الصفحة الرئيسية
تحريم صلاة الجماعة في مكة والمدينة في البيوت "دلالات وعبر"
- 16 كانون2/يناير 2014
- الزيارات: 2217
في سؤالٍ موجّه إلى سماحة القائد يستفتون فيه عن جواز إقامة صلاة الجماعة في المساكن والمنازل التي يستأجرها الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يكونون بعيدين عن أعين الآخرين من المسلمين غير الشيعة، ممّا قد يوحي بأنّ صلاتهم جماعة في تلك الأماكن لا محذور فيها ولا إشكال لأنّها لا ترتّب أيّ آثار سلبية على الشيعة كأفرادٍ وجماعات وعلى التشيّع كمذهبٍ إسلامي أصيل، لكن الإمام الخامنئي(دام ظله) أجاب على هذا السؤال بالنفي ولم يعطِ الإجازة لصلاة الجماعة في البيوت والمساكن، معلناً عن التحريم لصلوات الجماعة في الفنادق والأماكن العامة للشيعة أثناء أداء مناسك الحج والعمرة وزيارة قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا الجواب الحاسم من سماحة الإمام الخامنئي(دام ظله) يحتاج إلى نوع من التوضيح لفهم خلفياته الإستدلالية ودلالته العملية لتكون الصورة واضحة لهذا التحريم ونقول: "الهدف من فريضة الحج": ممّا لا شكّ فيه أنّ الحج هي فريضة عبادية وسياسية كما قال الإمام الخميني المقدَّس وكما يقول الإمام الخامنئي(دام ظله) وهذان الجانبان في الفريضة
متلازمان ولا يفترقان ولا يمكن الفصل بينهما، لأنّ الأبعاد السياسية للحج ناتجة عن أداء المناسك العبادية فيها، فعندما يطوف المسلمون من كلّ المذاهب حول الكعبة في وقتٍ واحد ومكانٍ واحد هم يقومون بعملٍ عبادي وفي الوقت نفسه هو مظهر قوة للمسلمين وهذا مضمون سياسي وليس بمضمونٍ عبادي، وكذلك الحال أثناء السعي والرجم والوقوف في عرفات والمزدلفة والمبيت بمنى، فالمسلمون في موسم الحج هم كتلة واحدة متراصّة متلاحمة وهم قادمون من كلّ أقطار المسلمين ومن كلّ أماكن إنتشار المسلمين في العالم، وهذا يعني أنّ المسلمين في أثناء تأدية فريضة الحج المباركة يعطون الصورة المشرقة الوضّاءة عن عظمة هذا الدين وقدرته على جمع الناس من القوميات المختلفة والمذاهب المتعدّدة في الإسلام ويصهر الجميع في بوتقة واحدة، بحيث لا يستطيع الناظر لتلك الصورة البهية من بعيد أن يلمح الفوارق بين أبناء الإسلام على إختلاف ألسنتهم وألوانهم، بل الكلّ سواسية كأسنان المشط لا فرق لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود طالما أنّهم في رحاب الله في طاعته والتزام أمره. ولا شكّ أنّ هذا المجتمع الإلهي والمؤتمر السنوي الذي ينعقد تلقائياً من خلال أداء فريضة الحج هو نوعٌ من البعد السياسي المهم الذي يتلاقى فيه المسلمون ليتدارسوا كلّ قضاياهم ومشاكلهم ليعرفوا بالتالي كيف يتدبّرون أمورهم ويحلّوا ما أمكن منها لتحسين أوضاعهم وأحوالهم، وهذا ما يستفاد من الآية الكريمة: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾. ومن هنا نقول أنّ وحدة المسلمين وجمع كلمتهم وإظهار ذلك أمام العالم كلّه هو هدف مطلوب ومن صلب أهداف فريضة الحج الإلهية، ولا شكّ أنّ إنفراد الشيعة بالصلاة لن يحقّق هدف