طاعة أولي الأمر في الإسلام 12
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2171
من الواضح جداً أنّ الأصل الأولي عندنا في الإسلام هو أنّه لا ولاية لأحدٍ على أحد، وهذا الأصل مهم جداً في المسيرة الفكرية والعملية للإنسان، لأنّه يحدّد لنا من يجب أن نطيع ومن يحرم أن نطيعه، وذلك وفق الأدلة التي تتوافر على ثبوت الولاية لشخص أو تتوافر على عدم ثبوتها له. وقد ثبت بالأدلة القطعية أنّ الولاية لله عزّ وجلّ من جهة كونه الخالق المبدع الذي أخرج الإنسان وباقي الموجودات من العدم إلى الوجود وأفاض عليها نعمه الكثيرة، ومن جهة كونه المشرِّع والمقنّن لنظام الحياة الإنسانية في كلّ المجالات، وهذه الولاية لله في جانبها التكويني نسمّيها بـ"الولاية التكوينية"، وفي جانبها القانوني نسمّيها بـ"الولاية التشريعية"، وثبوت الولاية في جانبيها لله عزّ وجلّ هي بالأصالة ولذاته المقدّسة وليست مجعولة له من أحد، باعتبار أنّه منتهى الوجود الذي لا يعرض عليه العدم أو الفناء.
وبما أنّ الله سبحانه قد أرسل الأنبياء (عليهم السلام) لهداية البشر والأخذ بيدهم إلى ما فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، وزوّدهم بالشرائع والعقائد التي تحقّق هدف الهداية في مستوياتها العملية حتى لا ينحرف الناس أو يضلّوا، فقد أعطى الله الولاية لأنبيائه (عليهم السلام) لكي يتمكّنوا من خلالها وعبر طاعة الناس لهم من تحقيق الأهداف المطلوبة.
وهذه الولاية المجعولة للأنبياء (عليهم السلام) مختصة أولاً وبالذات بالولاية التشريعية بمعنى وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يبلِّغه من الله عزّ وجلّ كما في قوله تعالى: {... ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}، ومعنى جعل الولاية هو تنزيل أمر النبي ونهيه بمنزلة أمر الله ونهيه بلا فارق من جهة حيثية وجوب الطاعة بين كلا الأمرين أو النهيين.
وبما أنّ الموت هو النهاية الحتمية لكلّ إنسان في هذه الدنيا بمن فيهم الأنبياء (عليهم السلام)، كما قال تعالى مخاطباً نبيه الحبيب محمداً :{إنّك ميّت وإنّهم ميّتون} فكان لا بدّ أن تكون الولاية مجعولة لشخص أو فئة بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكون موقعها في الأمة وبين الناس كموقع النبي من حيث وجوب طاعتها والتقيّد بأوامرها ونواهيها، وقد ثبت لدينا بالأدلة القطعية أنّ هذه الولاية ثابتة للأئمة (عليهم السلام) الذين كانوا الإستمرار لحركة النبوة والقائمين بدورها في حياة الإنسانية، وقد ورد في القرآن العديد من الآيات التي تبيّن ذلك، ومنها قوله تعالى :{إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، وقد قال المفسّرون بأنّ المراد من "الذين آمنوا" هو أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب الذي تصدّق بخاتمه أثناء الصلاة، وكذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكثير من الأحاديث التي توضح أنّ الولاية بعده هي للأئمة وأولهم علي (عليه السلام)، ومن أشهر هذه النصوص حديث الغدير المعروف الذي جاء فيه: (... من كنت مولاه فهذا علي مولاه...) وقد تواترت الأحاديث أنّ الأئمة (عليهم السلام) هم اثنا عشر من قريش من نسل علي بن أبي طالب عليه السلام كما ذكرت ذلك بعض الأحاديث أيضاً بأسمائهم.
من كلّ هذا نفهم أنّ من خرج بالدليل القطعي عن أصالة عدم ثبوت الولاية لأحد على أحدٍ هُم (الله عز وجل) ثمّ (النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ) ثمّ (الأئمة (عليهم السلام))، وهذا يعني أنّه بعد أن غاب المعصوم الثاني عشر قد خلت الساحة من القيادة الأصلية للأمة و لا يحق للمسلمين أن يطيعوا أمر أيّ إنسان إذا لم تكن ولايته راجعة إلى ولاية من ثبتت لهم الولاية بالدليل الشرعي المعتبر، ويثبت من جهةٍ أخرى أنّ الولاية للفقيه هي الإمتداد الرسالي لولاية المعصوم النائبة عن ولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المستمدّة بدورها من ولاية الله عزّ وجلّ، ومعنى كلّ ذلك أنّ لولاية الفقيه جذورها العقائدية التي ترتبط بـ"التوحيد في الولاية الذي هو فرعٌ من فروع أصل التوحيد الشامل لكلّ شيء كالذات والصفات والأفعال والعبادة.
هذه إذن باختصار الجذور العقائدية لولاية الفقيه التي نذهب إليها في عصر الغيبة الكبرى، ونضيف إليها بأنّ الولي الفقيه الذي يمارس هذه الولاية هو النائب عن الإمام المهدي "عج" في إدارة أمور الأمة، ولذا لو فرضنا ظهور الإمام المعصوم فإنّ الفقيه تسقط ولايته مباشرة بسبب ظهور المنوب عنه الذي هو صاحب الولاية الأصلي.
وهذا التمهيد ضروري لكي يتّضح معنى ولاية الفقيه الذي سوف نبحث عنه في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربّ العالمين .