حرمة الخمر في الإسلام
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 3842
من الواضح جداً في العصر الحاضر أن تعاطي الخمر قد أصبح شائعاً وعلى نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم، حتى أن العديد من المسلمين المنحرفين يتعاطونها بدون نظر أو إلتفات الى حرمتها وفق تعاليم دينهم بنحو من التعمد والقصد.
كما نرى من جهة أخرى الترويج لها عبر وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمكتوبة من دون أي خجل أو حياء حتى من الوسائل المحسوبة على المسلمين. كما نرى أن شرب الخمر صار مرادفاً في أغلب الأحيان للحفلات الغنائية والراقصة والماجنة كما هو الحال عند أهل الفسق والفجور مما يزيد بشاعة هذه الآفة الخطيرة على استقرار المجتمع وأمنه وسلامته.
ونظراً لشيوع إرتكاب هذه الفاحشة وكثرة الترويج لها نرى لزاماً علينا نحن المكلَّفون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نبين ضرر هذه الآفة الخبيثة وأن نحذر الناس من عواقب معاقرتها دنيوياً وأخروياً، لعل الله يصلح شأن الناس في تركها والإبتعاد عنها.
ولكي تكون الصورة واضحة وجلية بشكل معقول ومقبول وقابل للفهم والإستيعاب والإعتبار نستعرض المسألة على الشكل التالي:
أولاً : حرمة الخمر في القرآن والسُّنَّة:
ورد في القرآن الكريم آيات عديدة تشير الى حرمة الخمر بشكل واضح لا غموض فيه ولا إبهام، وإن كان البعض يحاول أحياناً أن يتغاضى عن هذا الأمر الواضح، ومن الآيات الدالة على التحريم:
1- إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. (المائدة – 90-91-).
2- يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما. (البقرة: 119).
3- ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً. (النحل: 67).
حيث تم تفسير "سكراً" بأنه الخمر و "رزقاً حسناً" بأنه "التمر والزبيب".
ودلالة الآية الأولى على تحريم الخمر واضحة إذ أن الأمر بإجتناب شرب الخمر أشد دلالة على التحريم من دلالة صيغة النهي كما لو قال الله عز وجل "لا تشربوا الخمر"، فالأمر بالإجتناب أقوى في الدلالة على الحرمة خصوصاً مع ملاحظة الآية القرآنية الكريمة التي تقول (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة...) حيث أن التحذير من مخالفة أمر الله تعني العقاب والعذاب يوم القيامة – يوم الحسرة والندامة – على الكافرين والمنافقين، فيه ما يكفي من معاني التهديد والترهيب الإلهيين لمن يرتكب المعاصي خصوصاً الكبائر منها – كشرب الخمر – التي توعد الله فاعليها بالنار وبئس القرار.
وأما دلالة الآية الثانية على التحريم فهي تقوم على قاعدة أن ما كانت مفاسده أكبر من منافعه بشكل واضح، وكانت المنافع داخلة في باب الكسب الحرام كبيع الخمر أو ربح القمار فهو وإن كان نفعاً مادياً إلا أن له عقاباً أخروياً واضحاً كانت النتيجة هي التحريم بلا إشكال، ولذا أوضح الله ذلك في الآية حتى لا يبقى لمعترض حجة على التحريم.
وأما دلالة الآية الثالثة على التحريم فهي واضحة من خلال كلمة "سكراً" حيث عبر الله بالنتيجة الحاصلة من شرب الخمر، وقد ورد في تحريم السكر الشيء الكبير، ففي القرآن ورد قوله تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...)، وفي الحديث الشريف (إحذروا كل مسكر، فإن كل مسكر حرام) و ( كل مسكر حرام) و (كل شراب مسكر حرام).
وكلمة السكر في اللغة تعني "المنع" أو "الإغلاق" بشكل عام، بمعنى أن من يعاقر الخمر حتى يصل إلى حالة السكر تصبح هناك حالة من الإغلاق بين عقله وجسده مما قد يدفع به إلى إرتكاب الكثير من المحرمات والموبقات والجرائم، كالحديث الوارد في تحريم الخمر بسبب إسكاره حيث جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): (حرم الله الخمر لفعلها وفسادها، لأن مدمن الخمر ثورته الإنتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجتريء على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حُرَمِه وهو لا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كل شر).
