التّلقيح بنطفة الأجنبي
- المجموعة: مقالات طبية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2706
وكان من المعروف بين الفقهاء أنّ أخذ الزوجة لنطفة رجلٍ أجنبي هو فعلٌ حرامٌ ولو مع توافر كل الضّوابط الشرعيّة، إلاّ أنّه في الوقت نفسه أفتى الأغلب منهم أنّ الزوجة لو فعلت هذا الأمر المحرم( وفق فتاواهم) فإنّ المتولّد من هذا الفعل هو ابن شرعي للزوجة ولصاحب النّطفة، وله ما للأولاد الآخرين من أحكام النّسب والميراث ومحرّمات الزواج وما شابه ذلك.
إلاّ أنّ سماحة القائد آية الله العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" قد أفتى بحليّة أصل الفعل(أخذ النطفة من الأجنبي) لكن مع مراعاة الضّوابط الشرعيّة من حرمة النّظر إلى العورة أو لمسها، ويكون صاحب النّطفة أباه، والمرأة صاحبة البويضة أمّه إذا كانت زوجة.
وبنحوٍ مختصرٍ فإنّ القاعدة الشرعيّة الرئيسيّة تقول: بأنّ كلّ فعلٍ إذا لم يقم دليل شرعي معتبر على الحرمة، ولم يكن هناك أصلٌ شرعيٌّ محرّم ينطبق على الفعل، فهذا الفعل يكون محكوماً بالجواز تطبيقاً لأصالة البراءة أو أصالة الحليّة الشرعيّة التي تجري في مثل هذه الحالة.
هذه القاعدة العامّة هي التي يمكن لنا أن نطبّقها في هذا المقام لنصل إلى الحكم الشرعي المتعلّق بجواز هذا الفعل.
ومن هنا سوف نبدأ بذكر الأدلّة التي استدلّ بها الفقهاء على التّحريم، فإذا ثبت أنّ هذه الأدلّة لا تنهض كدليلٍ على التّحريم فيثبت حينها أنّ فعل التّلقيح بماء الأجنبي جائزٌ وليس بحرام.
الدّليل الأول للتحريم قوله تعالى :{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...} ،لأنه بناءً على أنّ حذف المتعلّق يُفيد العموم، فهذا يعني حفظ الفرج عن كل ما لا يدخل تحت ما هو حلال، ومن غير الحلال هو "إلقاء نطفة الأجنبي في فرج المرأة" حيث أنّ هذا الإلقاء يتنافى مع حفظ الفرج ولا يتوافق معه.
الجواب: 1 – إن المراد من حفظ الفرج في الآية هو حفظه عن الغير بمعنى عدم حصول المنافي للحفظ، كالزنا والنظر واللمس وما شابه ذلك، وليس في الآية دلالة على أن إلقاء نطفة الأجنبي مع مراعاة الشروط من عدم النّظر واللمس مشمولٌ بدلالة الآية.
2 – إنّ المراد من الآية هو خصوص النّظر كما ورد في تفسيرها عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر). وبهذا الاحتمال لدلالة الآية لا تعود ناظرة إلى مسألة التّلقيح بماء الأجنبي.
الدليل الثاني للتحريم قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}، حيث يدل قوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك..}، على أنّ أيّ عملٍ يتنافى مع حفظ الفرج فهو اعتداءٌ وتجاوزٌ للحدود والضّوابط الشّرعيّة، إلاّ إذا كان عن طريق الزواج فهذا لا يتنافى مع حفظ الفرج، لأنّ الآية تدلّ صراحةً على أنّ الزواج ومُلك اليمين غير مُنافيين لحفظ الفرج، لأنّ الفرج في هاتين الحالتين مأتي بالجواز الشرعي والإباحة الناتجة عن العنوانين "الزواج وملك اليمين"، وهذا يعني أنّ "إلقاء النطفة من الأجنبي في الفرج" هو من مصاديق "فمن ابتغى وراء ذلك" وهذا هو الفعل المحرّم وفق دلالة الآية.