الوحدة المنشود، لأنّ المسلمين سيظهرون مشتّتين متفرّقين، مع أنّهم موجودون في المكان الذي شهد ولادة الإسلام الذي هو دين التوحيد وتوحيد الكلمة فكيف يتفرّقون في الصلاة وهم عند النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو نبيّ المسلمين جميعاً باعتراف كلّ المذاهب الإسلامية وأتباعها؟! مع أنّ شعار الجميع في أثناء تأدية مناسك الحج أو عند زيارة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) هو "لا إله إلّا الله محمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)). وهنا قد يتبادر إلى الذهن عند الشيعة سؤال لا بدّ من الإجابة عليه هو "إنّ هناك بعض الإختلافات في الصلاة بين السنّة والشيعة، فالسنّة يجيزون السجود على المأكول أو الملبوس بينما الشيعة لا يجيزون ذلك، والسنّة يلتزمون بالتكليف بينما الشيعة لا يلتزمون، كما يرون أنّ هذين الفعلين مبطلان للصلاة، فكيف يجوز أن يصلي الشيعة مع أئمة السنّة وفي جماعاتهم؟ وللجواب عن ذلك نقول "تارة يصلي الشيعي في منزله أو في أماكن تواجده فقط، فهنا يمكن أن يصلي وفق مذهبه ووفق ما يراه صحيحاً من الصلاة، وأمّا في الأماكن العامة وخصوصاً التي تكون أمام أنظار العالم كلّه كما في المناسبات الكبيرة للمسلمين كأعيادهم أو كما في مكة والمدينة عند حج بيت الله الحرام أو زيارة قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهنا توجد عندنا أدلة شرعية تحمل عناوين تشير إلى جواز أن يصلي الشيعة مع السنّة في جماعةٍ واحدة وصلاتهم صحيحة ومجزية ولا تجب عليهم إعادتها لأنّها صادرة عن حكم شرعي أمرنا به أئمتنا(عليهم السلام) وأجازوا لنا ذلك. وتلك العناوين التي تجعل صلاتنا مع السنّة وبسببها لا يجوز لنا أن نقيم صلاة الجماعة في مكة والمدينة ولا في الفنادق ولا في البيوت والمساكن هي: أولاً:_وحدة المسلمين _ ولاشكّ أنّ وحدة المسلمين هي الأساس، والإختلاف المذهبي أمرٌ طارئ على حياة المسلمين ونتج عن الإختلافات في بعض التوجّهات، إلا أنّ هذه الإختلافات لم تُخرج لا السنّة ولا الشيعة عن كونهم مسلمين، وبما أنّ الوحدة هي الأساس فكلّما كان هناك مجال لإظهار وحدة المسلمين، لأنّ الوحدة مظهر من مظاهر قوتهم وجب الإلتزام بأداء العبادة مع السنّة حفاظاً على ذلك المظهر الراقي والمنظر الحضاري للمسلمين الذين يقدرون على تجاوز بعض الخلافات التي لا قيمة لها في مقابل فائدة كبيرة تنتج عن وحدتهم في الصلاة وغيرها. ثانياً: _المداراة_ وهي من الأمور الواجبة على المسلمين، وقد جاء في الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (أُمِرتُ بمداراة الناس كما أُمِرتُ بتبليغ الرسالة)، ولا شكّ أنّ صلاة الشيعة مع السنّة حيث يكون ذلك مطلوباً هو نوع من المداراة المطلوب الإلتزام بها إحتراماً للمسلم الآخر من جهة، ولعدم تعريض المذهب الشيعي للمحاربة والتهجّم عليه من جانب المسلمين الآخرين، لأنّ صلاة الشيعة منفردين سوف تعرِّضهم بالتأكيد للنقد اللاذع من الآخرين وسوف تعود بالضرر على نفس مذهب التشيُّع المطلوب