الأحد, 24 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الوحدة الإسلامية" الإسلام والثورة الحسينية

sample imgage

تميّزت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في تاريخنا الإسلامي الطويل أنّها وضعت الحدود والضوابط بين الحق والباطل حتّى لا تختلط الأمور ويشتبه الفهم أو يحصل الإلتباس والإرتباك عند الناس، وتلك الضوابط هي الترجمة العملية الصحيحة لآيات كتاب الله ونصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الحكم والحاكم وكيف ينبغي أن يكونا في الإسلام.

ولهذا فإنّ الثورة الحسينية هي ثورة الإستقامة ضدّ الإنحراف، وثورة الأصالة ضدّ العادات والتقاليد والقوانين الجاهلية الموروثة، وهي ثورة المبادىء ضدّ الإنتهازية على قاعدة "الغاية تبرّر الوسيلة"، وهي قبل كلّ هذا ثورة العموم من المسلمين آنذاك ولو لم يصرّحوا جميعهم بذلك ضدّ الخصوصية والفئوية التي كان يُعمَل على إرسائها في واقع الأمة الإسلامية آنذاك.

 

وبالرجوع إلى النصوص التي تركها لنا الإمام الحسين (عليه السلام) نستطيع بسهولةٍ ويُسر أن نستنبط تلك المعاني من دون حاجة إلى إعمال الكثير من الجهد الفكري عبر عملية بحثٍ وتحليل.

والنصوص المذكورة تتضمّن الأسباب التي ثار الإمام (عليه السلام) من أجلها، وتوضح الأهداف المقصودة لتلك الثورة، ويمكننا أن نحدّد ثلاثة عناوين هنا، العنوان الأول: - فساد الحاكم – والنصوص الدالة على ذلك هي:

الأول: (إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، ويزيد رجلٌ فاسق، شاربٌ للخمر، قاتلٌ للنفس المحترمة، معلنٌ بالفسق والفجور، ومثلي لا يُبايع مثله).

الثاني: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر عليه بقولٍ ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله)، ثمّ يكمل الإمام الحسين (عليه السلام) فيطبِّق هذه المواصفات السلبية التي توجب الثورة والخروج على المتصف بها وهو "يزيد بن معاوية وولاته وحاشيته وقادة جيوشه" ويقول :(وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن عبادة الرحمن...).

العنوان الثاني: - فساد الحكم – والنصوص الدالة على ذلك هي:

الأول: (... وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله...).

الثاني: (ألا ترون إلى الحق لا يُعْمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهَى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً حقاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً).

الثالث: (أمّا بعد أيّها الناس فإنّكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله، يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدَّعين – يزيد وأتباعه – ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان).

العنوان الثالث: - إصلاح المسار عند الأمة – والنصوص الدالة على ذلك هي:

الأول: (إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماًً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر...).

الثاني: (... إنّا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بُلِيت الأمة براعٍ مثل يزيد).

من خلال هذه النصوص جميعاً نلحظ أنّ الثورة الحسينية كانت إسلامية بالمعنى العام، لأنّ الهدف الأساس لها كان الإصلاح في أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي وصلت فيها الأمور إلى المستوى الذي يستلم فيها الحكم والتدبير شخص لا يتّصف بالشروط الشرعية للحاكم من منظار الإسلام وهي "الإيمان والعلم والإستقامة والعدالة والمحافظة على أرواح المسلمين وأعراضهم وأموالهم وحفظ المصالح العامة للأمة وإبعاد المفاسد العامة عن ساحتها ودرء الأخطار عنها وغير ذلك من الوظائف المنوط الإشراف على تنفيذها بالحاكم من موقع كونه الراعي والقائد للأمة"، ولذا نجد في الآية القرآنية التالية: {...الذين إن مكنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} المواصفات الإجمالية لوظيفة الحاكم المسلم وهي توجيه الناس لعبادة الله عزّ وجلّ وفتح كلّ السبل أمامها والسعي للمحافظة على أرزاق الناس وصيانة حياتهم العامة والخاصة، والأمر بالمعروف عبر تشجيع الأمة على كلّ ما يحقّق التعاون والتآخي والإنسجام بين أفرادها وجماعاتها، والنهي عن المنكر عبر الضرب بقوة على يد كلّ من يحاول بثّ الفرقة والإختلاف وإظهار البدع وإشاعة الفحشاء والمنكر وأصناف التحريف بين أفرادها.

فالإمام الحسين (عليه السلام) كان مسلماً موحّداً قبل أن يكون أيّ شيءٍ آخر، فهو كان للأمة كلّها وليس لفئةٍ دون أخرى، وهدفه الوحيد كان منع الخلافة الإسلامية من أن تتحوّل إلى مسألةٍ وراثية يتوارثها الأبناء عن الآباء من دون وجه حق ومن دون اتّصاف بالشروط الشرعية لمن يستلم زمام أمور الأمة، حيث لم يكن أخطر على الأمة آنذاك من تحوُّلِ الخلافة والولاية التي هي منصب ذو أبعاد إلهية يتولّى من يديره شؤون الأمة من موقع إيمانه وارتباطه بالله ومن موقع الشريعة الإلهية التي أُنيط بخليفة المسلمين مراعاة تطبيقها والتزام أحكامها في كلّ القضايا المرتبطة بحياة الأمة، إلى منصبٍِ دنيوي بحت لا يقيم الحاكم للإسلام وأحكامه أيّ اعتبار ولا يجعل لها أية قيمة في مسيرة حكمه للناس وللأمة، تماماً كما كان يزيد الذي أورثه معاوية الخلافة على الأمة وهو من هو في مواصفاته السلبية كما أوضحها الإمام الحسين (عليه السلام).

