في ذكرى ولادة علي "عليه السلام"
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 2927
هنا نجد أن القرآن يجيب بلسان النبي " صلى الله عليه وآله ": ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله)، وكأن النبي " صلى الله عليه وآله " بذلك يريد أن يشير على الأمة أن حب أهل بيته “عليهم السلام” هو السبيل الأوضح والذي لا غبار عليه وهو الذي يؤدي إلى الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة وأن حبهم ليس المراد منه مجرد الود القلبي والميل العاطفي الانفعالي وإنما هو الحب الذي يحرك الحياة الإنسانية في كل خطواتها ومراحلها بنحو لا تبتعد عن الأهداف والغايات الإلهية وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن أهل البيت “عليهم السلام” هم النماذج الإنسانية الصافية القادرة على أن تكون القدوة والأنموذج بعد غياب النبي “صلى الله عليه وآله” عن أمته كما هو مقتضى السنة الإلهية في الحياة والموت وكأن النبي "صلى الله عليه وآله "يريد أن يشير من خلال ذلك أيضاً إلى أن طلبه الأجر ليس لمنفعة شخصية أو فئوية ضيقة متحيزة تريد أن تغلب الجانب النفعي الذاتي على الجوانب الموضوعية للمنفعة العامة للأمة عبر أجيالها اللاحقة وتشير أيضاً إلى أن الأمة لن تعرف المودة الحقيقية ولن تربط ذلك بارتباط عاطفي وبتلك القوة مع غير تلك النماذج الراقية والمتعالية في مضامينها الإنسانية والإيمانية, ولن تقدر الأمة بالتالي أن تندفع وتتحرك للعطاء والفداء بالنسبة ذاتها فيما لو ارتبطت بغيرهم واقتدت بسواهم,وهذا هو التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً يشهد على المعاني الجليلة التي يتضمنها الطلب النبوي للأجر.
وقد روى المفسرون أن المسلمين سألوا رسول الله " صلى الله عليه وآله " عن المقصودين من ذوي القربى الذين ورد ذكرهم في الآية فأجاب “صلى الله عليه وآله” بأنهم: (علي وفاطمة وابناهما) وهذا التفسير ضروري ولازم حتى لا يدخل مع جملة المقصودين من لا يمكنه أن يكون في واقعه قدوة ونموذجاً ولو كان من المعدودين من القرابة القريبة والخاصة بالنبي ”صلى الله عليه وآله”.
ولا شك بأن علياً “عليه السلام” هو في الذروة والأقربية من رسول الله “صلى الله عليه وآله” فهو ابن عمه وصهره زوج ابنته سيدة نساء العالمين”عليها السلام” ووالد أصل ذرية النبي”صلى الله عليه وآله” الحسن والحسين”عليهما السلام”، وهو الإنسان الذي تكاد كل الروايات الواردة في تفسير آية المودة وما يحوم حولها ويعود إليها منحصرة في الدلالة عليه والإشارة إليه, وها هو تاريخه المجيد مليء بكل المعاني والقيم والمثل الراقية التي جسّدها في حياته المليئة بالإيمان والتقوى والعفة والكرم والشجاعة والجهاد والإيثار والصبر والطاعة, وفي كل مأثرة من هذه المآثر هو القمة وهو العلم والرمز والنور الذي لا يرقى إليه الضعف ولا يصل إلى مدى شعاعه نور آخر مهما حاول المحاولون الذين يريدون أن يصنعو أنوراً لتضاهي بأشعتها الأنوار العلوية الخالدة.
فمن المآثر التي لا يشاركه فيها أحد من العالمين ولادته في بيت الله الحرام, وكأن هذه المأثرة الرائعة أريد لها أن تكون بداية التأهيل للأنموذجية الرائدة بعد النبي “صلى الله عليه وآله” عبر طريقة ولادة طاهرة مطهرة وبعيداً عن أنظار الناس العاديين الذين كانوا منغمسين في جاهلية بعيدة كل البعد عن الله عز وجل وتربى في بيت النبوة وتحت نظر النبي”صلى الله عليه وآله” لتظهر كل القابليات والإبداعات والجهود الجبارة التي سخرها عليه السلام لمصلحة الإسلام ورفعة المسلمين وقد ورد عن النبي “صلى الله عليه وآله” برواية السيوطي: ( يا علي, لا يحبك إلا مؤمن, ولا يبغضك إلا منافق)، وكذلك ما رواه أبو نعيم في حلية الأولياء: أن النبي ”صلى الله عليه وآله” خاطب الأنصار قائلاً: " يا معشر الأنصار, ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبداً؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي, فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل)
لهذا كله ينبغي أن يكون الولاء والحب لأهل البيت “عليهم السلام” ولاءً وحباً متكاملاً يبدأ من القلب والروح والعقل وليصل إلى الواقع المعاشر تجسيداً لقيم علي “عليهم السلام” ومُثُله العليا التي استحق بها أن يكون في تلك المنزلة الرفيعة كقدوة لكل الأجيال على امتداد الزمن.
والحمد لله رب العالمين .