الخميس, 21 11 2024

آخر تحديث: الجمعة, 01 آذار 2024 3pm

الصفحة الرئيسية

الطلاق – شروطه – أحكامه –1

sample imgage

ممّا لا شكّ فيه أنّ الطلاق في الإسلام وإن كان مشروعاً وجائزاً، إلاّ أنه مكروهٌ كراهة شديدة في هذا المجال لما فيه من تدميرٍ للبيت الزوجي، الذي حرص الإسلام على جعله بناءً قوياً متماسكاً، خصوصاً إذا كان هناك أبناءٌ نتجوا عن ذلك الزواج.

ونظراً للآثار السلبية للطلاق، فقد حرصت الشريعة الإسلامية على أن لا يُستعمل هذا الأمر عند حصول أيّة حالةٍ سلبية طارئة على حياة الزوجين، بل ينبغي أولاً التروّي والتمهّل في معالجة الحالات الطارئة على الزواج، ومحاولة معالجتها بطريقةٍ تعيد الأمور بين الزوجين إلى مجاريها ، وقد أكّدت الشريعة في هذا المجال على ضرورة حلّ الخلافات الزوجية فيما بين الزوجين أنفسهما، فإن لم يتمكنا من ذلك، فحينها يتمّ اللجوء إلى شخص من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجة ويسعيان للإصلاح بينهما، كما ورد في الآية القرآنية الكريمة: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما...}. وهذا إن دلّ على شيءٍ فهو يدلّ على شدّة عناية الإسلام بعدم تهديم البيت الزوجي بعد بنائه، ولذا أكّد الإسلام على سلوك هذا الأسلوب لفهم أسباب المشكلة بين الزوجين ومحاولة رأب الصدع وتقريب وجهات النظر بينهما.

ومن الواضح جداً أنّه لا يكاد يخلو بيت زوجي من بعض موارد الإختلاف في الرأي، وهذا الأمر طبيعيٌّ جداً، إلاّ أنّ غير الطبيعي هو أن يؤدي مجرّد الخلاف في الرأي وخصوصاً إذا كان في الأمور الصغيرة إلى الطلاق، لأنّ الإسلام يؤكّد في هذا المجال على ضرورة أن يتفاهم الزوجان بطريقة لا تجعل من أيّ خلافٍ صغيرٍ سبباً للشقاق والفراق ووصول الأمر إلى مرحلة الطلاق البغيض عند الله.

والكلّ يعلم أنّ الحياة الزوجيّة لا تعني الوفاق الدائم والتامّ بين الزوجين بشكلٍ مطلق، بل قد تعترض الزواج حالاتٌ سلبيةٌ قليلةٌ أو كثيرةٌ نتيجة الإحتكاك الدائم والمستمرّ بين الزوجين، والإسلام هنا أكّد على ضرورة فهم كلٍّ من الزوجين للآخر بالطّريقة التي تعين كلاًّ منهما على إستيعاب الآخر وعدم وصول الأمور إلى حالة اللارجعة بينهما.

ومن هنا نجد أنّ الإسلام أعطى الرجل وحده دون المرأة حقّ الطلاق، باعتبار أنّ الرجل من المفروض أن يزيّن الأمور بميزان العقل وبحسب نظر العقلاء، ولا يعمل بعاطفته المجرّدة عن حالة العقل والتعقّل، بينما لو كان أمر الطلاق بيد المرأة دون الرجل، فالمرأة بطبيعتها عاطفية وحسّاسة، وقد تُقدم على إجراء الطلاق من زوجها بمجرّد حصول حالة من التنافر بينهما، مع أنّها قد تندم على حصول هذا الأمر بعد ذلك، وهذا الكلام لا نطلقه من موقع أنّنا نُقلّل من شأن المرأة، بل من موقع المعاينة والتجربة المُعاشة التي نلمسها يومياً في كثيرٍ من الحالات التي نعالجها في هذا المجال.

ولعلّ لكون الطلاق بيد الرجل سبباً آخر وهو أنّ الرجل مُطاَلب بالمهر الذي يجب عليه دفعه، وهذا ما قد يدفعه إلى التفكير مليّاً عند إرادته القيام بهذا الأمر المكروه إلى الشريعة، وقد يُفضّل في هذه الحالة معالجة الأمور بطريقة هادئة حتى لا يصل إلى ما لا يرغب الوصول إليه وهو الطلاق ودفع المهر خصوصاً إذا كان غير قادر أو كان دفعه حرجاً عليه أو ما شابه.

ومن المفيد والمهم أن نتعرّض هنا لذكر الآيات والنصوص التي تتحدّث عن الطلاق لإلقاء نظرة شاملة على هذا الأمر المكروه ولتتوضّح النظرة إليه أكثر، وهي: (أنّ الطلاق ليس أمراً مُستساغاً ولا مُستحسناً ولا يُفضّل الإسلام اللجوء إليه كحلّ للمشاكل الزوجية طالما أنّ هناك أساليب أخرى يمكن اللجوء إليها لإصلاح ذات البين بين الرجل والمرأة).

وقد ورد في القرآن العديد من الآيات التي تتحدّث عن الطلاق مثل قوله تعالى :{والمطلّقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قرؤ ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ إن كُنَّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر، وبعولتهنّ أحقّ بردهنّ في ذلك إن أرادا إصلاحاً ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهنّ درجة والله عزيزٌ حكيم}، وكذلك في قوله تعالى :{الطلاق مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله، فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما اقتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون}.