الجواب: هو أنّ المتبادر من هذه الآية هو حفظ الفرج عن الوطء المحرّم كالزنا، لأن الآية تتحدّث عن الوطء من خلال الزواج ومُلك اليمين، فعندما تقول الآية بعد ذلك "فمن ابتغى وراء ذلك..." أي سعى إلى الوطء من غير الطريقين المُحلَّلين وهما "الزواج وملك اليمين"، ومعنى ذلك أنّ الآية تدلّ على حرمة الوطء عن طريق الزنا، ولا ربط لها بمسألة إلقاء نطفة الأجنبي في فرج المرأة من دون وطء أصلاً، لأن مجرّد أخذ نطفة الأجنبي لإلقائها في رحم امرأة ولو كانت متزوّجة ليس من الزنا لا من قريبٍ ولا من بعيد حتى يكون مشمولاً لدلالة الآية المباركة، نعم تجب مراعاة مسألتي عدم النظر وعدم اللمس لأن الآية تدل على حرمتهما بلا إشكال.
الدليل الثالث للتحريم هو الروايات وهي على طوائف، فمنها ما يدل على حرمة إلقاء النطفة في غير ما أحلّ الله مثل الرواية الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله من رجل قتل نبياً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً)، ومنها ما يدل على حرمة تضييع النّطفة كما في الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) التي رواها إسحاق بن عمار، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الزنا أشرّ أم شرب الخمر؟ وكيف صار في شرب الخمر ثمانون، وفي الزنا مئة؟ فقال(عليه السلام): يا إسحاق: الحد واحد، ولكن زِيْدَ هنا لتضييعه للنطفة، ولوضعه إياها في غير موضعه الذي أمره الله عزّ وجلّ به)، ومنها ما كان بلسان أنّ الزنا فيه الفساد وقتل النّفس وذهاب الأنساب وفساد المواريث وترك تربية الأطفال، وبما أنّ إلقاء النّطفة من الأجنبي في رحم المرأة المتزوّجة أو غيرها هو من الزنا فتترتب كلّ تلك المفاسد المذكورة في الرواية.
الجواب:
1 – إنّ روايات إلقاء النّطفة أو إفراغها في امرأة لا تحلّ للرجل، لا شك ناظرة إلى فعل الزنا المعلوم كيفيته بحيث يؤدّي إلى إفراغ الرجل لمائه في رحم امرأةٍ غير محلّلةٍ له، بينما التّلقيح ليس فيه أيّ مقاربةٍ بين الرجل صاحب النّطفة وبين المرأة حتى يكون فعله مشمولاً للرواية، لأنّ أخذ النّطفة منه لا يعتبر إفراغاً لها في رحم المرأة لا من حيث المعنى اللغوي للإفراغ، ولا من حيث الصدق العرفي، لأنّ العرف لا يرى أنّ هذا الفعل من الزنا وإفراغ المادة الناتج عن الشهوة المحرّمة.
2 – إنّ روايات تضييع النّطفة لا بد من تأويلها، إذ الواضح أنّ تضييع النّطفة على إطلاقه ليس محرّماً شرعاً، ولذا يجوز للرجل المتزوّج أن يعزل عن المرأة ويفرغ ماءه خارجاً، وهذا الفعل ليس بحرام، لذلك لا بد من القول بأنّ المراد من التّضييع هو" إلقاء النّطفة في رحمٍ لا يجوز له شرعاً إلقاؤها فيه كالزنا والاستمناء، ولا يشمل ما نحن فيه مع مراعاة الضّوابط الشرعيّة كما ذكرنا من حرمة النّظر واللمس عند وضع نطفة الأجنبي في رحم المرأة.
