دور الأنظمة في تحطيم الأمّة وكيفية المواجهة
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1622
من أكبر المآسي التي تعيشها الأمّة الإسلامية في الواقع الراهن والذي كان موجوداً زمن الإمام الخميني "قدس سره" هو "الأنظمة الحاكمة" في الدول الإسلامية، حيث عمل هذه الأنظمة تميّز بأمرين أساسيين، لعب كلّ واحدٍ منهما دوراً سلبياً كبيراً في تخلّف الأمّة وتقهقرها وانسحاقها أمام القوى الكبرى، بل أمام إسرائيل أيضاً الغاصبة للأرض والمدنّسة للمقدسات والمشردّة للشعب المسلم من أرضه .
الأمر الأول: رضوخ أغلبية الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين لإرادات القوى الكبرى، إنطلاقاً من القوانين والتشريعات المستمدّة بأكثريّتها من قوانين الغرب كفرنسا وبريطانيا وغيرهما، وصولاً إلى الإرتهان للسياسة الدولية حتّى على مستوى مصالح العالم الإسلامي، وحتّى على مستوى مأساة فلسطين، فإنّ هذه الأنظمة كان لها دور كبير في تثبيت قواعد وأركان تلك الدولة العدوانية الغاصبة من خلال رضوخهم للمنطق الدولي المصاغ بتخطيط العالم الإستكباري ولمصلحة نفسه أولاً وقبل كلّ شيء، ولهذا استمرّ اغتصاب فلسطين ثمّ كانت الهزائم المتتالية أمام ذلك الكيان العدواني المدعوم من ذلك العالم الذي كان يمنع على الأمّة من خلال الأنظمة التي تحكمها أن تمارس حقّها في الدفاع وتحرير الأرض.
الأمر الثاني: إستقواء تلك الأنظمة على شعوبها الإسلامية ومنعها من التعبير عن آرائها وتوجُّهاتها، بل وممارسة كلّ أنواع القهر والتسلّط والإرهاب، بالإعتقالات تارةً، وبالقتل أخرى، وبالتهديد ثالثة، ومنع العاملين من أجل رفع الظلم والجور عن تلك الشعوب من العمل بشتّى الطرق والوسائل، وتسخير القوى الإعلامية للتمجيد بالرؤساء والملوك والأمراء، وإبراز حسنات تلك الأنظمة والتغطية على مساوئها، وتبرير هزائمها وضعفها أمام إسرائيل وأمام إرادات القوى الكبرى التي كانت تتحكّم وما تزال بمسار تلك الأنظمة.
من هنا عمل الإمام الخميني "قدس سره" وهو يعاين هذين الأمرين وما يفعلانه في تحطيم الأمّة وتمزيقها وتفريق قواها على محاربة هذين الأمرين معاً من خلال تنبيهاته وتوجيهاته وتحذيراته المتكرّرة جداً من الأخطار المحدقة بالأمّة إن سمحت لنفسها أن تبقى رهينة ذلك الواقع القاسي الذي يضغط عليها من كلّ النواحي المادية والمعنوية.
ولعلّ ما ينقله الإمام "قدس سره" في وصيته المعبّرة عن هذين الأمرين خير ما يمكن للمسلمين أن يتمسّكوا به ليدركوا كلّ المساوئ والأخطار المحيطة بهم في هذه المرحلة بالذات من تاريخ الأمّة التي تسوقها أنظمتها العميلة إلى الإستسلام النهائي لإرادة أمريكا وإسرائيل، ويقول فيها :(وأمّا وصيتي للشعوب الإسلامية فهي: أن اتّخذوا حكم الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني المجاهد نموذجاً وقدوة لكم، وضعوا حدّاً بكلّ قوّة لممارسات حكوماتكم الجائرة إن هي رفضت الإنصياع لمطالب الشعوب، وهي كمطالب شعب إيران، فالحكومات التابعة للشرق والغرب هي علّة مسكنة المسلمين).