ولهذا نجد أنّ يزيد بن معاوية بمجرد أن استلم الخلافة أرسل إلى واليه على المدينة المنورة أخذ البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام) وفي حال الرفض أن يرسل له رأس الإمام (عليه السلام)، وتضمّنت رسالة يزيد ما يلي :(أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فعجِّل عليَّ بجوابه، وبيِّن لي في كتابك كلَّ من في طاعتي، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي).

فهل كان الحسين (عليه السلام) خارجاً عن حريم الإسلام أو أنّه والعياذ بالله كان متّصفاً بصفات سلبية أوجبت قتله؟ ومن الآمر بالقتل؟! يزيد بن معاوية الحاكم باسم خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان من المفترض فيه أن يكون أميناً يخدم أمانة الله في الأرض وهي دينه ورسالته بتفانٍ وإيثار وإخلاص.

وهل كان يحق ليزيد أن يقتل الحسين (عليه السلام) وبأيّة تهمة؟ نعم مبرّر يزيد لقتل الحسين (عليه السلام) أنّه كان يرى فيه خطراً على ملكه وسلطانه وعلى تربّعه على كرسي الحكم الذي يريد أن يتعامل معه من دون الضوابط والموازين الشرعية التي تجعل من الحاكم في موقع حاكميته فرداً من أفراد الأمة له ما لهم وعليه ما عليهم، ويزيد منهم لأنه في موقع المؤتمن على دين الناس ودنياهم، إلّا أنّ يزيد لم يكن كذلك، بل لم يكن مستعداً لأن يكون كذلك، وأبلغ دليل على هذا التوجّه عنده هو سدّ الأبواب كلّها أمام الحسين (عليه السلام) إلا باب القتال ومن موقع عدم التوازن والتناسب في القوى والإمكانات فكانت النتيجة استشهاد الإمام (عليه السلام) ومن معه من أهل بيته وأصحابه.

فالمبرّر إذن لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من جانب يزيد هو خوف يزيد من موقعية شخص الإمام الحسين (عليه السلام) في الأمة الممدوح على لسان ربّ العالمين في القرآن وعلى لسان النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وبقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الآخر: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) وبقوله الثالث: (حسين منّي وأنا من حسين)، حيث أنّ هذه النصوص النبوية تجعل للحسين (عليه السلام) احتراماً وقداسة عند الأمة.

والخوف على الحكم من شخصية الحسين (عليه السلام) هي التي دفعت بيزيد إلى رفض الحلول الأخرى التي طرحها الإمام (عليه السلام) من باب إلقاء الحجة، كالرجوع من حيث أتى أو أن يذهب إلى أطراف البلاد الإسلامية حيث لا تأثير له ولا أهمية لتحرّكه في تلك المناطق النائية، ومع هذا كان يزيد مصرّاً على قتل الإمام (عليه السلام) لأنّه كان يرى في نفس شخص الحسين (عليه السلام) الخطر الداهم الذي سيقوّض أركان حكمه وينهي سلطانه عاجلاً أم آجلاً نظراً لأنّ الأمة لن تتحمل حاكماً مثله في الإنحراف والفساد، وستبحث عن الحاكم العادل الذي يسير فيها بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العدالة والإستقامة والأمان في أرواحها وأعراضها وأموالها، وعندها لن تجد أفضل من الحسين (عليه السلام) في الأمة كلّها.

من هذا العرض كلّه إذن لا نجد في الثورة الحسينية ما يشير إلى أنّها ثورة مذهبية قام بها مذهبٌ ضدّ مذهبٍ آخر كما يحاول بعض المغرضين أن يحرّفوا الثورة عن أهدافها وأغراضها، خاصة إذا التفتنا إلى أمرٍ هام جداً، وهو أنّ مسألة المذاهب في الإسلام حدثت بعد ثورة الحسين (عليه السلام) بعقود، وليس لها أيّ ارتباط بالثورة (عليه السلام) من قريبٍ أو بعيد.

ولذا نقول إنّ كلّ من يدَّعي أنّ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي ثورة فئوية أو مذهبية أو أنّها موجّهة ضدّ أبناء المذاهب الأخرى هو أحد شخصين لا ثالث لهما، فهو إمّا إنسانٌ جاهل لا يدري ماذا يقول؟! أو أنّه إنسانٌ عالم بما يقول ويريد إيقاع المسلمين في الفتنة والإضطراب وإيجاد حالة من التشويش والإرباك في مجتمع الأمة الإسلامية.