الصفحة الرئيسية
الغناء "مفاسده وأضراره" /2
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 3446
ومن الواضح قبل الشروع في المفاسد الناتجة عن الغناء أنه لا بد من بيان عقوبته في الآخرة لكونه حراماً، وقد وردت أحاديث كثيرة توضح العذاب الذي أعده الله للمغنين وللمستمعين إلى الغناء المحرَّم على حد سواء.
1- تذويب الرصاص في أذنيه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (من استمع إلى اللهو –الغناء- يُذاب في أُذُنه الأفك وهو "الرصاص المذاب")1 وعنه صلى الله عليه وآله: (من جلس الى قِينة –مغنية- يسمع منها صُبَّ في أذنه الأفك يوم القيامة2).
2- العذاب الشديد: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (يُحشَرُ صاحب الطنبور – آلة لهو وغناء- يوم القيامة وهو أسود الوجه، وبيده طنبور من نار، وفوق رأسه سبعون ألف ملك، بيد كل ملك معقمة يضربون وجهه ورأسه، ويُحشَر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم، ويُحشر الزاني مثل ذلك، ويُحشر صاحبُ المزمار مثل ذلك، وصاحبُ الدف مثل ذلك3).
3- محروم من الإستماع إلى قُرّاء القرآن: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (مَنْ ملأ مسامعه من غناء، لم يُؤذَن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة، قيل: وما الروحانيون يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: قُراء أهل الجنة4).
أما مفاسد وأضرار الغناء الدنيوية فهي التالية:
1- يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم عند الإنسان مما يؤدي بالتالي إلى اضطرابٍ وارتباكٍ في دقات القلب التي قد تسبب ذبحة قلبية أو نوبة قلبية وما هو من هذا القبيل، وكلما كان صوت الغناء مع الموسيقى قوياً كلما كان ازدياد الضغط أكثر والخطورة على القلب أكبر، وهذه المفسدة ناتجة عن دراسة في جريدة "اطلاعات" الإيرانية – العدد "9969" ص "9".
2- يضغط على أعصاب الإنسان ويؤدي بها إلى الإجهاد والتعب، ويقول الدكتور "وولف أدلر" (إن الموسيقى تُتْعب وتُجْهِد أعصاب الإنسان على أثر تكهربها بها، وعلاوة على ذلك فإن الارتعاش الصوتي في الموسيقى يُولِّد في الإنسان عَرَقاً كثيراً زائداً عن المتعارف، ومن الممكن أن يكون هذا العَرَق الخارج عن الحد أساساً لأمراض كثيرة وخطيرة، واضطراب الأعصاب عند الإنسان قد يدفعه إلى تناول الأدوية المهدئة للأعصاب أو قد يلجأ إلى استعمال المخدرات كما نرى عند الكثير من المغنين والمغنيات، وعند الذين يستمعون إلى الغناء كثيراً، أو قد ينتهي به الحال في مصح للأعصاب أو الأمراض العقلية). وقد نُشِرَ هذا البحث في مجلة تصدر في باريس اسمها "ديمانش إيلوستره" –العدد 630-.
3- ويؤدي الغناء أيضاً إلى حصول الصداع والألم الشديد في الرأس، لأن الإرتجاج الذي يُحدِثُه الغناء والموسيقى يؤثر على دماغ الإنسان غير المعتاد على هذا الكم الكبير من الإهتزاز غير الطبيعي، فيحصل بالتالي خلل في الدماغ يؤدي الى حالة الصداع والألم، وهذا الضرر أثبتته دراسة علمية قام بها الدكتور "هنري أوكدن" ونشرتها مجلة "أُميدِ إيران" –العدد 306-.
4- ويُسبِّب الغناءُ فقدان الإرادة النفسية عند الإنسان، خصوصاً في حالات الغناء الجماعي كما نرى في الحفلات الغنائية سواء في بلادنا أو في بلدان الغرب، وكثيراً ما يؤدي فقدان المناعة النفسية إلى مفاسد وأضرار للمستمعين ولغيرهم، وقد ذكرت مجلة "طهران مصوَّر" في العدد-1036- أن حوالي مئة وخمسين ألف شخص اجتمعوا في ساحة "لانا سيون" في باريس عاصمة فرنسا واستمعوا إلى نوع من الموسيقى والغناء الصاخب مما أدى إلى ثورة وهيجان في نفوس المستمعين، فعمدوا للتنفيس عن ذلك بالهجوم على المحلات وتكسير الزجاج ونهب الأمتعة والبضائع وجرح الكثير من الناس وقتل البعض منهم، وكم سمعنا عن مثل هذه الأحداث التي تحصل في حفلات الغناء الماجن من انحلال وانفلات من الضوابط الإرادية والنفسية والسلوكية.