ولهذا كان الإمام "قدس سره" يركّز على تحطيم حواجز الخوف والإرهاب التي كانت الأنظمة تنشرها وما تزال لتزرع اليأس والإحباط في نفوس المسلمين، بينما هذه الأنظمة تلهث وتتراكض وتتسابق لترتمي عند أقدام أمريكا ولتحقّق لها مصالحها على حساب شعوب الأمّة حاضراً ومستقبلاً، تراثاً وتاريخاً، حتّى أنّ بعض الأنظمة العميلة هذه سعى إلى تزييف التاريخ وتغيير عنوان الأمّة لعلّه بذلك يلقى قبولاً من العالم المستكبر الذي لا يعترف إلاّ إذا كان مماثلاً له، فمصر تزوّر تاريخها وتنسبه إلى الفراعنة، ولبنان إلى الفينيقيين، وإيران إلى الفارسية القديمة، وهكذا، ولهذا يقول الإمام "قدس سره": (إنّنا عندما نقول بأنّنا نريد أن نصدّر ثورتنا إلى جميع البلدان الإسلامية، ... بل إلى البلدان كافّة التي يسيطر فيها المستكبرون على المستضعفين، فإنّنا نريد إيجاد وضع كهذا... أي وضع تنتفي فيه الحكومات الظالمة المجرمة ويزول فيه العداء بين الشعب والحكومة).
وأبرز مثل صارخ من ساحتنا اللبنانية هذه الأيام هي هذه الحكومة الحريرية التي تستقوي على شعبٍ أعزل مستضعف وتصادر لقمة عيشه بالضرائب الباهظة المفروضة، بينما تخفّف الضرائب عن الطبقة المرفّهة المستكبرة، وإذا أراد هذا الشعب أن يعبّر عن صرخات الألم المكبوتة في داخل نفوس أبنائه تنبري هذه السلطة الظالمة باتخاذ قرارات التصدّي ونشر الجيش وقوى الأمن لمنع الشعب من التظاهر والتعبير عن رفضه للسياسات الإقتصادية والإجتماعية الجائرة التي سحقت كلّ فئات هذا الشعب وحوّلته إلى شعبٍ يعيش دون مستوى الحدّ الأدنى على الأقل.
هذه الدولة القوية على شعبها وجماهيرها وتستعدي من أوصلها إلى قمة السلطة نراها لا تنشر جيشاً يقاتل العدو الإسرائيلي الغاصب، ولا ترفع شكوى ضدّه إلى مجلس الأمن على الأقل مع أنّه لا تأثير لتلك القرارات الصادرة عن ذلك المجلس إطلاقاً، ولا ترسل بالحد والأدنى من يعزّي عائلات الضحايا التي تسقط بيد الإجرام الصهيوني والغدر اليهودي ويغتال الحياة يومياً في جنوبنا وبقاعنا الغربي.
من هنا نقول إنّ خطاب الإمام الخميني "قدس سره" قد لعب دوراً رئيسياً في رفع الغشاوة عن أبصار المستنيرين من أبناء هذه الأمّة فأعاد الكثيرين منهم إلى جادة الحق، واستطاع أيضاً أن يطرد عوامل الخوف والإرهاب التي زرعتها إسرائيل والأنظمة معاً في نفوس الشعوب الإسلامية، وها هي هذه الشعوب تثبت أنّها أجدر من الأنظمة وأكثر حرصاً وائتماناً على مصالح الشعوب حاضراً ومستقبلاً، ولهذا انتفضت غالبية تلك الجماهير المكبوتة لتعبّر عن توجُّهاتها الحقيقية ولتكشف زيف كلّ مقولات الأنظمة العميلة التي تعيش الغربة بين شعوبها وتحمي نفسها بآلات الحديد والنار التي ستسقط أمام عزم الشعوب وتصميم إرادتها على عدم الإستمرار في الرضوخ لهذا المنطق الذي أذلّ الأمّة في أعزّ مقوّمات وجودها وهي: (العزّة والشرف والكرامة والحرية).
والحمد لله ربّ العالمين