الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

تحريم فكرة "القتل الرحيم"

sample imgage

مما لاشك فيه أن الحياة من منظور العقائد الإلهية عامة والإسلامية خاصة- هي نتاج إلهي لا دخل للبشر فيه، بمعنى أن الله هو الذي يهب الحياة، وهو الذي يأخذها من دون قدرة للبشر على التصرّف في هذا الأمر قليلاً كان أو كثيراً، ولذا لا يستطيع الإنسان أن يتحكم بزمن مجيئه أو بأصل مجيئه إلى هذه الدنيا، ولا يحق له أن يتصرّف بزمن خروجه أو أصل خروجه منها خارج إطار القانون الإلهي الذي جعل لكل إنسان أجلاً يخرج فيه من الدنيا بواسطة الأسباب والعلل الطبيعية المؤدية إلى الموت، أو بواسطة الأسباب والعلل غير المعروفة لدينا والمؤدية للموت أيضاً، ولذا ورد في القرآن الكريم تعبير عن زمن موت كل إنسان هو قوله تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون). إنطلاقاً من هذه الحقيقة الإلهية الثابتة لا يحق لأي إنسان أن يجعل نفسه وصياً على حياة البشر إلا في حالات معلومة وواضحة في الشريعة الإسلامية بالخصوص ،حيث يجوز قتل بعض الأفراد بسبب ارتكاب أمور تحرمها الشريعة كالقتل العمدي أو الزنا على تفصيل مذكور في محله والشرك بالله وما شابه، والسبب في تجويز الإسلام قتل مرتكب هذه الجرائم هو لأجل ضمان

سلامة عقائد الناس وأمن الناس وتوفير أفضل الأجواء للحياة الإجتماعية العامة التي تسمح للأفراد بالتفكير بحرية وبالعمل براحة لتأمين ما تحتاجه الحياة من كل شيء له دخالة في بقاء وحفظ واستمرار النسل الإنساني بشكل عام. وفكرة القتل الرحيم نرى بأنها متنافية مع الكثير من الثوابت العقائدية والحكمة الإلهية بالتقريب الذي أوضحناه، والإسلام يرى أن حق الإنسان في الحياة لا يبدأ من لحظة ولادته وخروجه إلى الدنيا، وإنما من لحظة إنعقاد نطفته في رحم أمه، فمنذ تلك اللحظة لا يحق لأحد كائناً من كان أن يحرم ذلك الإنسان من حق الحياة الثابت له، ومن هنا يحرّم الإسلام وكل العقائد الإلهية، بل والكثير من الدول التي لا تنطلق من تشريعات السماء هذا الفعل لأنهم يرونه منافياً لحق الحياة ولحرية الإنسان وما يرمز إليه من قيم ومثل إنسانية رفيعة. وعليه فعندما يصيب مرض عضال شخصاً ما ولا يجد الدواء الشافي الذي ينقذه من مرضه، فهذا لا يعطي لهذا الإنسان من الحق في أن يسلب الحياة عن نفسه عبر ما يقال له اليوم "القتل الرحيم"، لأن الإنسان ليس مسلطاً على حياته إلى هذا الحد، ولا يحق له بالتالي الطلب من طبيب ما ليعطيه جرعة دواء قاتلة لكي يريحه من آلامه التي يعاني منها. ويضاف إلى ذلك أن تحديد المرض الذي لا شفاء منه من المرض الذي يكون فيه قابلية للشفاء ليس مبرراً  لسلوك طريق "القتل الرحيم"، وذلك لأن المرض أمر طبيعي في حياة البشر والموجودات جميعاً وهو سنة إلهية جارية في الكون كله، فإذا صار القرار هو أن كل مرض لا شفاء منه يجيز استعمال فكرة "القتل الرحيم"، فإن هذا سوف ينتج مجازر حقيقية بالإنسانية كلها وينزلها من مرتبتها التي وضعها الله فيها إلى مرتبة دون ذلك بكثير، وهذه الفكرة الشيطانية منافية للتكريم الإلهي للإنسان الثابت بقول القرآن الكريم :(ولقد كرمنا بني آدم...). ويضاف إلى ذلك أن المرض حتى لو فرضنا عدم إمكانية الشفاء منه فإن التخلص من هذا المرض بالقتل الرحيم هو تعطيل الكثير من الجهود الفكرية والنشاطات التي كان يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يزودوا بها الإنسانية المحتاجة إلى جهود الجميع طالما أنهم قادرون على القيام بها أو ببعضها، فقياس عدم الشفاء إلى مقدار ما يمكن أن يقدمه هؤلاء المرضى ولو جزئياً من خدمات للإنسانية يجعل من هذه الفكرة فيما لو طبقت بشكل واسع إلى خسارة حقيقية للبشرية لا تعوض، لأن المرض العضال ليس مانعاً من العمل والإنتاج بشكل كلي وإنما هو مانع جزئي فقط. ويضاف إلى ذلك أن للمرض في مفهومنا الإسلامي علاقة بمصير الإنسان الأخروي وفق تعامل المريض مع المرض من حيث صبره على مرضه وسلوكه سبل العلاج المتعارف ودخالة هذا المرض مهما كان نوعه في امتحان الله للإنسان وإيمانه وصبره، ولا نستطيع بالتالي أن ننكر العوامل الغيبية التي قد تمنح الشفاء للإنسان بسبب قوة إيمانه وأحياناً وما شابه من هذه الأمور التي لا نريد الخوض فيها كثيراً حتى لا يقال بأننا غيبيون أو طوباويون في التعامل مع القضايا المادية، والقضية هي كما يقال :(خلق الله الداء وخلق الدواء)، لكن في بعض الأحيان قد تلعب الأسباب والعلائق الروحية بين الإنسان وربه دوراً في الشفاء حتى من المرض المستعصي، وفكرة "القتل الرحيم" تلغي بالكلية هذا النوع من العوامل كما أنها تنفي دخالة القدرة الربانية وتدمر البناء الإيماني بين الإنسان وربه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين