دفعة من القوة المعنوية والروحية تستمر مع الزمن لتشحن نفوس الثائرين من أجل الحفاظ على حياة هذا النهج إن لم يكن على مستوى الأنظمة والحكّام، فعلى الأقل على حياة الأفراد والجماعات المؤمنة بذلك النهج السليم والصحيح الذي يمثِّل الصراط المستقيم في الحياة الدنيا.
ومن هنا كانت هزيمة يزيد ونهجه، لأنّه بقتله للحسين (عليه السلام) كشف عورات النهج المنحرف ومدى جرأته على سفك الدماء وهتك الأعراض مهما كانت عزيزة عند الله والأمة، فالحسين (عليه السلام) لم يكن شخصاً عادياً فهو "ابن بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أحيا الأمة وأخرجها من الظلمات إلى النور، و"زينب" (عليها السلام) لم تكن أيّة امرأة من الترك أو الديلم أو الروم أو من غير المسلمين الذين يحلُّ سبيهم وإهانتهم، بل هي ابنة علي والزهراء (عليهما السلام) وحفيدة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي لم يطلب أجراً على كلّ ما جاهد وضحّى سوى "المودّة في القربى".
لذلك نحن نعتبر أنّ ثورة الحسين (عليه السلام) هي الامتداد الطبيعي لثورة أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ضدّ التحريف من جانب القاسطين والمارقين والناكثين، والهدف كان هو الهدف نفسه بلا تبديل ولا تغيير.
وثورة الحسين (عليه السلام) هي الامتداد أيضاً لثورة جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حارب الكفر والكفّار من عبدة الأصنام والتماثيل، ولنفس الهدف ومن أجل تحقيق النهج الإلهي في الحياة الدنيا، وقد استطاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرسي قواعد هذا النهج بعد قرونٍ طويلة من غيابه عن ساحة الحياة وميدانها الرحب.
وكذلك ثورة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الإمتداد الطبيعي لثورات الأنبياء ممّن سبقوه، والذين أرسلهم الله من أجل تحقيق نفس النهج والهدف، فبعضهم توفّق إلى ذلك، والبعض الآخر لم يُوفَّق، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار الصراع مع كلّ جيلٍ قبل الإسلام وبعده.
وسيبقى هذا الصراع قائماً ما بين النهجين ولن يتوقف، لأنّ كُلاًّ منهما لا يتلاءم مع النهج الآخر ولا يستطيع العيش معه، ولأنّ كُلاًّ منهما يدعو إلى مسارٍِ مختلف وطريقةٍ مختلفة للحياة وسلوكٍ مغاير تماماً للآخر ونظرةٍ مختلفة للحياة الدنيا ودور الإنسان فيها.
فالنهج الإلهي يدعو إلى عبادة الله الواحد القهّار وإعمار الأرض بالطريقة التي تعود بالنفع على كلّ أبناء البشرية، بينما نهج الإنحراف يدعو إلى التمتّع بشهوات الدنيا وملذّاتها ولو أدّى ذلك إلى القتل وسفك الدماء من أجل ذلك كما حصل في التاريخ وكما يحصل في زماننا الحاضر حيث نرى المستكبرين من الأمم وخصوصاً "الشيطان الأكبر "أمريكا" تمارس نهج الإنحراف بأوضح صوره ومظاهره البشعة، سواء في القتل أو مصادرة قرار الشعوب وحرياتها، أو بالإعتداء عليها للإستيلاء على ثرواتها وما فيها من الخيرات، وهذا النهج لا بدّ من مواجهته كما واجه الحسين (عليه السلام) نهج الإنحراف في زمانه، لأنّ عدم المواجهة ستزيد من قوة خط الإنحراف والتزييف وتصبح الحياة الدنيا فيها غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ولا يبقى أيّ مجالٍ لأصحاب النهج الإلهي أي قدرة على التغيير والتبديل، وهذا يتنافى مع الوظيفة الفعلية والتكليف الإلهي للمؤمنين بالنهج الإلهي الذين لا يجوز لهم الإستسلام أمام هجوم نهج الإنحراف مهما كان قاسياً وشديداً ومُكْلِفاً على كلّ المستويات.
والحمد لله ربّ العالمين .