الإستنساخ "ما له وما عليه"
- المجموعة: مقالات طبية
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2355
بعد ظهور أول طفلة بشرية "مستنسخة" ثار الجدل من جديد حول هذا الموضوع من جانب جهات حكومية وعلمية ودينية، وأكثرهم ذهبوا إلى عدم ترجيح هذا الفعل لإعتبارات عديدة يمكن أن نعدد منها ما يلي: 1- أن الإستنساخ هو إنتهاك لكرامة الإنسان وقيمه الإنسانية وهو عمل لَغوي وعبثي وتلاعب بالحياة. 2- أنه تحدٍ للخالق كونه الوحيد الذي يملك حق الخلق والإيجاد والتكوين. 3- المشاكل النفسية والجسدية التي يمكن أن يتعرض لها المولودون عبر الإستنساخ. 4- التشوهات الخَلقية والخُلقية التي قد يتعرض لها هؤلاء المستنسخون. 5- أنه عمل منافٍ للنظام الطبيعي لتكاثر الإنسان ويؤدي إلى حصول خلل فيه. هذه هي تقريباً الحجج التي إستند إليها الذين ذهبوا الى تحريم هذا الفعل، ولهذا أصدرت العديد من الدول تشريعات تحرم القيام به على أراضيها. ولكن بغضِّ النظر عن الأسباب التي ذكرناها فإننا نقول رداً على ذلك أن هذا الفعل يشكّل في جوهره عملية متقدمة ومتطورة من كيفية الحمل والولادة، بمعنى أن الإنسان قبل حصول هذا التقدم العلمي الهائل كان يتولد من خلال عملية التلقيح الطبيعي الناتج عن التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة حيث تلتقي
النطفة الحاملة للحيوان المنوي عند الرجل بالبويضة عند المرأة، ثم تمر البويضة الملقّحة بمراحل النمو وهو رحم الأم حتى يكتمل وتدخل إليه الروح، ويخرج الى الحياة عندما يحين الوقت لذلك، لكن مع تقدم العلم تطورت عملية التلقيح فبدلاً من أن تتم في الرحم، صار هناك إمكانية لإجراء التلقيح خارج الرحم ثم إعادة البويضة الملقحة إلى رحم المرأة لتنمو داخله، وهذا الأمر لم تثر حوله أية ضجة يومها طالما أن الأمر ناتج عن النطفة والبويضة، وكان هذا الحل علاجاً للكثير من الرجال والنساء غير القادرين على الإنجاب لصعوبة حصول التلقيح داخل الرحم أو لتعذره. والذي حصل بعد ذلك أن التقدم العلمي والتقني أثبت أن كل العناصر الدخيلة في عملية التلقيح الموجودة في النطفة والبويضة موجودة أيضاً في خلايا الإنسان، فعمل العلماء على تطور هذا الأمر حتى توصلوا إلى "إستنساخ " النعجة "دوللي" والتي كانت أول مخلوق حيّ يولد عن هذا الأسلوب العلمي المتقدم، وصار الأمر حقيقة وواقعاً بعد أن كانت خيالاً محضاً قبل حصوله. وبعد نجاح التجربة على الحيوان صار هناك إمكانية كبيرة لنجاح التجربة على الإنسان، وهذا ما حصل فعلاً وحصلت أول ولادة إذا صحت كما يقولون وأطلقوا عليها إسم "حواء". ومع غض النظر عن صحة حصول هذا الأمر أو عدم حصوله، فإن رأي الإسلام الشرعي في هذا الموضوع أنه جائز وحلال ولا مبرر للحكم عليه بالحرمة أصلاً، والأسباب التي ذُكرت لتحريمه لا تقوى ولا تنهض لتكون دليلاً على التحريم، وكل ما في الأمر أن الإستنساخ هو عملية متقدمة ومتطورة لطريقة الحمل والولادة لا أكثر ولا أقل. وأما القول بأن هذا الفعل هو إنتهاك لكرامة الإنسان فهذا الكلام لا معنى له ولا قيمة، إذ ما هو الفارق بين الطفل المتولد من التلقيح الطبيعي أو الصناعي والطفل المتولد من الإستنساخ؟ وهل كرامة الإنسان مرتبطة بكيفية ولادته، أو مرتبطة باحترام حقوقه كإنسان له ما للآخرين وعليه ما على الآخرين؟ وهذا الفعل ليس فيه أي تحدٍ للخالق سبحانه وتعالى في الخالقية، لأن الإنسان بقدرته العلمية التي وهبها الله له توصل الى هذه النتيجة العلمية لكيفية الولادة عبر الإستنساخ، وليس هو الذي يفعل الخلق بل الله سبحانه وتعالى يهب الحياة، لأنها من الله وليست من الإنسان العاجز عن خلق الحياة، وأما المشاكل النفسية والجسدية التي تحدثوا عنها فهذا الكلام ما زال مجرد فرض علمي لا حقيقة له في الواقع، وهذا الأمر لن ينكشف إلا بعد حصول ولادات كثيرة عن هذا الطريق ومراقبة نمو هؤلاء جسدياً ونفسياً حتى يحصل التأكد من هذه الإفتراضات، وكذلك الحال بالنسبة للتشوهات الخَلقية والخُلقية هي مجرد افتراضات أيضاً لا تصلح دليلاً للردع عن الإستنساخ، وليس هذا الفعل منافياً للنظام الطبيعي للولادة وتكاثر النسل البشري، لأن الخلية الملقحة تحتاج بالنهاية إلى رحم إمرأة توضع فيه لتكتمل مراحل نموها وهي الفترة اللازمة للحمل حتى تحصل الولادة. وبالجملة فالإستنساخ سواء في النبات أو الحيوان أو البشر لا مانع منه شرعاً ولا إشكال في حليته لعدم وجود دليل على تحريمه من أي جهة من الجهات، والإسلام لا يقف في وجه التقدم العلمي إذا كان غير متعارض مع الحياة البشرية وكان نافعاً ومفيداً ولا توجد موانع شرعية كما أوضحنا. نعم لو فرضنا أن هناك بعض السلبيات التي قد تنتج عن الإستنساخ يمكن ساعتئذٍ إصدار أحكام شرعية تحرم تلك السلبيات، أو إيجاد قوانين عند الدول لا تسمح بتلك السلبيات في حال وجودها أو تحققها في عالم الواقع. والحمد لله رب العالمين.