أهم الدلالات للثورة الحسينية المباركة
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2453
- الأولى – أنّ الإسلام كدين ومنهج حياة لا يقبل بشكلٍ من الأشكال أن يكون الحاكم على المسلمين والمدير لأمورهم مسلماً بالاسم فقط، بل يريده أن يكون كغيره من أفراد الأمة، بل في مستوى أرقى منهم وأرفع من حيث الناحية الإيمانية والعملية والأخلاقية، لأنّ الإسلام ليس دين الرعية فقط، بل دينهم ودين الحاكم أيضاً، وهذه حقيقة إسلامية لا تقبل الجدال أو النقاش، ومن هنا فعندما يصل إلى حكم المسلمين حاكم لا تنطبق عليه المواصفات، فهذا خروجٌ عن الضوابط الشرعية لمقام الحاكمية، ولا بدّ من التحرّك لإصلاح هذا الأمر بأيّة وسيلة من الوسائل الممكنة والمتاحة من وجهة نظر الإسلام.
- الثانية – إنّ المواصفات المطلوبة للحاكم في الإسلام هي التي تجعل منه العين الساهرة على الأمة من موقع علمه بالإسلام وقدرته على اتّخاذ القرار المناسب لحفظ مصالح الأمة وإبعاد المفاسد عنها، فضلاً عن الإلتزام العملي بالإسلام قولاً وفعلاً، مُضافاً إلى صفة العدالة والنزاهة والترفّع عن متاع الدنيا والإكتفاء من نعمها بما يجعله قادراً على القيام بوظائفه الشرعية الممنوحة له في الشرع الحنيف، وأن يملك الشجاعة والقوة للدفاع عن الأمة عندما تدهمها الأخطار أو الفتن والمؤامرات أو حروب الأعداء وكلّ ما يمكن أن يشكِّل خطراً على المسار السليم والمستقيم للأمة.
- الثالثة – إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا يسقط وجوبها بأيّ حالٍ من الأحوال إنّما تبرز كوسيلةٍ من وسائل الإسلام الرئيسة للإصلاح خاصة في موقع الحاكمية والولاية نظراً لحساسية هذا الموقع في حياة الأمة ونظراً للإمكانات التي تكون تحت يد الحاكم سواء المالية منها أو العسكرية أو غيرها من مفردات السلطة التي قد يستعملها الحاكم المنحرف لإغراء الناس من جهة، أو لإرهابهم وتخويفهم من جهةٍ أخرى، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الحالة هو الفريضة الشرعية التي تستطيع أن ترشد الناس وتهديهم إلى حقائق الأمور وتكشف لهم أبعاد الواقع الذي يعيشون فيه حتى لا يكونوا من المغرورين أو المغشوشين ببعض الظواهر التي قد يمارسها الحاكم المنحرف، بينما يخفي في باطنه نفاقاً أو كفراً بالإسلام ومبادئه وتعاليمه وأحكامه.
من هذه الدلالات الثلاث الأهم ندخل إلى كربلاء الحسين (عليه السلام) لنرى ما يلي:
- أولاً: أنّ الحاكم في عصر الحسين (عليه السلام) هو "يزيد بن معاوية" الذي كان منحرفاً عن الصراط المستقيم في فكره وسلوكه وعقيدته، وكان يرتكب المعاصي علناً دون مراعاة لمشاعر المسلمين أو احترام لمقدّساتهم، وهذا يخالف كلّ المخالفة للقوانين والضوابط الإسلامية، إذ ليس من حق الحاكم أن يتصرّف على هواه من دون أيّة ضوابط تجعله يقف عند الحدود والموازين فلا يتجاوزها أو يتخطّاها خصوصاً أنّه في موقع الحاكم المفروض فيه أن يكون القدوة والنموذج الصالح للمسلمين، ولذا نجد أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يصف حالة ذلك الحاكم المنحرف ويقول عنه: (... ويزيد رجلٌ فاسق، شاربٌ للخمر، قاتلٌ للنفس المحترمة، معلنٌ بالفسق والفجور...). فهذه الصفات المنحرفة لا تليق بحاكم المسلمين، ومن هنا كان اعتراض الإمام الحسين (عليه السلام) ورفضه الإقرار بحاكمية يزيد على الأمة الإسلامية، وهو بالتالي لم يعطه البيعة والشرعية لحاكميته المنحرفة.
