معركة الخندق ( الأحزاب )
- المجموعة: مقالات سيرة
- تاريخ النشر
- اسرة التحرير
- الزيارات: 5596
- الجهاد الهجومي، أو جهاد الفتح والدعوة إلى الإسلام.
- الجهاد الدفاعي الذي يقتضيه وجوب حفظ الرسالة من العابثين والمتربصين بها الدوائر، والمهددين لوجودها.
فمعركة بدر وخيبر وفتح مكة وحنين، كانت عمليات فتح وتحرير، في حين كانت معركة أحد ومؤتة وتبوك معارك دفاعية.
ومعركة الخندق واحدة من المعارك الدفاعية التي مارسها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للذود عن حياض الرسالة الغراء ومعسكرها الفتي.
ففي العاشر من شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة، انتصر الإسلام أيما انتصار، على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث تهاوى الشرك كله تحت ضربة الإيمان كله، وكانت هذه الضربة أفضل من عبادة الثقلين.
وفي رواية الحاكم في المستدرك: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ).
وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا ودخله الوهن بقتل عمرو بن عبد ود ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا دخله العز بضربة علي عليه السلام، فما هي تلك المعركة، وما أسبابها؟
في السنة الخامسة من الهجرة، خرج بعض زعماء اليهود إلى مكة وحرضوا المشركين على قتال المسلمين، فرحب بفكرتهم أبو سفيان بعد أن واصل اليهود جولة التحريض على القبائل العربية، فأقنعوا بني فزارة وأشجع وأسلم وبني سعد وبني أسد وغيرهم، فتحزبت الأحزاب على حرب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث اجتمع لقتاله عشرة آلاف محارب تحت راية أبي سفيان بن حرب الأموي، وتحركت عساكر البغي صوب المدينة، غير أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علم بالنبأ، فقرر أن يتحصن في المدينة دون أن يغادرها...
وكانت دور المدينة متلاصقة كأنها سور منيع وذلك من ناحية الشرق والغرب. وأما الجنوب الشرقي فكانت مساكن يهود بني قريظة التي ترتبط مع الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) بمعاهدة حسن الجوار، فلم يبق من المدينة سوى الجزء الشمالي مكشوفاً.
شاور الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه حول هذا الأمر: فأشار عليه سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) بقوله: ( إنا كنا بفارس، إذا حوصرنا، خندقنا علينا ) واقترح حفر خندق حول الجزء المكشوف من المدينة، فاستحسن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيه وبدأ المسلمون يتقدمهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفر الخندق حتى أنجزوه على عجل فتم حفره في ستة أيام.
عسكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاثة آلاف مقاتل على مقربة من الخندق، فجاءت قريش وأحزابها حتى وصلت المدينة فأدهشها الخندق لأنها لم تألف مثله في تاريخ أعمالها العسكرية فعسكرت أمام الخندق، غير أن الضجر بدأ يدب في الجيش الغازي بسبب الخندق من جهة، وبرودة الجو والرياح العاصفة من جهة أخرى.
ورغبت قريش بالعودة فأحس اليهود بذاك، فذهبوا إلى يهود بني قريظة لإقناعهم في نقض المعاهدة، فرفضوا أول الأمر لكن سرعان ما استجابوا لبني قومهم وبدأوا يهاجمون دور المسلمين، فاستبد الخوف بالمسلمين بسبب ذلك التطورات وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما تحدث القرآن بذلك.
بدأ هجوم قريش بعبور عمر بن عبد ود ـ أحد أبطال الشرك ـ الخندق مع نفر من المشركين وأخذ يتهدد ويتوعد ويتفاخر ببطولته، هل من مبارز؟ فلم يقم له سوى علي (عليه السلام) إلا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلسه، وكرر عمرو النداء ساخراً، أين جنتكم التي تزعمون أن من يقتل دخلها فقام علي (عليه السلام) ثانياً وثالثاً، فأذن عندها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه وعممه بعمامته، ثم نزل مبارزاً غير مكترث لعمرو، فغضب عمرو وبدأ هجومه على الإمام (عليه السلام) فصده برباطة جأشه فأرداه على الأرض صريعاً مفترش التراب. يقول المؤرخون أن علياً عندما أراد أن يحتز رأس عمرو، بصق الأخير بوجهه الشريف فقام عن صدره وتمشى قليلاً ثم رجع واحتز رأسه، فسئل عن ذلك، فقال (عليه السلام) أردت أن يكون غضبي لله خالصاً لا لنفسي. وفي الليل هبت ريح عاصف، شديدة البرد فجعلت تكفأ القدور، وتقلع الخيام فاستولى الرعب على جيش الشرك، وبقي صوت الرسول مدوياً.
ضربه على(عليه السلام)يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين.
مواقف نستفيدها من معركة الأحزاب.
-
غدر اليهود ونقضهم للمواثيق التي يبرمونها مع أي جهة كانت، خصوصاً المسلمين، وظهر جلياً هذا من نقض يهود بني قريظة لمعاهدة حسن الجوار مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما رأوا أن الفرصة سانحة للانقضاض على المسلمين. واليهود هم يهود، أينما حلوا ووجدوا، سواء كانوا في الماضي أم الحاضر، لا أمان لهم والغدر من سجاياهم وطبائعهم، أما آن للأمة الإسلامية أن تعي هذه الحقيقة وهي أن صلح اليهود هدنة مؤقتة لانتظار الفرص المناسبة للسيطرة على كل مقدراتنا وإمكانياتنا، فلنحذرهم.
-
التوكل على الله لتحقيق النصر دون خوف للعدد والعدة، فإن كان الإنسان موحداً لا يرى النصر إلا عند الله، ويرى جميع قوى العالم في قبضته تعالى، وهذا ما ظهر عندما طلب عمرو المبارزة فلم يتجرأ له سوى علي (عليه السلام) غير آبه بكل مقدرات العدو حيث كان مصداقاً للحديث: ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ) لذلك فعلى جند الإسلام وأنصاره أن يضعوا هذه الآية الكريمة نصب أعينهم ويتخذوها شعاراً حقيقياً لهم ـ ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) ( آل عمران ـ 173 ).
-
الإخلاص في العمل، كما قال تعالى: ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) كما حصل لأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما أراد أن يجتز رأس عمرو وبصق في وجهه، فأراد (عليه السلام) أن يكون قتله لعدوه حباً بالله لا تشفياً لنفسه فحذار من المؤمن المجاهد أن يبطل عمله النوراني الصالح الذي قام به في المواجهات بالثأر لنفسه أو لأحد أقربائه، بل عليه أن يجعل عمله لله تعالى، فانظروا إلى مثال الإخلاص حيث جاء البعض إلى الإمام الخميني (قدس سره) وشكا إليه وعاتبه وقال: لقد قمنا بالكثير من الأعمال من أجل الثورة، فقال لهم الإمام (قدس سره) مجيباً: أنتم قمتم بما قمتم به لأجلي أم لأجل الله؟ إذا كان من أجلي أنا قيمة ولا فائدة لعملكم، وإذا كان من أجل الله تعالى فلماذا إذاً تتوقعون مني أنا الشكر؟!.