التعصب والعصبية في اختيار الشريك الزوجي
- المجموعة: مقالات مختلفة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2355
من أعظم ما أنعم به الله علينا نحن ـ المسلمين ـ أنّه جعل وحدة العقيدة والتوجّه إليه والإرتباط به أقوى من كلّ أنواع العلاقات والروابط الأخرى، ولهذا قال في كتابه الكريم: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}، فجعل المفاضلة والإكرام على أساس هذه المسيرة الأخلاقية الرفيعة، إنطلاقاً من مبدأ قرآني آخر هو :{إنّما المؤمنون إخوة}.
ومن هنا، فعندما يتقدّم شابٌ مؤمن للزواج من فتاةٍ مؤمنة بحيث يكون كلا الطرفين مستوفيين للمواصفات الشرعية والأخلاقية والسلوكية، فينبغي في هذه الحالة أن لا يعارض أهل الفتاة مثل هذا الزواج بسبب اعتبارات وموازين عرفية لا ترقى إلى مستوى الأخلاقية المستلزمة للإنسان المسلم.
إذ بمجرّد أن يكون الشاب محسوباً أو مولوداً في منطقةٍ ما أو الفتاة كذلك، فهذا لا يعطي الحق لأهل الطرف الآخر بالرفض أو بالقبول، لأنّ هذا المقياس كما لا أساس له في شرعنا الإسلامي، بل قد يجرّ مثل هذا المقياس غير السليم في التعامل مع هذه القضية إلى نوعٍ من التحجّر والعصبية المبغوضة في شرعنا والمرفوضة في أعرافنا وتقاليدنا كملتزمين، وقد قال أهل بيت العصمة في العديد من الروايات الواردة عنهم: (من رضيتم دينه وخلقه فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
من هنا نعتبر أنّ تقديم العوامل النفسية غير السليمة من حيث أسسها ودوافعها على الموازين الشرعية والإسلامية المبيّنة على الكاشفية النوعية والتي تشيع جداً من الإطمئنان الروحي أوالعملي لأهل الفتاة أو الشاب على حدٍّ سواء. هو تقديم مشتبه به شرعاً، ويعدّ من جهةٍ أخرى تسليماً أو استسلاماً لعادات وأعراف ما زال قسم من مجتمعنا مأسوراً بها مع أنّها لا تملك المصداقية الإنسانية أو الأخلاقية أو حتى الشرعية.
فرفض شاب أو فتاة لمجرّد أنّه من منطقة، وقبول آخر لأنّه من منطقةٍ أخرى هو نتيجة تعصّب وجهل، وهو أيضاً إغراء بالجهل وبالتعصّب المذمومين شرعاً وعند العقلاء.
إذ قد يكون الشاب الموافق لهوى الوالد مناطقياً فاسد الإيمان والأخلاق فيودي بابنته الملتزمة إلى المهالك، ويقف عائقاً أمام سعادتها ويكون قد حرمها من الإنسان الملتزم المؤمن بسبب ذلك التعصّب غير المبرّر الذي ستدفع هي ثمنه وقد يدفعونه هم أيضاً.
لهذا نحن نربأ بشعبنا وأهلنا الكرام أن لا ينساقوا خلف هذه المقاييس التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تعتبر من مخلّفات مرحلة الجهل التي أنتج لنا تخلّفاً وتعصّباً وتأثّرات كان المستفيد الوحيد منها أولئك الذين كانوا من الزعامات الإقطاعية والتقليدية.
كما إنّ على أهل الفتاة مورد هذه المشكلة أن يتعالوا عن هذه الأمور الصغائر وأن يحكّموا مقاييس الإسلام في مسألة الزواج، وبهذا يمنحون ابنتهم الفرصة لعيشٍ سعيدٍ بإذن الله مع الإنسان الذي ترى أنّ سعادتها معه، خاصة إذا التفتنا إلى أنّ ولاية الأب على ابنته في مسألة الزواج من أجل رعاية مصلحتها أو على الأقل حذراً من وقوعها في مفسدة معينة، ولهذا ألفت علماؤنا بأنّ الفتاة إذا كانت بحاجة للتزويج ولم يكن هناك شاب آخر متقدّم للزواج من قفر الفتاة، وكان الشاب المتقدّم إليها كفؤ من الناحية الشرعية جاز للفتاة أن تزوّج ويسقط اعتبار إذن الأب.