ومن الطبيعي عندما يكون الحاكم بتلك المواصفات أن لا يكون عالماً بالإسلام كما هو المفروض، إذ لو كان عالماً حقيقة لعمل بعلمه، ومن الطبيعي أن لا يكون عادلاً، إذ لو كان عادلاً لاستقام في الفعل والقول، ولم يتجرّأ على فعل ما كان يفعل من منكرات ومحارم وموبقات، ومن الطبيعي أنّ حاكماً فيه تلك المواصفات التي تدلّ على التعلّق بالدنيا والتنعّم بثروات الأمة وخيراتها وإمكاناتها فهو ليس حاضراً بالتالي للدفاع عن الأمة ومصالحها إذا دهمتها الأخطار، بل هو حاضر لأن يرهن الأمة ومقدّراتها ليبقى على كرسي الحكم كما نلاحظ ذلك في هذا الزمن السيّء الذي تعيشه الأمة الإسلامية بسبب حكّام الأنظمة الذين ارتضوا الذلّ والهوان والسقوط أمام قوى الإستكبار للبقاء على كراسيّ الحكم والسيطرة.
ومن هنا فعندما ثار الإمام الحسين (عليه السلام) ضدّ الحاكم الظالم والمنحرف "يزيد بن معاوية" أطلق شعار "الإصلاح" الناتج عن القيام بوظيفة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وقال: (ألا وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب "الإصلاح" في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن "آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليّ أصبر حتى يحكم الله لي وهو خير الحاكمين).
وكذلك أوضح الإمام الحسين (عليه السلام) تصرفات يزيد المنحرفة والتي استوجبت الثورة عليه وقال: (... وقد علمتم – أيّها المسلمون – أنّ هؤلاء القوم – يزيد وأتباعه – قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)).
وقد أعطى الإمام الحسين (عليه السلام) النتيجة الحاسمة في ظلّ وجود حاكمٍ مثل يزيد على صعيد الأمة الإسلامية فقال: (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذا ابتُلِيَتْ الأمة براعٍ مثل يزيد).
من هنا فالثورة والإنتفاض ضدّ ذلك الحاكم الظالم كان ضرورة رسالية وأخلاقية وإنسانية ووظيفة شرعية، وكان لا بدّ من ذلك التحرّك الذي قاده الإمام الحسين (عليه السلام) لكي يعلم المسلمون في كلّ العصور اللاحقة أنّ الحاكم الظالم هو أخطر ما يمكن أن يواجهه المسلمون في حياتهم، وأنّ عليهم أن يواجهوا أيّ حاكمٍ يتسلّط عليهم إذا كان على شاكلة يزيد، ولو أدّت المواجهة إلى القتل أو الإعتقال أو أيّة ضريبة أخرى يدفعها المسلمون، لأنّ تلك الضريبة تبقى الثمن الأقل كلفة من الأثمان الأخرى التي سيدفعها المسلمون إذا لم يعملوا على إسقاط النُّظُم المنحرفة عن الإسلام والتي تتحكم بها.
فالعبرة الأساس والدلالة الأهم في ثورة الحسين (عليه السلام) أنّ الحاكم ليس المهم فيه أن يكون مسلماً بالإسم فقط، بل أن يكون مسلماً بالفعل والقول والسلوك والإلتزام والحفاظ على مصالح الأمة وإبعاد المفاسد عنها، والقدرة على الدفاع عن الأمة في مواجهة كلّ الأعداء وعلى كلّ المستويات، وإذا لم يكن كذلك، فإنّ الثورة عليه ضرورة لا بدّ منها، لأنّ عدم الثورة يعني الفساد والإفساد والإنحراف ووقوع الأمة فريسة أطماع الأعداء والمتربّصين بها الشر المستعدّين لنهب ثروات الأمة وإمكاناتها وقدراتها، لأنّ الحاكم المنحرف مستعدٌ دوماً لبيع الأمة لقاء ثمنٍ بخسٍ وزهيد كما هو حال الأمة الإسلامية حالياً.
من هنا فإنّ الخيار الجهادي الإستشهادي الحسيني هو السبيل الوحيد الذي يجب على الأمة في هذا الزمن أن تسلكه إذا أرادت الحرية، وهذا الخيار موصلٌ دائماً للنصر إمّا في الدنيا أو في الآخرة أو في كلا العَالمَيْن، وهذا ما أثبته الخيار الذي تبنّته المقاومة الإسلامية في لبنان، ومن ثمّ خيار الإنتفاضة المباركة في فلسطين المحتلة في مواجهة الغاصب الصهيوني الحاقد واللئيم.
والحمد لله ربّ العالمين .