5- ويؤدي الغناء إلى فساد الشباب لأنه يوصلهم إلى حالات من فقدان الوعي الكامل الذي يدفع بالشباب الى ارتكاب المحرمات كالزنا وشرب الخمر والمخدرات مع ما قد يسببه ذلك من أمراض جنسية ونفسية نسمع الكثير عنها في الأبحاث العلمية الرصينة التي تحذر من الانغماس في الغناء وما يلحق به من الموسيقى الصاخبة التي تؤذي الدماغ وتتلف الأعصاب، ويمكن أن نُلْحِق هذه المضرة للغناء بما ذكرناه في المضرة رقم-4- أيضاً، لأنها من مصاديقها وتطبيقاتها.
6- ومن مفاسد الغناء إهدار الوقت وضياعه في أمر محرم شرعاً ولا فائدة منه لا للدنيا ولا للآخرة، مع أن عمر الإنسان قصير في هذه الدنيا الفانية، وعلى الإنسان أن يستغل الوقت فيما ينفعه عند الله ويفيده في آخرته، لأن هناك مسؤولية تجاه الوقت سيطالبنا الله بها يوم القيامة، والحديث يقول (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، أي إذا لم تستفد منه للعمل الصالح فسوف يذهب هدراً أو سوف يكون مستهلكاً في الأمور المحرَّمة والضارة.
7- ومن مفاسد الغناء أنه يهدر كرامة الإنسان ووقاره، ويسلب منه الحياء والإيمان والعفة والشرف، ويؤدي إلى تقليل الإنسان لقيمته المعنوية التي وضعه الله فيها، وينزل بها إلى مستوى لا يليق بالإنسان الذي جعله الله خليفة له في الأرض، ويدفعه كل هذا إلى أن تصدر منه تصرفات لا تليق به عند الإستماع إلى الغناء والموسيقى.
وعند النظر إلى هذه المضار والمفاسد التفصيلية للغناء، ثم ننظر في الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام، نجد أن تلك المفاسد هي بعض ما تدل عليه تلك الأحاديث، ويكفي أن نذكر بعضها حتى يتضح ذلك.
-الحديث الأول- روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سأله بعض أصحابه فقال: جُعِلْتُ فداك إن لي جيراناً، ولهم جوارٍ مغنيات يتغنين ويضربن بالعود، وربما دخلت بيت الخلاء فأطيل الجلوس استماعاً مني لهن؟ فقال عليه السلام: "لا تفعل"، قال الرجل: "واللهِ ما هو شيء آتيه برجلي" أي لا أسمع باختياري أو أذهب بإرادتي، إنما هو أسمع بأذني؟ فقال عليه السلام: "بالله أنت أما سمعت قول الله تبارك وتعالى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}؟ وأروي في تفسير هذه الآية أنه يُسْأَل السمع عما سمع، والبصر عما نظر، والقلب عما عُقِدَ عليه. فقال الرجل: "كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عز وجل من عجمي ولا عربي، لا جرم أني قد تركتها، وأني أستغفر الله. فقال الإمام عليه السلام: "قم واغتسل وصلِّ ما بدا لك، فلقد كنتَ مقيماً على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو كنت مِتَّ على هذا، إستغفر الله واسأل الله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبيح، والقبيح دعه لأهله، فإن لكل قبيح أهلاً)5.
-الحديث الثاني- عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما رفع أحد صوته بالغناء إلا بعث الله شيطانين على منكبيه، يضربان بأعقابهما على صدره، حتى يُمْسِك- يتوقف-)6.
-الحديث الثالث- عن الإمام الصادق عليه السلام: (الغناء أخبث ما خلق الله، الغناء شر ما خلق الله، الغناء يورث الفقر)7.
-الحديث الرابع- عن الإمام الصادق عليه السلام: (الغناء يورث النفاق...)8. وفي حديث آخر: (الغناء عش النفاق...)9.
-الحديث الخامس- عن الإمام الصادق عليه السلام: (بيت الغناء لا تؤمَن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة –الدعاء- ولا يدخله الملك)10. وعنه عليه السلام أيضاً: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه خمر أو دفٌّ أو طنبور أو "نَرْد"، ولا يُستجاب دعاؤهم، وتُرْفَع عنهم البركة)11.