وكذلك ما ورد في تحريم السكر مثل (ما أسكر كثيره فهو حرام) وهذا من أجل الإشارة الى أنواع معينة من الخمر كانت الناس تتصور أنها ليست بمسكرة مثل "الفقاع" المتعارف على تسميتها اليوم بـ "البيرة" لأن كثيرها مسكر قطعاً فينتج أن القليل منها حرام شرعاً ولذا ورد عنها في الحديث الشريف (الفقاع خمر إستصغره الناس). ويلحق بحرمة "الفقاع" واحتياطاً تركه وعدم شربه ما يتعارف على تسميته اليوم خطأً واشتباهاً وتلاعباً بالمفاهيم الشرعية "البيرة الشرعية" الخالية من الكحول، حيث ثبت من خلال التحاليل المخبرية أن كل أنواعها غير خالية من نسبة كحولية تجعل من شربها مورداً للإشكال الشرعي، ولذا نرى أن الإمام الخميني "قده" يحرم شربها ولو لم تكن مسكرة، ولذا ورد في تحرير الوسيلة – الجزء الثاني – صفحة 431 (... ويُلحق بالمسكر الفقَّاع وإن فُرض أنه غير مسكر...) وهذا تماماً ما ينطبق على ما يسمونه إشتباهاً بالبيرة الشرعية، فإنها حتى لو فرضنا أنها لا تحمل أي نسبة من الكحول لكن بما أنها تحدث فقاقيع عند سكبها فهي حرام، وكذلك بحسب فتوى سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي "دام ظله" فإنها وفق الإحتياط عنده يجب تركها وعدم شربها كما ورد في جواب إستفتاء موجه إليه حول هذا الأمر، ونص جوابه هو التالي (يحرم شرب الفقاع ولا يتغير حكمه بتغيير إسمه بماء الشعير) والإستفتاء موجود في مكتب الوكيل الشرعي تحت رقم (8702).
وبالرجوع الى الأحاديث الدالة على تحريم الخمر نذكر منها المهم الحامل للدلالة الكافية على ذلك، ومنها:
1- لعن الله الخمر، وعامرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه. "رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
2- لا تجمع الخمر والايمان في جوف أو قلب رجل أبداً. رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)
3- الخمر أم الفواحش والكبائر – الخمر أم الجنائب. رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
4- شرب الخمر مفتاح كل شر، وشارب الخمر مكذب بكتاب الله عز وجل، ولو صدّق كتاب الله حرّم حرامه. الإمام الصادق (عليه السلام)
ثانياً : آثار شرب الخمر في الدنيا والآخرة :
أ- في الدنيا : من ظاهر الأحاديث الشريفة وواقع الحال في المجتمع أن شارب الخمر هو إنسان فاسق مذموم منبوذ من الناس لا يحبون التعامل معه او الإقتراب منه وحتى لو كان فقيراً فهو لا يستحق المعونة ولا المساعدة لأنها إعانة على الإثم، وبالجملة فهو إنسان مرفوض في بيئته ومحيطه، وقد حملت الروايات الكثير من الصفات الذميمة التي تصبح عند شارب الخمر ومنها:
1- شارب الخمر لا تصدقوه إذا حدّث، ولا تزوجوه إذا خطب، ولا تعودوه إذا مرض، ولا تحضروه إذا مات، ولا تأتمنوه على أمانة... رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
2- لا تجالسوا مع شارب الخمر، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشيعوا جنائزهم، ولا تصلوا على أمواتهم، فإنهم كلاب أهل النار كما قال الله عز وجل (إخسئوا فيها ولا تكلمون ... ) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
من هنا ينبغي التشديد على مقاطعة شارب الخمر، مضافاً الى نهيه عن هذا المنكر الخبيث والبغيض الى الله لعله يرتدع أو يمتنع عن هذه الآفة اللعينة، التي لا ينتج عنها إلا كل فعل قبيح، خاصة إذا التفتنا الى القاعدة التي تقول بأن تحريم شيء إنما هو لما فيه من المفاسد التي أراد الله أن يجنبنا الوقوع فيها أو التعرض لها.
ب- في الآخرة:
1- من شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، سقاه الله من طينة ... أمير المؤمنين (عليه السلام).
2- مدمن الخمر يلقى الله عز وجل حين يلقاه كعابد وثن، قال حجر بن عدي :يا أمير المؤمنين: ما المدمن؟ قال(عليه السلام) الذي إذا وجدها إلا شربها.
3- من شرب المسكر لم تقبل صلاته أربعين يوماً وليلة. أمير المؤمنين (عليه السلام).
4- إن أهل الري في الدنيا من المسكر يموتون عطاشى، ويحشرون عطاشى، ويدخلون النار عطاشى. الإمام الصادق (عليه السلام).
5- والذي بعثني بالحق نبياً إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودّاً وجهه، يضرب برأسه الأرض وينادي واعطشاه. رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
فإذا كانت هذه هي الآثار الأخروية لشارب الخمر فكيف يجرؤ إنسان بعد ذلك على شربها أو الإقتراب منها خصوصاً إذا كان مسلماً موحداً يعلم أنه سوف يلاقي ربه بعد الموت الحتمي الآتي لا محالة.
