الجمعة, 22 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

رفض التبعيّة

sample imgage

في النظام الدولي قبل سقوط الإتحاد السوفياتي وتفكّك منظومة الدول الإشتراكية، كان يحكم العالم قطبان يتنازعان فيما بينهما قضية السيطرة على العالم بدوله وموارده وسياسته، وقد أدّت الحرب الباردة بين هاتين القوتين إلى صراعاتٍ عديدةٍ بين الدول التابعة لهما في مجمل مساحة العالم الثالث في أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية فقدت خلالها الشعوب المستضعفة من دماء أبنائها ومن مواردها الشيْ الكثير الذي ما زالت تعاني منه حتى اليوم.

 

في ظلّ ذلك النظام حاولت بعض الدول من العالم المسحوق بإرادة القوّتين العظيمتين إيجاد قوّة عالمية ثالثة تقف على الحياد بين القوّتين والمعسكرين التابعين لهما ونشأت فكرة "عدم الإنحياز" التي روّج لها بعض الرؤساء البارزين لدولٍ مستضعفة "كعبد الناصر ووثيثو ونهرو"، وعقدت مؤتمرات أوّلها كان في أندونيسيا، إلاّ أنّ هذه الفكرة سرعان ما سقطت وبقيت إسما بلا مضمون، لأنّ الإنحياز من الدول المنتجة إلى هذه الفكرة كان قائما ومتحقّقا، وصارت المؤتمرات التي تُعقد خالية من أيّ مضمون حقيقي يعبّر عن استقلالية دول العالم الثالث عن السيطرة والخضوع للقوّتين الكبيرتين.

ذلك الإنسحاق للدول المستضعفة والفشل الذي أصاب فكرة "عدم الإنحياز" عاشهما الإمام الخميني"قده"" وعاصرهما خلال فترة نضاله وجهاده ضدّ الحكم الشاهنشاهي في إيران، وكان يعبّر بألمٍ ومرارةٍ عن الوضع الصعب الذي ترزح تحته الشعوب المستضعفة أمام سطوة وجبروت القوى الكبرى، ويقول في هذا المجال: ( إنّ كلّ متاعب العالم إنّما هي من هذه القوّة العظمى التي تدّعي أنّها تقوم بهذه الأعمال من أجل الصلح، يرتكبون كلّ هذه الجرائم، ويجرّون كلّ هذه الدول إلى الصراع الدمويّ فيما بينهم، ويزعمان أنّهم لا يستطيعون رؤية حقوق الإنسان مهدورة ومقضيّا عليها، إنّهم يزعمون زعما لا واقعية له، بل الواقع بخلافه بين المسلمون والمستضعفون في غفلة).

من هذا الواقع المرير االذي كانت تمرّ فيه هذه الشعوب المستضعفة، ومن منطلق أنّ الأصالة الإسلامية ترفض التبعيّة التي تؤدّي إلى إلغاء حريّة القرار والإستقلال،وإلى سيطرة المستكبرين على الموارد والثروات لدى الشعوب طرح الإمام الخميني "قده" فكرة "لا شرقية، لا غربية" كشعارٍ للثورة للتدليل على أنّها ليست مرتبطةً بأيّة قوّة كبرى في العالم، وأنّ الثورة ضدّ الشاه العميل الأميريكي لا تعني بالضرورة الإرتباط بالقوة الكبرى الثانية وهي روسيا الشيوعية، وكان هذا الشعار على خلاف كلّ شعارات الثورات التي تميّزت بها فترة الحرب الباردة التي كانت عبارة عن ثورات تابعة لأحد المعسكرين ولم تكن ثوراتٌ أصليّة، ولهذا كانت الثورة التي تنتصر - إن صحّ إطلاق اسم الثورات على الكثير منها – ما انتصاره إلا عبارة عن تغيير القوة الكبرى التي ترتبط بها تلك الثورة ليس إلاّ وبقاء التبعية وبكلّ ما تعنيه من الذل والخضوع لكن مع تغيير العنوان من الشرق إلى الغرب تارة، ومن الغرب إلى الشرق تارةً أخرى.

ولأجل رفع التوهّم الذي كان مترسّخا في أذهان غالبية شعوب العالم من أنّه لا يمكن أن تقوم ثورة غير مستندة إلى إحدى القوّتين العالميتين يقول الإمام "قده":(إنّ واجبنا أن نقف في مواجهة المستكبرين ولدينا القدرة على الوقوف بشرط أن يتخلّى المتفقون عن الشرق والغرب، وعن التشرق والتغرب، وأن يتبعوا الصراط المستقيم للإسلام وللأمة، فنحن في صراعٍ مع الشيوعية بنفس المقدار الذي تكافح فيه ضدّنا هي العالم الغربيين بزعامة أمريكا.....) .

وانطلق الامام "قده" بهذا الشعار واستطاع أن يقود شعبه نحو النصر المؤزّر من دون مساعدة أيّة قوةٍ عالمية في صنع النصر التاريخي شبه المنجز في هذا القرن، وبقي هذا الشعار العظيم حاكما لمسيرة الثورة بعد الإنتصار والتحوّل إلى دول إسلامية، ويقول الامام في هذا المجال: (حافظوا على سياسة لا شرقية ولا غربية في جميع المجالات الداخلية والعلاقات الخارجية....).

ورفض التبعيّة عند الإمام "قده" من جملة ما كان يعنيه أيضا هو أنّ العلاقات مع الدول الأجنبيّة ينبغي أن تنبع من المصالح العليا للأمة والإسلام، ويقول في هذا المجال أيضا :(سوف تكون علاقتنا مع الأجانب على أساس الإحترام المتبادل، وفي هذه العلاقة لن نستسلم للظلم ولا نظلم أحدا، وبالنسبة لكلّ الإتفاقات سوف نعمل على أساس المصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لشعبنا)، ويقول: ( إنّ سياستنا مبنيّة على أساس حفظ الحرية والإستقلال وحفظ مصالح الناس ولن نضحّي بهذا لأصل من أجل أيّ شيءٍ آخر).

من هنا دعا الإمام "قده" كلّ الشعوب المستضعفة التّوّاقة للحرية والإستقلال والعزة إلى سلوك الطريق الذي انتهجه الشعب المسلم في إيران للوصول إلى المقاصد الحقيقية لتلك المفاهيم التي كانت قد فقدت كلّ بريقها وقوّتها على يد القوى الكبرى في عالم اليوم ويقول: (أنا أعلن مرةً أخرى حمايتي وتأييدي لجميع الحركات التحرّرية في العالم، حتّى ينجحوا في تحقيق مجتمعهم الحرّ، آمل من الحكومة الإسلامية أن تساعدهم كلما اقتضى الأمر ذلك).

والحمد لله رب العالمين