الحفاظ عليه وعلى سمعته من التشويه والإتّهام بما لا يليق، ولذا نجد في تعليل جواز الصلاة مع الأخوة السنّة أنّه "إذا كان هناك توهين لمذهب الشيعة ونعته بأوصاف لا تليق به لا تجوز الصلاة من الشيعي في هذه الحالة ويجب عليه الإلتحاق بالجماعة ولو كان الإمام والمأمومون من مذاهب أهل السنّة، كما سيبدو ذلك في الإستفتاءات التي سنذكرها لاحقاً. ثالثاً: _التقية_ وهي من العناوين المعروفة عند الشيعة منذ قرون عديدة أنّها السبب الذي كان يجيز للشيعي أن يصلي مع أهل السنّة خوفاً على نفسه أو ماله أو عياله وما شابه ذلك، ولكن في عصرنا الحاضر لم تعد التقية في الصلاة لأجل الخوف على النفس وأمثال ذلك، وإن كان هذا مازال يمكن وجوده عند بعض المتعصّبين، إلا أنّ جواز صلاة الشيعي تقية من السنّة هو من أجل حفظ المذهب من التعرّض للتسفيه أو التشويه من جانب الآخرين لو لم يلتزم بالصلاة جماعة معهم، ولقد جاء عن الأئمة الكثير من الأحاديث التي تأمرنا بالعمل بالتقية، أبرزها ما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) :(التقية ديني ودين آبائي، من لا تقية له لا دين له). من هنا إذن أفتى السيد القائد الإمام الخامنئي(دام ظله) بحرمة صلاة الشيعة جماعة في مكة والمدينة أثناء تأدية المناسك للأسباب الثلاثة التي ذكرناها ولا معنى لهذا التحريم إلا أن يلتحق الشيعة بصلاة الجماعة لعموم المسلمين في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو سائر مساجد المدينتين اللتين يتردّد إليهما أثناء ذهابهم لأداء فريضة الحج المباركة. وأمّا الإستفتاءات الموجَّهة إلى سماحة القائد في هذا المجال فهي التالية مع أجوبتها وهي موجودة في مناسك الحج لسماحته(دام ظله): _س3_ باب "مسائل متفرقة" هل تجزي الصلاة جماعة خلف إمام من السنّة في مكة المعظمة والمدينة المنورة أم لا؟ _الجواب: مجزية إن شاء الله. _س9_ ورد في بعض الإستفتاءات أنّكم لا تجيزون إقامة الجماعات في الفنادق في مكة المكرمة، فهل تجيزون إقامة الجماعة في المنازل والبيوت التي تنزل فيها بعض الحملات عادة، علماً أنّ هذه الحملات تستقل بالمنزل، وإقامة الجماعة فلا تشكّل ذريعة عند الحجاج لترك الصلاة في المسجد الحرام؟ _الجواب: لا نجيز إقامة الجماعة في المساكن والمنازل أيضاً. _س54_ هل يصح السجود على السجاد في المسجد النبوي الشريف خصوصاً في الروضة الشريفة حيث أنّ وضع شيء يصحّ السجود عليه كالورق أو السجاد المصنوع من الأسل يلفت الإنتباه، ويعرِّض المصلي للنظرات كما يتيح للمخالفين الإستهزاء به؟ _الجواب: لا يجوز وضع شيء إذا كان مخالفاً للتقية ويجوز السجود على أحجار المسجد كما يجوز على السجاد تقية. _س55_ ما حكم الخروج من المسجدين الشريفين حال الآذان والإقامة في حين أنّ أخواننا السنّة يتّجهون نحو المسجدين ويدور بينهم حديث حول خروجنا في مثل هذا الوقت؟ _الجواب: لا يجوز ذلك فيما لو عدَّ في نظر الآخرين إستخفافاً بالصلاة في أول وقتها لا سيما إذا كان فيه "التسفيه " "التعرّض" على المذهب. والحمد لله ربّ العالمين .