بالإضافة إلى ما ذكرناه من مفاسد شرب الخمر في الدنيا والآخرة فإن له عقاباً دنيوياً وهو "الجلد" وهو حد شارب الخمر، وقد أفتى الفقهاء بأجمعهم على هذا الحد، والفتوى هنا مستفادة من الروايات العديدة الواردة عن أهل بيت النبوة عليهم السلام، ونذكر هنا بعض الروايات الدالة على عقوبة شارب الخمر.
الرواية الأولى: معتبرة أبي بصير عن أحد الإمامين الباقر أو الصادق (ع) (كان علي (ع) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر والعبد واليهودي والنصراني، قلت: وما شأن اليهودي والنصراني؟ قال "ع" ليس لهم أن يظهروا شربه، ويكون ذلك في بيوتهم).
الرواية الثانية: (أصحاب الكبائر كان إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في المرة الثالثة) وهي منقولة عن الإمام الكاظم (ع).
الرواية الثالثة: عن رسول الله (ص) : من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه) ووردت رواية أخرى بنفس المعنى والتفصيل عن الإمام الصادق (ع) وقد جاء فيها (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه).
وأما كيفية الجلد فهي على النحو التالي (يجرد من ثيابه بين الكتفين ثم يجلد، أما المرأة الشاربة للخمر فتجلد من فوق الثياب لأن بدن المرأة عورة لا يجوز للناس رؤيته) وهذا ما يستفاد أيضاً من الروايات الدالة على ذلك ومنها : صحيحة زرارة التي جاء فيها (يضرب الرجل الحد قائماً، والمرأة قاعدة، ويضرب على كل عضو ويترك الرأس والمذاكير).
وأما عن كيفية إثبات شرب الخمر فهو إما عن طريق إقرار الشارب على نفسه مرتين بأنه قد شرب الخمر وأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً وقاصداً لما يقول، أو أن يكون قد رآه شاهدان عادلان قد شرب الخمر فشهدا عليه عند الحاكم الشرعي، ولا بد في الشاهدين أن يكونا رجلين، فلا تكفي شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات إلى الرجل، ويجب أن تكون شهادتهما متطابقة، فلو اختلفا في الشهادة، فقال أحدهما رأيته يشرب الخمر في السوق وقال الآخر رأيته يشرب الخمر في البيت سقط عنه الحد (لأن الحدود لا تقام إذا كان هناك شبهة في البينة الشرعية التي هي عبارة عن الشاهدين العادلين).
وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يبعدنا نحن المسلمون عن هذه الآفة الخطيرة والفاسدة والمفسدة والمدمرة لحياة الفرد والمجتمع والتي تجلب السمعة السيئة والمشينة لمرتكبها كما مر معنا في الروايات التي ذكرناها، مع ما يترتب عليها من العقاب والعذاب في الدنيا والآخرة.
ونكتفي بعرض هذا المقدار من الحديث عن الخمر وحرمته ومفاسده الدنيوية و الاخروية لننتقل إلى استفتاءات الإمام القائد السيد الخامنئي "دام ظله" وننتخب بعض ما ورد منها في هذا المجال:
* س – 10 – هل يجوز التكسب بتصليح شاحنات حمل الخمور؟
الجواب : إذا كانت الشاحنات معدّة لنقل الخمر فلا يجوز الاشتغال بتصليحها.
* س – 12- إذا كان هناك شخص يبيع الخمر ومشروبات أخرى محللة، فهل يجوز شراء المشروبات المحللة منه؟ وهل الأموال التي تؤخذ منه مما بقي من الثمن المدفوع حلال أم لا؟
الجواب: لا يجوز شراء شيء من محله حتى المشروبات المحللة بعدما كانت أمواله مختلطة بالحرام من أجل إكتسابه ببيع الخمر ...وكذا لا يجوز أخذ ما لديه من النقود المختلطة بالحرام.
* س – 3 - هل يصح بيع الخمر أو لحم الخنزير أو أي محرم الأكل ممن يستحله أو إهداؤه له ؟
الجواب: لا يجوز بيع ولا إهداء ما لا يحل أكله أو شربه إذا كان لغرض الأكل والشرب، أو مع علمه بأن المشتري يريد أن يأكله أو يشربه ولو كان ممن يستحل ذلك.
وأخيرا أعاذنا الله وكل المسلمين والمؤمنين بالإبتعاد عن هذه الفاسدة والمفسدة والتي لا تجلب إلا الضرر وسوء السمعة في الدنيا، والعذاب والعقاب في النار وبئس القرار في الآخرة.
والحمد لله رب العالمين.