طاعة أولي الأمر في الإسلام 6
- المجموعة: مقالات فقهية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1914
وبقي معاوية العقبة في وجه خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) كما كان كذلك زمن خلافة الأمير (عليه السلام) ولذا نجد أنّ عبد الله بن عباس يراسل الإمام من أجل النهوض ومحاربة معاوية لإزالة هذه العقبة التي لن تستقيم أمور الخلافة إلّا بعد التخلّص منها، وممّا جاء في تلك الرسالة: (أمّا بعدُ فإنّ المسلمين ولَّوك أمرهم بعد أبيك فشمِّر للحرب وجاهد عدوّك وقارب أصحابك واشترِ من الظنين دينه بما لا يثلم لك دنياه...).
ولمقطع "واشتر من الظنين دينه" دور في حركة الصراع باعتبار أنّ هؤلاء كانوا من الذين يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم خيرٌ اطمأنّوا به، وإن لم يصبهم خير من عبادتهم، تركوا العبادة وباعوها لمن يعطيهم حصة من حطام الدنيا، ولذا نرى أنّ ابن عباس يوصي الإمام الحسن (عليه السلام) بأن يشتري هؤلاء، وأن لا يفعل خلاف ذلك، والشراء هنا معناه أن يُعْطَى هؤلاء حصة من المال أكثر ممّا هو حق لهم في ميزان الإسلام الذي يساوي في العطاء بين الناس، ولعلّ ابن عباس يؤكّد على هذا المعنى لمّا رآه من انصراف الكثير من الناس المؤثرين وغيرهم عن علي (عليه السلام) بسبب هذا الأمر، ويقال في رواية ثانية لرسالة ابن عباس إلى الإمام (عليه السلام) يوضح فيها ذلك بقوله: (إنّ أباك إنّما رغب الناس عنه إلى معاوية لأنّه واسى بينهم في الفيء، وسوَّى بينهم في العطاء، فثقل عليهم...).
إلّا أنّ الإمام (عليه السلام) من موقعه المسؤول الذي يهمّه أن تجتمع الأمة من دون قتال، وتتوحّد من دون سفك دماء، لم يبدأ معاوية بالقتال، بل راسله مراراً وتكراراً بالدخول في الجماعة وعدم تفريق المسلمين يسبب مطامعه وشهواته كما فعل زمن علي (عليه السلام) ومن نماذج تلك الرسائل: (... إنّ علياً (عليه السلام) لمّا مضى لسبيله رحمة الله عليه... والاّني المسلمون الأمر من بعده... وإنّما حملني على الكتابة إليك الإعذار فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ في أمرك، ولك إن فعلته الحظ الجسيم والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل وأدخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كلّ أوّاب حفيظ ومن له قلب منيب واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين، وادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفىء الله النائرة، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين، وإن أبيت إلّا التمادي في غيِّك سرتُ إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).
في هذا النص نرى أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) المؤتمن على دين الأمة ودنياها كان حريصاً على أن لا تقع الحرب بين أبناء الأمّة، وأن ينصاع معاوية بطريقةٍ تريح الأمة وتجعلها تطمئن إلى مسيرتها، ولتجمع قواها في سبيل خير المسلمين ورفعتهم ومِنْعَتِهم، إلّا أنّ معاوية الطامع في الخلافة وغير المهتم بدين المسلمين بمقدار ما هو مهتم بإزاحة كلّ ما يعترض سبيل سيطرته على مقدّرات الأمة حينها والإمساك بقرارها، أجاب على رسائل الإمام الحسن (عليه السلام) إليه بأسلوبٍ مناقض تماماً ويدعو فيه الإمام الحسن (عليه السلام) إلى أن يبايعه بالخلافة، وممّا جاء في إحدى رسائل معاوية نجد التالي: (... وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال الذي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو علمت أنّك أضبط مني للرعية وأحوط على هذه الأمة وأحسن سياسة وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ورأيتك أهلاً لذلك، ولكنّي قد علمت أنّي أطول منك ولاية وأقدم منك بهذه الأمة تجربة وأكبر منك سناً فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي و"لك الأمر من بعدي" و"لك ما في بيت مال العراق من مال" بالغاً ما بلغ تحمّله إلى حيث أحببت، وخراج أيّ كور من العراق شئت معونةً لك على نفقتك يجبيها أمينك ويحملها إليك في كلّ سنة، ولك أن لا يستولي عليك بالإساءة ولا تُفَضُّ دونك الأمور، ولا تُعصَى في أمر أردت به طاعة الله...).
إذن من جواب معاوية يتضح أنّ الرجل لم يكن حاضراً للتنازل عن أطماعه وأحقاده ضدّ البيت العلوي الذي له الحق بالخلافة، والإمام الحسن (عليه السلام) لا يمكنه من خلال كونه مؤتمناً على مسيرة الأمة، ومن خلال موقعه الذي بايعته الأمة ليكون فيه أن يتنازل لمعاوية، ولذا صارت الحرب هي الخيار الوحيد للإمام (عليه السلام) للتخلّص من هذه العقبة، وصارت الحرب خياراً وحيداً لمعاوية أيضاً للتخلّص ممّن كان يرى فيه الخطر الداهم على مبتغاه ومراده.
هل وقعت الحرب؟ ومن انتصر فيها؟ وما هي النتائج التي ترتبت على الصراع بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية؟ الجواب في المقالة اللاحقة إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربّ العالمين .