حيث تشير هذه الآية بالخصوص إلى أنّ الرجل يمكنه أن يطلّق زوجته مرة أولى، ثمّ يعيدها إلى حالة الزواج أثناء عدّتها إذا كانا قد تزوّجا فعلاً، أو يعيدها بعقد زواجٍ جديد بعد إنتهاء العدّة أو إذا كان لم يتزوّجها فعلاً وكان قد عقد قرانه عليها فقط، ثمّ يمكنه لو حصل موجب الطلاق أن يطلقها مرة ثانية، ويمكنه بعد ذلك أن يعيدها أيضاً إلى زواجه من جديد، وكذلك يمكنه بعد إرجاعها للمرة الثانية أن يطلقها، لكن في هذه الحالة بما أنّ الطلاق صار الطلاق الثالث لا يعود هناك إمكانية لإرجاعها إلى كونها زوجته، لأن الطلاق الثالث يحرمها عليه بمجرد حصول الطلاق.

نعم يمكن للمرأة هذه أن تتزوّج بالعقد الدائم من شخصٍ آخر زواجاً فعليّاً ثمّ يطلقها وبعد إنتهاء العدّة يمكن للزوج الأول أن يعود إليها كزوجٍ من جديد كما تقول الآية الكريمة: {فإن طلقها "الطلاق الثالث" فلا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، فإن طلقها "الغير" فلا جناح عليهما أن يتراجعا "يتزوجا من جديد" إن ظنّا أن يقيما حدود الله...}.

وفي التفسير الدقيق لهذه الآية نرى أنّ الله عز وجل لم يجعل الطلاق من المرة الأولى موجباً للقطيعة الكاملة بين الزوجين المتزوجين فعلاً وليس الأمر بينهما مجرّد عقد قران، وذلك لأنّ الطلاق الأول بعد حصوله قد يعطي الرجل وكذلك المرأة الفرصة للتفكير فيما حصل بينهما وأوجب الطلاق، وحينها قد يتراجع الرجل عن الطلاق ويعيد المرأة إلى زوجيّته وإلى بيته مستفيداً هو وإياها من الطلاق الأول كتجربةٍ مرّ بها كلاهما، وعايشا مرحلة الانفصال بما قد تحويه من ألم وحزن ومعاناة لكلًّ منهما، فيتعلمان بالتالي كيف يمكن أن يعيشا بطريقة لا تؤدّي بهما إلى حصول الطلاق مرّة ثانية بينهما.

وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ الإسلام حريصٌ كلّ الحرص على قدسيّة الحياة الزوجية، وإنّ صونها وحمايتها شيء عظيم ومهم، وحتى لو حصل الانفصال بالطلاق، فهناك فرصة للعودة ثانيةً إلى الزواج لإعطاء فرصة ثانية وثالثة لتوثيق العرى والروابط بين الزوجين.

ومن هنا يمكن القول إنّ الطلاق هو مثل "الكي" كما ورد في المثل الشعبي (آخر الدواء الكي) عندما لا تنفع كلّ العلاجات الأخرى، وكذلك الطلاق فهو الدواء الأخير لأدواء الزواج عندما لا تنفع كلّ المعالجات الأخرى في رأب الصدع وإعادة الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها بين الزوجين.

وأمّا ما ورد في السّنة الشريفة عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأئمة المعصومين (عليهم السلام) حول كراهة الطّلاق فهو كثيرٌ نختار ما يلي من تلك النّصوص:

1 – (ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 – (إنّ الله يبغض الطلاق ويحبّ العتاق) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

3 – (إنّ الله لا يحبّ الذوّاقين ولا الذوّاقات) رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومعنى هذا الحديث أنّ الرجل يستهوي إمرأةً معيّنة فيتزوّجها فترة ثمّ يبدو له أن يطلقها، ثمّ يستهوي غيرها فيتزوجها أيضاً ثمّ يطلقها وهكذا، وكذلك المرأة تستهوي رجلاً فتتزوجه ثمّ بعد فترة معه تعمل على الطلاق منه، ثمّ تستهوي آخر وهكذا، فالله عزّ وجل لا يحبّ هذا الصنف لا من الرجال ولا من النساء لأنّهم يتعاملون مع الزواج تعاملاً عبثيّاً ولا يكون القصد من الزواج هو التحصين وبناء الأسرة وما يتبع ذلك من أمور.

4 – (ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجل من بيتٍ يخرب في الإسلام بالفرقة... إنّ الله عزّ وجل إنما وكَّد في الطلاق، وكرّر القول فيه من بغضه الفراق) الإمام الصادق (عليه السلام) .

5 – (إنّ الله عزّ وجل يحبّ البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق) الإمام الصادق (عليه السلام).

من مجموع ما سبق ينكشف بما لا مزيد عليه أن الطلاق بمعنى تهديم البيت الزوجي أمر مكروه في الإسلام، لأنه مخالف لما أمر به هذا الدين العظيم من الجمع بين الرجل والمرأة تحت سقف بيت الزوجية بالحلال، ليكون الزواج مقدمة لبناء الأسرة الصالحة الملتزمة التي تزوّد المجتمع بأبناء وبنات صالحين عاملين، بينما الطلاق يؤدي فضلاً عن الإنفصال بين الزوجين إلى أن يعيش الأولاد إن كانوا موجودين حالة من الإرباك بين الأب المطلِّق والأم المطلَّقة مما قد يخلق عندهم عادات غير حميدة فضلاً عن تعقيد حياتهم بين الأبوين.

وإن شاء الله سنكمل الحديث عن هذا الموضوع في المقالات القادمة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


"التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع، كما ولا يتحمّل الموقع

أي أعباء معنوية أو مادية إطلاقاً من جراء التعليقات المنشورة"


أضف تعليقاً


كود امني
تحديث