قيمة العمل في الإسلام
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 1646
قال الله تعإلى في محكم كتابه: { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ... }، 73 / القصص . وعن الإمام السجاد (عليه السلام) في الدعاء السادس من أدعية الصحيفة السجادية: ( ... فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النّصب ، وجعله لباساً ليلبسوا من راحته ومنامه ، فيكون ذلك لهم جماماً وقوّة ، ولينالوا به لذّة وشهوة . وخلق لهم النهار مُبصراً ، ليبتغوا فيه من فضله، وليتسبّبوا إلى رزقه ، وليسرحوا في أرضه ، طلباً لما فيه نيل العاجل من دنياهم ، ودرك الآجل في أخراهم ) . لم نجد أفضل من هذا المقطع لتوضيح ما أجملته الآية الكريمة من معانٍ لخلق الليل والنهار ، التي نستفيد منها أنّ الله عزّ وجلّ قد جعل الليل موطناً للراحة والتلذّذ بالنوم ، والنهار موطناً للعمل والإنتاج ، وهذا ممّا يعني أنّ الإنسان خُلق ليعمل ، إلاّ أنّ عمله ينبغي أن يحقّق هدفين معاً : الهدف الأول : تأمين مستلزمات حاجياته الدنيوية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم والطبابة وغير ذلك . الهدف الثاني : تأمين الإنتقال من دار الدنيا إلى دار
الآخرة بالطريقة التي أراد الله للبشر ، أي: ((الإلتزام بالتشريع الإلهي )) دون غيره . ومن أفضل النصوص التي توضح الحاجة الإنسانية إلى العمل والإنتاج ، وأنّ هذا الأمر هو من اللوازم التي لا يمكن للبشر أن يستغنوا عنها هو ما ورد عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه إلى أحد أصحابه وهو (( المفضل بن عمر )) حيث يقول له: ( إعتبر يا مفضل ، بأشياء خلقت لمآرب الإنسان ، وما فيها من التدبير ، فإنّه خلق له الحبّ لطعامه ، وكلّفة طحنه وعجنه وخبزه ، وخلق له الوبر لكسوته ، فكلّف ندفه وغزله ونسجه ، وخلق له الشجر فكلّف غرسها وسقيها والقيام عليها ، وخلقت له العقاقير لأدويته ، فكلّف لقطها وخلطها وصنعها ، وكذلك نجد سائر الأشياء على هذا المثال . فانظر ! كيف كفي الخلقة التي لم يكن عنده فيها حيلة ، وترك عليه في كلّ شيءٍ من الأشياء موضع عمل وحركة لما له في ذلك من الصلاح ، ولأنّه لو كفي هذا كلّه ، حتى لا تكون له في الأشياء موضع شغلٍ وعمل ، لما حملته الأرض أشراً وبطراً ، ولبلغ به كذلك إلى أن يتعاطى أموراً فيه تلف نفسه ، ولو كفي الناس كلّ ما يحتاجون إليه ، لما تهنّأوا بالعيش ، ولا وجدوا له لذّة ، ألا ترى لو أنّ امرء أنزل بقومٍ فأقام حيناً بلغ جميع ما يحتاج إليه من مطعمٍ ومشرب وخدمة ، لتبرّم بالفراغ ، ونازعته نفسه إلى التشاغل بشيء ؟ فكيف لو كان طول عمره مكفياً لا يحتاج إلى شيء ؟ وكان من صواب التدبير في هذه الأشياء التي خلقت للإنسان أن جعل له فيها موضع شغل لكيلا تبرقه البطالة ، ولتكفًه عن تعاطي ما لا ينا له ، ولا خير فيه إن ناله ) . من هنا كانت موقعية العمل في الإسلام مميزة ، لأنّه الوسيلة لتحصيل الرزق من جهة ، ولإعمار الحياة الدنيا من الجهة الأخرى ، ولأنّه يملأ وقت الناس ، فلا يتلهون حينها بما لا ينفع إن لم يكن فيما يضر ، لأنّ البطالة والفراغ لا ينتجان غالباً إلاّ الأشخاص الذين يصبحون عالة على المجتمع ، فيضطرّون لملء أوقاتهم بالأمور التي قد ينشأ عنها الخلافات والفوضى والمشاكل المتعدّدة ، كما يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه لصاحبه . لهذا نجد التأكيد من الشارع المقدّس على أن يكون للإنسان عمل ، على أن يكون ممّا أحلّ الله الإكتساب بواسطته ، ومن الأحاديث الواردة في هذا المجال عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث سُئل : (أيّ كسب الرجل أطيب ؟ قال : عمل الرجل بيده ) ،وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم ): (كلوا من كدّ أيديكم ) ، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً: ( طلب الحلال فريضة على كلّ مسلمٍ ومسلمة ) . بل نجد أنّ الإسلام عندما يوازن بين العابد العاطل عن العمل ، وبين العامل المنتج ، فهو يقدّم العامل على العابد ويجعله راجحاً عليه ، وما يشير إلى ذلك هو الحديث المنقول عن النبي عيسى (عليه السلام) وحوارييه : حيث إنّهم اتّبعوا عيسى ، وكانوا إذا جاعوا قالوا : يا روح الله جعنا ! فيضرب بيده على الأرض ـ سهلاً كان أو جبلاً ـ فيخرج ماء فيشربون ، ... قالوا : (( يا روح الله )) من أفضل منا ، إذا شئنا أطعمتنا ، وإذا شئنا سقيتنا ، وقد آمنّا بل واتّبعناك ؟ قال : (( أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه )) . والحمد لله ربّ العالمين.