الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

مؤسسات الدولة عند الإمام "قده"

sample imgage

من الواضح أنّ كلّ دولةٍ تقوم على مجموعة من المؤسسات الدستورية التي تهتمّ بالجوانب التشريعية والتنفيذية على مستوى كلّ ما تحتاجه حركة المجتمع، والمفترض أن تكون قادرة على المواكبة والتتبّع حتّى تستطيع القيام بما هو مطلوب منها وقت الحاجة، فلا تتأخّر عن حركة شعبها بنحوٍ يلزم عن ذلك تخلّف، ولا تتقدّم بحيث لا تستطيع الناس المتابعة.

من هنا، فالوظيفة الأساس لمؤسسات الدولة هي مراعاة المصالح العامّة للشعب والسعي للحفاظ عليها وتقويتها من جهة، واجتناب المفاسد العامة ومحاولة إنقاذ الشعب منها إن كانت قائمة.

 

وفي الإسلام تأخذ هذه المؤسسات دوراً مهماً وفاعلاً، لأنّها الإنعكاس العملي للشريعة، ولهذا مطلوب في أصل عملها أن لا تخرج عن الحدود الشرعية في سنّ القوانين أو تنفيذها، بل يعتبر الإسلام أنّ ما هو مخالف لأُسُسه مرفوضٌ ولا يجب على الناس تنفيذه والتقيّد به وإنّما يجب السعي لإلغائه.

من هذه المقدمة نرى أنّ الإمام "قده" يركّز على ضرورة أن تكون هذه المؤسسات وبالأخص منها التي تتولّى الجانب التشريعي ذات دورٍ كبير في المحافظة على التوجّه الإسلامي للدولة، كونها المخوّلة بإصدار القوانين والتشريعات التي تعتبر أساس الحركة التنفيذية لكلّ المؤسسات الأخرى، فنراه يعبّر عن مجلس الشورى بتعبيراتٍ مهمة فيها إرشادات واضحة إلى المسؤولية الخطيرة التي يتولاّها ويقول: ( يجب على مجلس الشورى الإسلامي إرشاد الأمة، لأنّ المواضيع التي تطرح فيه سوف تظهر في خارج المجلس وتنعكس على الناس، وهي أنّه المرشد والهادي للناس)، ثمّ يقول في كلامٍ آخر: ( المجلس الذي هو أساس أيّ دولة إنّما هو مكانٌ لبحث وصياغة النظام الأخلاقي للأمّة، والتعامل مع المخالفين للقانون بهدوءٍ وبنحوٍ أخلاقي أفضل لرفع الإختلافات).

وبهذا نرى أنّ الإمام الخميني "قده" يعتبر المجلس بأنّه المؤسسة التي تشكّل الدعامة الأساسية في تحويل الإسلام من نظريات إلى أنظمة تفصيلية تراعي كلّ الأسس والضوابط الشرعية، ولهذا لم يكتفِ الدستور الإسلامي بعمل مجلس الشورى، وإنّما أوجد مؤسسة أخرى إلى جانبه تملك حقّ نقض قراراته وهي ( مجلس صيانة الدستور) الذي له الحقّ بردّ أيّ قانونٍ يصدره المجلس إذا وجد فيه مغمزاً أو مخالفة لقاعدة من القواعد الشرعية.

وبهذا يختلف دور هذه المؤسسات في الدولة الإسلامية عن دورها في الأنظمة خارج إطار الإسلام، فوظيفة تلك المؤسسات هناك تشريع كلّ ما هو قائم وإعطاؤه الصفة القانونية من دون ملاحظة الأبعاد الأخروية كالتي يحملها ديننا ويُطلَب من المؤسسات التشريعية رعايتها ومن التنفيذية منع وجودها بين أوساط الناس والجماهير بسبب مخالفتها الواضحة.

وهكذا ينسحب هذا الأمر عند الإمام "قده" على مستوى مؤسسات التربية والتعليم ويقول: ( إنّ مسألة الثقافة والتربية والتعليم هي في رأس المسائل المطروحة في الدولة، وإذا حُلَّت المشاكل التعليمية والثقافية بالشكل الذي تقتضيه مصالح الوطن فسوف تُحلّ المشاكل الأخرى بسهولة).

وهكذا الأمر بلحاظ كلّ المؤسسات الأخرى ومنها الأمنية والعسكرية المطلوب منها حماية الوطن من الأخطار الخارجية أو الداخلية من دون أن تتحوّل إلى سيف مسلَّط لحماية النظام وأهله من شعبه وأمّته كما هو الحال في الكثير من أنظمة العالم الثالث المتخلّفة كثيراً في هذا المجال.

وبهذا كلّه يجعل الإمام "قده" الدولة بكلّ مؤسساتها في خدمة الشعب وقضاياه، وإذا لم تكن في هذا الموقع فهي تفقد شرعيّتها وتسقط من الإعتبار لأنّها خالفت وظيفتها وخانت الأمانة وخرجت عن مسارها الصحيح.

إنّ مثل هذه الدولة التي لن نجدها إلاّ في رحاب الإسلام هي الهدف الذي ينبغي علينا السعي لإيجاده في الأرض لتحقيق الأمن والسلام والعدالة الإجتماعية المفقودة اليوم في معظم بقاع العالم بسبب إنحراف الدول عبر قوانينها وأنظمتها.

 

والحمد لله ربّ العالمين.