3 – إنّ روايات تحريم الزنا والعلّة في تحريمه ناظرةٌ إلى نفس حرمة فعل الزنا بمعناه المعروف، وهو وطء المرأة التي لا تحلّ للرجل إلاّ عن طريق محلّل بطريق غير شرعي وغير محلّل ويفرغ ماءه فيها فتترتب المفاسد المذكورة ،أمّا ما نحن فيه فليس كذلك، إذ لا وطء في المقام أصلاً، وثانياً لا مجال للمفاسد المذكورة إذا كان صاحب النّطفة مشخّصاً ومعروفاً.
وبهذا يتبيّن أنّ كل طوائف الروايات الدالّة على التّحريم ليست قويّة في دلالتها للمنع من هذا الفعل.
وعليه لا يبقَ إلاّ الشك في الحليّة وعدمه، فيتمّ التّمسُّك بأصالة البراءة الشرعيّة والعقليّة على حدًّ سواء في المقام ليُنتج هذا التمسّك جواز تلقيح المرأة بنطفة الرجل الأجنبي مع مراعاة ما تدلّ عليه الآيات من حرمة النّظر واللمس، لأنّ جواز التلقيح ذاتاً لا يعني رفع حرمة اللمس والنّظر، بل تبقى الحرمة ثابتة لا مُزاحِم لها ولا مُعارِض أيضاً.
والنتيجة لجواز فعل التلقيح أنّ المتولّد هو ابن صاحب النّطفة شرعاً ويترتّب عليه كلّ أحكام النّسب والميراث ومحرّمات الزواج، ويكون المتولّد ابن الزوجة وتترتّب عليه الأحكام ذاتها أيضاً من دون فرقٍ في ذلك، ويبقى الزوج أجنبيّاً عن المتولّد، إلاّ أنّه إذا كان أنثى كانت محرّمة لأنّها "ربيبته" باعتبار أنّه يكون قد دخل بأمها أي "زوجته".
وللتوضيح أكثر نذكر بعض الاستفتاءات الموجَّهة إلى سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" مع أجوبتها.
- س: 194: هل يجوز تلقيح زوجة الرجل الذي لا ينجب بنطفة رجل أجنبي عن طريق وضع النطفة في الرحم؟
الجواب: لا مانع شرعاً من تلقيح المرأة بنطفة رجل أجنبي في نفسه، ولكن يجب الاجتناب عن المقدمات المحرمة من قبيل النظر واللمس الحرام وغيرهما، وعلى أي حال فإذا تولد طفل عن هذه الطريقة، فلا يلحق بالزوج، بل يلحق بصاحب النطفة وبالمرأة صاحبة الرحم والبويضة، ولكن ينبغي في هذه الموارد مراعاة الاحتياط في مسائل الإرث ونشر الحرمة.
- س: 195: المرأة ذات البعل إذا كانت لا تنزل منها بويضة لكونها يائسة أو لغير ذلك، فهل يجوز أن ينقل إلى رحمها بويضة من زوجة بعلها الثانية بعد تلقيحها بنطفة الزوج؟ وهل هناك فرق بين أن تكون هي أو الزوجة الثانية دائمة أو منقطعة؟ - 2 – من ستكون أم الطفل من هاتين المرأتين؟ صاحبة البويضة أو صاحبة الرحم؟ - 3 – هل يجوز هذا العمل فيما إذا كانت الحاجة إلى بويضة الزوجة الأخرى من أجل ضعف بويضة صاحبة الرحم إلى درجة يخاف من لقاح نطفة الزوج بها أن يولد الطفل مشوهاً؟
الجواب: - 1 – لا مانع شرعاً من أصل العمل المذكور في نفسه، ولا فرق في نكاحهما بين أن يكون دائماً أو منقطعاً أو مختلفاً.
- 2 – الطفل ملحق بصاحبي النطفة والبويضة، ويشكل إلحاقه بصاحبة الرحم أيضاً فينبغي مراعاة الاحتياط في ترتيب آثار النسب بالنسبة إليهما.
- 3 – قد تقدم جواز هذا العمل في نفسه مطلقاً.
والحمد لله رب العالمين