الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

التسمية على الذبيحة

sample imgage

قبل الدخول في صميم البحث عن التسمية وفوائدها من وجهة نظر الإسلام لا بد من الإشارة الى أمر مهم جداً وهو أن "الحيوانات غير الإنسان مخلوقة بنحو يمكنها أن تفهم وفق الفطرة التي خلقها الله عليها"، وكل نوع من أنواع الحيوان يفهم أفراده بعضهم بعضاً، وهذا ما نراه من خلال عملية التناسل والتكاثر بين كل من أنواع الحيوان، يُضاف الى ذلك أن الحيوانات تعرف خالقها الذي أبدعها وأوجدها، فهي بالتالي من خلال غريزتها المفطورة عليها تعرف ما يشير الى الخالق من كلمات وألفاظ، وقد ورد في القرآن ما يشير الى هذه الحقيقة، مثل ما نقل القرآن عن لسان نبي الله سليمان (وورث سليمان داود وقال أيها الناس عُلِّمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ...)، بل يخبرنا القرآن أن النملة قد تحدثت

وخاطبت بني جنسها عندما وصل النبي سليمان الى وادي النمل (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لَيَحطِمَنَّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ...) وكذلك عندما تفقد الهدهد ولم يجده، ثم جاء الهدهد وقال للنبي سليمان (عليه السلام): (أحطت بما لم تُحِط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدُّتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم فهم لا يهتدون...)، وما يدل على أن مخلوقات الله تعرف ربها وخالقها هو قوله تعالى: (تسبح له السموات السبع والأرض وما فيهن، وإن من شيء إلا يسبِّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم...).

من هنا ندخل الى وجوب ذكر التسمية على الحيوان سواء كان حلال الأكل أم حرام الأكل، فالتسمية عندئذٍ تجعل من لحم مأكول اللحم طاهراً أو حلالاً، وتجعل من الحيوان غير المأكول اللحم مزكى وجلده طاهر اذا كان له منافع كصنع الملابس الجلدية وغيرها مما هو معروف.

ولكن المهم من هذا البحث هو "التسمية على الحيوان الحلال أكله" كالبقر والغنم والماعز التي هي الأكثر إنتشاراً للذبح والأكل، وقد ورد في القرآن أن الحيوان الذي يتم ذبحه بدون التسمية يحرم أكل لحمه وهو ميتة نجسة، في العديد من الآيات ونذكر منها قوله تعالى (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراءً على الله سيجزيهم بما كانوا يفترون...) وكذلك ( ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإنه لفسق...) وقوله تعالى( قل لا أجد فيما أُوحيَ اليَّ محرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أُهلَّ لغير الله به، فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفور رحيم).

هذا من الناحية الشرعية والفقهية، أما من الناحية العلمية فقد أثبتت الدراسات أن الحيوانات التي لا  تُذبَح بالطريقة الإسلامية لا يستطيع الحيوان المذبوح قذف كل الدم المفروض خروجه منه ويبقى داخل جسد الحيوان ويختلط باللحم الذي سيؤكل، مما يؤدي بالتالي الى أن يصبح اللحم موبوءاً أو ملوثاً بالجراثيم بشكل كبير، بحيث يؤدي الأكل المستمر من هذا اللحم الى التأثير على صحة الإنسان ويتجلى ذلك في شكل بشرة الإنسان وظهور آثار الهرم المبكر عليه، مضافاً الى سرعة فساد اللحم غير المذكَّى بسبب كثرة الجراثيم المتراكمة فيه.

بينما الطريقة الإسلامية التي توجب التسمية عند الذبح فهي قد أثبتت من خلال الفحوص الطبية أنه طاهر ونظيف من كل تلوث جرثومي ومن كل البقع الدموية، لأن الطريقة الإسلامية في الذبح تؤدي الى قطع الدم والهواء فوراً عن دماغ الحيوان ويصاب بإغماء كامل ويفقد الحس، لأن الذبح يتم من الوريد اي قطع "الأوداج الأربعة" المعروفة، ويصبح الحيوان بالتالي متحرراً في حركته مما يؤدي الى خروج كل الدم المفروض خروجه من جسده، فيصبح اللحم نظيفاً وخالياً.

وهنا قد يرد سؤال وهو "لماذا يحل للمضطر أن يأكل لحم الميتة مع أنه حرام؟" والجواب هو "إن المضطر هو الإنسان الذي وصل الجوع فيه الى حد قد تتلف نفسه منه، فإذا لم يجد أمامه إلا لحم الميتة فإن الإسلام قد أجاز للإنسان المسلم الأكل في هذه الحالة، وهنا بسبب شدة الجوع والطلب للطعام يجعل من عصارة المعدة الهاضمة الى عصارات قوية وشديدة وتنصب كلها على الطعام المحرَّم بعد أكله، وتستطيع هذه العصارات بفعاليتها القوية الناتجة عن شدة الجوع من قتل الجراثيم وكل العوامل السلبية الموجودة في الميتة".

وبالإضافة الى ذلك أن الحيوان الذي تتم التسمية عليه يدخل الى حالة الذبح بكل يُسر وسهولة، وتأتي طائعة مختارة وكأنها راضية ومستسلمة لقدرها الذي قدره الله لها من الذبح ويسيل الدم منها بشكل واضح وصريح وكبير، وأما الذبائح التي لا يتم التسمية عليها فتساق قسراً الى المذبح ولا يخرج منها دم كثير بل يبقى مختلطاً باللحم، وهذا الكلام ذكره الدكتور ابراهيم سيف الدين الذي كان يعمل في أكبر المذابح في سوريا.

من هنا ندرك أهمية التسمية على الذبيحة أن الحيوان المذبوح بمجرد أن يخرق سمعه كلام يذكر اسم الله فينتفض كله مما يؤدي بعد ذبحه الى خروج الدم المفروض خروجه كله ولا يبقى منه شيء في جسم المذبوح، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الحكمة الإلهية والعناية الربانية بالبشر من جهة، ويدل على الرعاية الإلهية للحيوان المذبوح الذي يعلم أن ذكر اسم الله عليه يجعله ذبيحة وفق الفطرة التي خُلق عليها فينساق الى الذبح الذي قدره الله له، وقد ذكر الإسلام مستحبات كثيرة من المستحسن القيام بها قبل مباشرة الذبح مثل أن يُسقى الحيوان ماءً، وأن لا يرى آلة الذبح والى غير ذلك مما نجده في الكتب الفقهية التي تتحدث عن شروط الذابح والذبيحة والمستحبات المفروض الإتيان بها.