أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2584
ولهذا نرى أنّه لا بأس من الوقوف عند هؤلاء الأنصار الذين عرفوا أنّ رضا الله لا يتحقّق بدون رضى أهل البيت (عليهم السلام) كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) :(رضى الله رضانا أهل البيت)، لهذا تراهم كانوا العين الساهرة على سيّدهم ومولاهم لا يفارقونه أو يتركونه، ولا يسبقونه بفعلٍ أو قول، بل هم رهن إشارته وطوع بنانه، من دون أن يسألوا، كيف، ولماذا، وأين، وإنّما كلّ همّهم وشغلهم أن يكون الحسين (عليه السلام) راضياً عنهم، قانعاً بعملهم، وهذا كان يمثّل لهم قمة السعادة والإغتباط، لأنّهم كانوا يشعرون من خلال ذلك بأنّ لهم قيمة إنسانية وإلهية كبيرة طالما أنّ الحسين (عليه السلام) راضٍ عنهم ومسرورٌ منهم.
ماذا يمكن أن نقول بعد كلام الإمام الحسين (عليه السلام) لهم بأنّه "لا يعرف أصحاباً أوفى من أصحابه" عندما أجازهم في الرحيل وتركه فريداً وحيداً في مواجهة جحافل الظالمين من بني أمية الذين حشدوا جيشاً جرّاراً لسفك دمه، فإذا بهم ينطقون جميعاً بلسانٍ واحد وقلبٍ واحد بأنّه لا معنى للحياة بعد الحسين (عليه السلام)، وبعضهم يقول :(لا طيَّب الله العيش بعدك يا أبا عبد الله) وآخر يقول: وبماذا نعتذر إلى الله فيما لو تركناك وحيداً في قتال أولئك القوم الفجرة الفسقة؟ وهكذا.
ثمّ انظر إلى هذا المشهد الرائع من أولئك الأصفياء الأحباء، عندما يسمع واحدٌ منهم محاورة بين الحسين (عليه السلام) وأخته زينب (عليها السلام)، ومن ضمنها تسأله عن موقف أصحابه وهل تأكّد من موقفهم ومن ولائهم ومن صدقهم في الثبات والصمود معه؟ فينطلق السامع لذلك ويتوجّه نحو حبيب بن مظاهر فيخبره بما جرى، فيوقظ حبيب الأصحاب كلّهم، ويسيرون فيما يشبه المظاهرة من أجل أن يُطَمئِنوا قلب زينب ويزيحوا عنها القلق والإضطراب من خلال تعبيرهم لها بأنّهم لن يتركوا أبا عبد الله (عليه السلام) ولن يتوانوا عن نصرته، وأنّهم سيوصون بعضهم بعضاً بالدفاع عنه حتّى الرمق الأخير من آخر رجلٍ فيهم.
وبعد كلّ ذلك لا غرو أن ينال أولئك الأنصار درجة الشهادة الرفيعة أمام سيّدهم ومولاهم وهم آمنون مطمئنّون إلى أنّهم قاموا بواجبهم وأدّوا ما عليهم من حقٍّ تجاه ولاية إمامهم المفترض الطاعة عليهم وعلى جميع المسلمين والعالمين.
ومن أهم ما ميَّز موقف أولئك الأصحاب هو وقوفهم إلى جانب الإمام الحسين (عليه السلام) في وقتٍ تخلّى عنه أكثر من التحق به في "مكة" عند إرادة المسير إلى الكوفة، وعزَّ عند ذلك الناصر والمعين، فكان موقفُ أولئك البررة بلسماً لجروح الحسين (عليه السلام) المعنوية وهو في ذلك الموقف الحرج وكأنّه غريبٌ عن أمته، وأمته غريبة عنه، ولا رابط بينه وبينها، أو كأنّ ثورته ضدّ يزيد ليست من أجل تلك الأمة التي تسلَّط عليها "يزيد" مع ما هو عليه من الإبتعاد عن الإسلام في فعله وقوله، ومعروفٌ عنه الفسق والفجور وشرب الخمور وقتل النفس المحترمة التي حرَّم الله إلّا بالحق، ولهذا نجد الحسين (عليه السلام) يطلق النداء :(هل من ناصرٍ ينصرنا؟ هل من ذابٍ يذبّ عنّا؟) فلا من مجيب وكأنّ القوم المواجهين له لا يعرفونه، أو فقدوا القدرة على السمع بعد أن عميت أبصارهم وبصائرهم.
لذلك كلّه نقول "هنيئاً لأصحاب الحسين (عليه السلام) الذين استشهدوا معه ونالوا الدرجات الرفيعة في القرب عند الله عزّ وجلّ، وهنيئاً لكلّ السائرين على درب الحسين (عليه السلام) من المجاهدين عبر العصور ممّن لبّوا النداء فحملوا الدماء على الأكف في مواجهة الباطل، وهنيئاً لمجاهدي المقاومة الإسلامية الرائدة في هذا الزمن المحتاج إلى النموذج الكربلائي، الذي يجسِّدونه بجهادهم البطولي الرائع في مواجهة يزيديي العصر وعلى رأسهم أمريكا وربيبتها جرثومة الفساد في الأرض "إسرائيل".
نسأل الله عزّ وجلّ أن لا يخرجنا من هذه الدنيا إلّا شهداء في سبيل الحق على خطى الحسين (عليه السلام) وأن يحشرنا معه في ظلّ رحمة الله وإلى جوار رسوله الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحمد لله ربّ العالمين .