-الحديث السادس- عن الإمام الكاظم عليه السلام: (من أصغى إلى ناطق فقد عَبَدَهُ، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان، فقد عبد الشيطان)12. وبما أن الغناء حرام، فمن يستمع إليه فهو عابد للشيطان وليس عابداً لله عز وجل، وإن كان من المصلين لأن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لا قيمة لها عند الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله عندما سمع في إحدى الليالي رجلاً يتغنى فقال: (لا صلاة له، لا صلاة له، لا صلاة له)13 كما نقل عنه ابن مسعود.
ولا بأس بعد عرض هذه المفاسد والأضرار للغناء، وبعد إيراد بعض الأحاديث التي تنطبق على تلك المفاسد، أن نذكر بعض آراء الإمام الخميني"قده" في مجال الثقافة الانحلالية وأخطارها، و"الغناء" لا شك هو جزء أصيل لا يتجزأ من ثقافة الانحلال والانحراف وضياع الهدف والعيش بلا توجه شريف ونبيل وبلا هدَف إلهي رفيع يسعى الإنسان لتحقيقه في الحياة، ولذا يقول "قده" (الثقافة هي أساس السعادة والتعاسة للأمم، وإذا أصبحت الثقافة غير صالحة، فإن هؤلاء الشباب الذين يتلقون هذه الثقافة الفاسدة –والغناء منها كما هو معروف عن الثقافة في المدارس والمعاهد والجامعات"-سوف يُصبحون هم مصدراً للفساد، والثقافة الاستعمارية تضع للأمة شباباً مستعمراً، فالثقافة التي يصممها لنا الآخرون ويخططها لنا الأجانب، وبواسطتها يقومون بتزييف المجتمع وتحويله، هي ثقافة استعمارية طفيلية وهي بالنسبة لنا أسوأ حتى من أسلحة هؤلاء المستكبرين) خطاب الإمام الخميني"قده" 9/1/1987م.
ومن كلام للسيد الإمام القائد الخامنئي "دام ظله" حول مسألة الفن عموماً بما يشمل الغناء والمسرح والسينما والتلفزيون جاء فيه: (من الطبيعي أن يكون العلم المسرحي والفنون المماثلة التي دخلت بلدنا في العقود الخمسة الأخيرة -قبل انتصار الثورة- أي في فترة غربة القيم الإسلامية ونبذها والهجوم الشامل عليها-قد أقيمت على أسس غير إسلامية، بل إنها نمت في اتجاه مغاير، بل وحتى مضاد للمفاهيم الإسلامية، فالمتغربون رواد هذه الفروع الفنية هم الذين عرضوها في بلدنا الإسلامي، وهؤلاء كانوا غرباء، بل ولعلهم معاندون للإسلام، ولذا وُلِدَ تدريجياً في أذهان المجتمع لا سيما الأجيال الفتية –تصور أن للمسرح والسينما والفن عموماً طبيعة غير دينية، بل مضادة للدين، ولا يمكن ولا ينبغي الانتفاع منها لعرض المفاهيم الإسلامية)- مقطع من رسالة وجهها الإمام الخامنئي"دام ظله" للمهرجان الثاني للمسرح الجامعي بتاريخ 5/11/1986م.
وأما موارد الاستثناء من حرمة الغناء فنتركه إلى بحث لاحق في عدد قادم نظراً لحساسية الموضوع وما دخل عليه من أمور سوف نوضحها بشكل يرفع الشبهات والالتباسات الحاصلة عند الجمهور في هذا المورد المستثنى من حرمة الغناء.
والحمد لله رب العالمين.
* الهوامش:
1- تفسير القرطبي-ج14-ص53.
2- نيل الأوطار للشوكاني-ج8-ص264.
3- لآلئ الأخبار-ج3-ص593.
4- مجمع البيان-ج8-ص314-تفسير القرطبي-ج14-ص54.
5- بحار الأنوار ج79-ص246-فقه الرضاعليه السلامص38-.
6- جامع الأخبار-ص180-تفسير الألوسي- ج21-ص68.
7- مستدرك الوسائل-باب الغناء-.
8- الخصال-ج1-ص14-بحار الأنوار-ج79-ص241-.
9- علل الشرائع-ج2-ص162-بحار الأنوار-ج79-ص244-.
10- لآلئ الأخبار-ج3-ص595-.
11- لآلئ الأخبار-ج3-ص594-.
12- وسائل الشيعة- ج6- ص236-.
13- نيل الأوطار-ج8- ص264-.