الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

إنّ ربّك لبالمرصاد

sample imgage

يقول الله تعالى في محكم كتابه: {... ألم تر كيف فعل ربّك بعاد، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب، إنّ ربّك لبالمرصاد}.

تشير هذه الآيات المباركات إلى مصير ثلاث ممالك من العصر القديم وهي "إرم ذات العماد" و"ثمود" و"فرعون ذي الأوتاد" و"القاسم المشترك بينها هو أنّها ممالك طغت وتجبّرت وتكبّرت على الخالق فظلمت وعتت وقهرت الناس وأذلّت البلاد والعباد، وأكثروا من الفساد في الأرض إلى حدٍّ بعيد، وبعث الله إليهم الأنبياء والرسل لكي يهدوهم وينهوهم عن أفعالهم الشنيعة وممارساتهم المنحرفة التي جعلت من حياة الناس جحيماً لا يُطاق، إلاّ أنّهم لم يستمعوا إلى نداءات الأنبياء (عليهم السلام) وخالفوهم وكذّبوا دعواتهم حرصاً على عروشهم ومصالحهم واستعبادهم للناس.

ومن نماذج الأفعال الشريرة التي قام بها "إرم" هو أنّ ولده "شدادا" أراد أن يبني جنّة في الأرض يضاهي بها جنّة الله في السماء طغياناً وكفراً، لكنّ الله لم يمهله ليتنعّم بها، فبعد الإنتهاء من بنائها في إحدى مناطق اليمن وكان يسير نحوها للإقامة فيها، أهلكه الله ومن معه بالصيحة فلم ينج منهم أحد.

 

وأمّا ثمود فقد أرسل الله إليهم معجزةً وهي النّاقة التي كانت تشرب الماء يوماً وتعطيهم الحليب في اليوم الثاني، ونهاهم نبي الله صالح عن قتلها، لأنّه بذلك سينزل عليهم الغضب الإلهي، لكنّهم بسبب طغيانهم قتلوها وقالوا لصالح (عليه السلام): (إئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)، فأرسل الله عليهم العذاب، فلم ينج منهم إلاّ النبي والقلّة التي آمنت برسالته ودينه.

وأمّا فرعون الذي كانت لديه الجيوش العظيمة لتوطيد مُلكه وسلطانه وادّعى الربوبية وطغى في الأرض ومارس الإرهاب والظلم ضدّ البشر جميعاً ومنهم بني إسرائيل كما يُخبر القرآن عن ذلك فيقول :{وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يُقتّلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيم}، وأراد أن ينازع الله سلطانه عندما قال لقائد جيوشه هامان :(إبن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب...)، فكان عاقبة أمره أن أغرقه الله ومن معه من الجيش في البحر، ونجا نبي الله موسى (عليه السلام) وقومه من ذلك العذاب المهين.

والعبرة من قصص هذه الممالك الثلاث هي أنّ الله عزّ وجل كان بالمرصاد للكفر والإلحاد والبعد عن القيم الإنسانية والظلم والعتو والطغيان الذي مارسته تلك الممالك فكانت نهايتهم أن صبّ عليهم الله سوط العذاب فأهلكهم وأباد شعوبهم ما عدا المؤمنين منهم.

وفي عصرنا الحاضر نرى أنّ هناك قوّة إستكباريّة تريد أن تسير على خطى تلك الممالك التي ذكرها الله في القرآن، وهذه القوّة هي "الشيطان الأكبر أمريكا" التي تعتبر الإمتداد والإستمرار في هذا الزمن للقوى الطاغوتية التي تريد أن تهيمن على العالم ومقدّراته وثرواته وقرارات دوله السياسية، وأن يكون العالم كلّه تحت لوائها ينفّذ ما تريد، ويمتنع عن تنفيذ ما لا ينفعها، فمن دخل معها وسار تحت لوائها فله كلّ التسهيلات والمنافع والمزايا ولو كان طاغية متجبّراً متكبّراً كإسرائيل التي ترتكب من المجازر والجرائم اليومية بحقّ الشعب الفلسطيني المظلوم، فمن القتل إلى الجرح إلى الإعتقال، إلى تدمير البيوت وجرف الأراضي الزراعية وتخريب البنية التحتية لتتحوّل حياة ذلك الشعب إلى جحيمٍ لا يُطاق، وككثيرٍ من القوى والدول في العالم التي تريد الرضا الأمريكي طمعاً بأخذ حصّة أو نصيبٍ منه.

فتلك القوّة الإستكبارية الشيطانيّة تلوّح اليوم بالحرب على العراق كعنوانٍ ومدخل للحرب على الإسلام والمسلمين، لأنّها وجدت أنّ هذا الدين المتين هو القوّة الوحيدة المتبقية في العالم والتي يمكن أن تقف في وجه سيطرتها المطلقة على العالم، وها هي تحشد أساطيلها البحرية وقوّاتها الجوية وجيوشها البريّة التي صارت بمئات الآلاف من أجل السيطرة على المنطقة العربية الإسلامية كإجراءٍ إستباقي لنهضة العالم العربي والإسلامي، ولمنع هذه الأمّة من الوقوف على قدميها لمحاربة الهيمنة الأمريكية وتبعاً لها الغطرسة الإسرائيلية المُحتمية بها والتي تمارس الإرهاب بحماية أمريكا الطاغية الأكبر في هذا الزمن المعاصر.

لكن كلّ ما تفعله أمريكا اليوم لن يحقّق لها الهدف المنشود لأنّ ربّك بالمرصاد الذي نصر عباده المؤمنين في هذا الزمن أكثر من مرّة ضد هذا الشيطان الأكبر، فلقد هزم الإسلام المحمدي الأصيل أمريكا ثلاث مرات في ربع قرن بفضل الله، وتلك الإنتصارات هي:

* الأول: يوم تمّ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني "قده" وطرد الشاه عميل أمريكا.

* الثاني: يوم انهزم العراق في الحرب التي شنّها على الجمهورية بأمرٍ من أمريكا وأذنابها من الأنظمة الرجعيّة والعميلة.

* الثالث: يوم انتصار المقاومة الإسلامية وشعبها على إسرائيل العدوة المغتصبة التي ذاقت الهزيمة المرّة في لبنان على أيدي المجاهدين الحسينيين، ومن المعلوم أنّ هزيمة إسرائيل هي عين هزيمة أمريكا لأنّهما من لونٍ واحد وتوجّه إستكباري وشيطاني واحد.

من هنا نقول إنّ العدوان الأمريكي على الأمّة بحجّة العراق لن يكون سهلاً وسيكون الله بالمرصاد لتلك القوّة العاتية وسيهلكها الله كما أهلك من جاء قبلها وارتكب الجرائم بحقّ الإنسانية، والعذاب هذه المرة سيكون بأيدي المؤمنين الصالحين الملتزمين المنطلقين من عمق الإسلام الذي يدعو إلى الجهاد والتضحية دفاعاً عن المعتقد والدين والأرض والحرمات بالغالي والنفيس:{ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

والحمد لله رب العالمين